كيف نصل إلى ما وصلت إليه ياسيدي من الثراء الفكري والعلمي والبلاغة بغبطة وإكبار وتأثر غمر النفس والوجدان قال هذه العبارة دكتور وأستاذ جامعي للمفكر وللعلامة والمفكر الداعية الإسلامي الحبيب أبوبكر بن علي المشهور خلال حضوره والكثير من نظراءه محاضرته ( المسلمون ... وحدة العقيدة ووحدة المصير ) مساء الأربعاء الماضي في مركز ابن عُبيدالله السقاف لخدمة التراث والمجتمع بمدينة سيؤون حضرموت في هذه العبارة تجسيد صادق يكاد أن ينطق به لسان حال المئات من الذين لم يتركوا شبراً شاغراً في عموم المركز و من المعروف أن للحبيب أبوبكر المشهور سمة وشخصية فريدة و جاذبية أخاذة في طرح أطروحاته العميقة التي تلامس الواقع تتجلى فيها المعادلات الصعبة كالجرأة والبلاغة والمصداقية و عفوية الطرح وتبسيط لغة التفاهم والتصوير والتقريب بين عموم الحضور رغم تباينهم الفكري واختلاف أطيافهم كل ذلك في رقي رفيع و عمق علمي بعيد الأغوار. هذه بعض الخصائص وأكثر منها وظفها السيد المشهور في تلك المحاضرة القيمة.. وقد وفق تناول فيها بتوظيف تلك الموهبة الربانية والأدوات الفكرية الراقية بحس مسئول وصفه الحضور بأنه غير مسبوق في طرح القضايا شديدة الحساسية وهموم الأمة الإسلامية وأسباب الخلافات المستحدثة التي صنعها وكلاء الشيطان والمفوضين باسمه لتشكيل وتجذير هذا الواقع المرير.. وقال ما أحوج جميع المسلمون وبخاصة العلماء منهم للعودة إلى مرحلة مكةالمكرمة مرحلة التأصيل لوحدة العقيدة في الفكر والتعامل والسلوك وعلى الرغم من أن مرحلة مكة لم تتجاوز ثلاثة عشر عاماً لكنه تأسست خلالها أهم مراحل التربية المحمدية وحك وصقل فيه الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أصحابه الكرام الذين لا نقبل بأي حال الطعن في أحدهم وقد كانت مرحلة توحد وتوحيد لا خلاف فيها على الإطلاق بين عموم المسلمين منذ ذلك الحين و حتى يومنا هذا , ثم أتت مرحلة المدينةالمنورة وهي مرحلة تحول السلوك و التشريع والمواقف وما تلا ذلك من مراحل فهي تعتمد في الغالب على الاجتهادات الخاصة والمواقف السياسية ولا يبعد بعضها كثيراً عن مدرسة الأنوية ورائدها الشيطان ومن جميع المراحل المذكورة نستطيع أن نستخلص الدروس والعبر فصلح الحديبية تتجلى فيه الحكمة في التنازل ويوم الفتح القوة والصفح وفي مبايعة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لسلفه من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم تكريس لنمط الوسطية والترفع عن الجزئيات وإيثار مصلحة الأمة قبل أي شيء‘ وكذا في تنازل الحسن رضي الله عنه لمعاوية على الرغم من أنه أحق بالأمر من معاوية ولكن الحرص على حقن دماء المسلمين دفعه إلى ذلك وفي هذه الدروس ما يتناسب مع واقعنا وما يمكن إسقاطه على كثير من القضايا فالمؤمن وبخاصة السلطان و صاحب القرار لابد أن يتجاوز في عموم الأمور نظرته للجزئيات والتفاصيل الآنية و الرقي في الفكر والعودة إلى مرحلة الأصول والنهايات وآل البيت رضوان الله عليهم قد ضربوا بهذا وغيره أروع الأمثلة في التضحية والوسطية ولم يخرجوا عنها عبر التاريخ بأي حال وتجردوا في أمور الأمة عن أمراض النفس والدنيا لأنهم ينطلقون في مجمل أمورهم وقراراتهم من المرحلة المكية والمدنية مدرسة التأصيل والتشريع ولا ينظرون في الجزئيات و التفاصيل الآنية. وقد أكد المشهور بأن التقريب بين المسلمون أمر ممكن بل ويسير باحترام الآخر ولن يكون ذلك إلا بالعقلاء اللا مذهبيين‘ البعيدون عن السلطان و الزاهدين ليس زهد البطون فحسب فبهم إن شاء الله ستكون وحدة العقيدة والفكر بلا إفراط أو تفريط فنحن أمة وسطا في السلوك والتوازن قبل الجغرافية أو العصور والأزمان كما أكد بأنه لابد أن تكون هناك قراءة حقيقية ومتجردة للتاريخ ومراحله وأدواره والعودة إلى الأساس وهما مرحلتي مكةوالمدينة مرحلتا التأصيل للتوحيد والعقائد ومن ثم البيعة والهجرة والحديبية ويوم الفتح ومسجد ضرار و سورة المنافقين والسقيفة والخلافة والملك العضوض والخلافات المذهبية وكذا مرحلتنا الراهنة مرحلة الاستهتار والمخاض التي نعيشها نحن اليوم ومن الجدير ذكره أن المحاضرة ارتكزت في بعض محاورها إلى كتاب للمحاضر ( المواجهة السافرة ) , كما حالف التوفيق فضيلة الدكتور خليل إلياس رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية بسيؤون بجامعة حضرموت في إدارة الحوار بعلمه وحكمته رغم الحضور الكثيف , والمحاضرة كانت وجبة فكرية غنية ودسمة تمنى الحضور استمرارها وقد كفت المضيف تقديم وجبة العشاء . * سيؤون – حضرموت: