ظلت بعض المهن والأشغال حكراً عل بناء الجمهورية العربية اليمنية الذين لم يسمحوا لأي جنوبي أن ينافسهم فيها؛ بل كلما حاول أي جنوبي أن يخوض مهنة في هذا السوق أو ذاك اتحدوا عليه وعملوا على تطفيشه تارة من خلال تخفيض السعر إلى أقل من قيمة الشراء، وتارة عن طريق توفير كميات كبيرة من هذه البضاعة أو تلك، وعمل مزاد على هذا الصنف أو ذلك لكي لا يكون لأي جنوبي فرصة للمحاولة مرة أخرى، وهذا الأمر لم يكن تلقائياً بل تم بدعم وتخطيط من رموز الاحتلال في شبوة الجنوب على وجه السواء. وظلت الخضار والفواكة حكراً على ابناء اليمن، الذين عملوا على تطفيش كل جنوبي حاول أو فكر حتى في محاولة منافستهم أو البيع والشراء في الخضار والفواكة، ولكن الموطن محسن علي الكديم الخليفي لم يكن يفكر بهذه الطريقة اليائسة؛ بل غامر وافتتح أول بسطة لبيع الخضار والفواكة في سوق عتق المركزي، وأسماها بسطة التصالح والتسامح، وعند رؤيتنا لأول الصور عن هذه البسطة لم نصدق ما رأيناها فقررنا شبوة برس أن نزوره في سوق الخضار في عتق لنطلع على هذا الأمر عياناً. لم يصدق الأخ محسن أنني كنت أبحث عنه وأبلغته بفرحي الشديد بهذا الانجاز وسألته عن اللوحة التي تبين أن هذه البسطة هي فعلا كما قيل لي بسطة التصالح والتسامح، فضحك وقال في الطريق، لا تستعجل على رزقك، وعند سؤالي له عن الصعوبات قال لي: كل عمل فيه صعوبة وبحاجة إلى صبر، ومثابرة بدلاً عن النوم والكسل، صحيح أنا مش محتاج لكني لا أحب الكسل وهذه التجربة ليست جديدة علي بل كنت قبل الوحدة أبيع واشتري في الخضار والفواكة. ثم حدثنا عن هذه التجربة الجديدة عليه وقال: كل واحد يستطيع أن ينجح في أي عمل يقوم به شريطة أن يخلص فيه ويخاف الله ويتقيه ويعامل الناس بخلق حسن. الناس الذين زاروه أثناء تواجد شبوة برس في هذه البسطة كانوا كلهم مهنئين مباركين له بهذا العمل الممتاز وكل منهم يطلب منه أن يعده واحداً من زبائنه المستقبليين. الأخ محسن كان يقوم بتفحص الخضار ويختار الصالح منها فقط ليبيعه وليس فقط ليعرضه، وعندما رأى نظراتي له قال لي: لا تستغرب أنا أريد أن أعمل فقط ولا أنوي أن أقطع رزق أحد بل أريد أن أطلب الله بالحلال، والعمل عبادة وليس عناداً في أحد. الأخ محسن وأخوانه شركاؤه يعملون هنا إلى ما بعد العشاء ثم يغلقون هذه البسطة ويقوم حارس السوق بحراستها مقابل مبلغ مالي ليستأنفوا العمل في الصباح؛ صحيح أنهم لا يعلمون طوال الوقت مثل الباعة المستوطنين ولكن هذه بداية فقط. التقطت بعض الصور لزبائنه وقلت له بماذا تنصح الشباب والعاطلين عن العمل، فقال: بلادنا مليئة بالخيرات، وفيها بركة ورزق وفير ولكن علينا أن لا نتكل على غيرنا لكسب عيشنا، صحيح بعض الناس لديه دخل ثابت لأحد أفراد اسرته أو لديه أب أو أخوة في المهجر ويرسلون له كل شهر حوالة تكفيه وأسرته ولكن هذا لا يمنع من أن يجرب ويحاول مرات ومرات وسيجد العمل المناسب له وليس هناك أحلى من الكسب من عمل اليد. ودعته وقد أبلغته أنني سأكون أحد زبائنه الدائمين فقال لي: على الرحب والسعة، وستجد ما يسرك، فقلت له: سرني رؤيتك وأنت تخوض غمار هذا العمل الشاق.