استخدم تيار الإسلام السياسي التكفير سلاحًا ضد خصومه لثنيهم عن معارضتهم، كما فعل الاخوان المسلمون، وفي هذا إساءة للإسلام نفسه، الذي يجب تنزيهه عن السياسة، وهي صناعة إنسانية رديئة، بحسب ما قال الازهري السابق الدكتور أحمد صبحي منصور. واشنطن: لم يعد الإنقسام السياسي ظاهرة عادية، بل أضحى واقعًا مأساويًا يعصف بالمجتمعات العربية، جراء ما يحدث في الشارع العربي اليوم، ليشكل خطرًا كبيرًا على بنية المجتمع وتلاحمه. وقد ظهر ذلك جليًا خلال الثورة المصرية الأخيرة المتجددو منذ 30 حزيران (يونيو)، التي قسمت العالم العربي إلى معسكرين، مؤيد لثورة شعب ثار على الظلم والإستبداد ضد من يدعون الدين والتدين، مقابل معسكر يرى بأنه صاحب حق وشرعية جاء من خلال صناديق الإقتراع، وما حدث انقلاب وليست ثورة. فأصبح الأفراد في المجتمع أكثر عدائية نحو من يختلف معهم في التوجه السياسي حتى وصل الأمر إلى تكفير التيارات الدينية كل من لا يقف بجانبها ولا يؤيدها، ما جعل بعض المنتسبين لها والمؤمنين بفكرها ينظرون لكل من لا يؤيدهم بأن علاقتهم بالله غير مقبولة ولو مارسوا كل الشعائر الدينية، لأنهم في فكرهم يرونهم يحاربون شرع الله. فهذه التيارات دأبت على مدى عقود طويلة على تصوير نفسها بأنها المشروع الإسلامي الخالص. وجبت محاربته يرى أحمد صبحي منصور، الأزهري السابق ورئيس مركز القرآنين العالمي في واشنطن، بأن التيارات الدينية التي تعمل بالسياسة يجب مواجهتها سياسيًا وفكريًا ومن داخل الإسلامن الذي يجب أن يتنزه عن الإستغلال السياسي، "فاستغلال الدين لخداع الناس لعبة سهلة وخطيرة جدًا، من خلالها يصل الآفاقون ومنعدمو المواهب للصدارة بمجرد التمسح بالدين والتدين السطحي والاحتراف الديني، فخبرتهم تقوم على الخداع والتآمر لأنهم لا يفقهون العمل السياسي". ويعتبر منصور أن الديمقراطية والإنتخاب ما هي إلا مجرد سلم يستخدمه هؤلاء للصعود لكرسي الحكم وتملك السلطة، ومن ثم يقذفون به لأنهم لا يعرفون الحلول الوسط ولا تداول السلطة، لأنهم متأكدون من حتمية فشلهم. يقول: "يعرفون جيدًا أنهم سيفشلون في السلطة وسيتم طردهم منها، لذا فمبدأهم السياسي كما يظهر من تجربة الإخوان في مصر هو إما أن نحكمكم أو أن نقتلكم، فلا أسهل ولا أقوى من سلاح التكفير لإرهاب الناس وإسكاتهم وقتل معارضيهم، للإستحواذ على كرسي الحكم، فمن يعارضهم كافر ودمه حلال". ويشير منصور إلى أن خلط الدين الإسلامي بالسياسة لا يصب في مصلحة الدين، لأنه يشوهه ويجعله مسؤولًا عن خطايا الناس الذين يتقمصونه، ما يعد ظلمًا لله عز وجل، الذي يأمر بالعدل والإحسان، "فكيف إذن بمن يستخدم الدين كمطية للوصول للحكم؟ ومن يفعل ذلك متلاعب بالدين وجبت محاربته". ويضيف: "من يواجه هؤلاء الأفاقين لا يخرج عن ملة الإسلام، ومن يواجه هؤلاء المتلاعبين كما يسميهم في الصراع السياسي ينصر الإسلام دين العدل والقسط ويبرئه ممن يشوه اسم الله العظيم، لكي يحصل على حطام الدنيا". صناعة رديئة يؤكد منصور أن دعاة الحرية السياسية والعدل هم الأقرب إلى الإسلام ممن يستخدمون الإسلام للوصول للسلطة والثروة. يقول: "الإسلام دين العدل والقسط والحرية الدينية والحكم بين الناس في اختلافاتهم الدينية مؤجل ليوم الدين، وأعداء الإسلام من يستخدمون اسمه كمطية للوصول للثروة والحكم، ويشترون بآيات الله ثمنًا قليلًا، وهم من لن يكلمهم الله يوم القيامة ولن ينظر إليهم، لأن استغلال الدين رذيلة بشرية". فالدين الإسلامي، بحسب منصور، هو دين الله لكل البشر، ولكل فرد تمام الحرية في الطاعة أو المعصية وفي مشيئة الإيمان أو الكفر، ومقابل هذه الحرية في الدنيا سيكون الحساب في الآخرة. وسيؤتى بكل الناس على السواء للوقوف أمام الله للحساب، "وبالتالي ليس من العدل أن يحتكر فرد أو طائفة أو شعب الإسلام لنفسه، ولا أن يكفر أحد غيره لأنه لا ينتمي لنفس توجهه السياسي، ومن يفعل ذلك ويكفر غيره من الناس الذين لا يتبعون توجهه السياسي أو لا يؤمنون بما يؤمن به فهو بذلك عدو للإسلام". ويلفت منصور إلى أن السياسة صناعة بشرية رديئة في أغلبها، وما الأحزاب والفصائل والجماعات إلا منتوج تلك الصناعة، "والله جل وعلا أقدس من استغلاله في هذه الصناعة القائمة على الخداع والمكائد والتلون وطلب المنفعة بأي طريق، "لذا لا بد من فصل الدين عن الصراع السياسي، حفاظًا على الإسلام من التشويه، وتحقيقًا للعدل بين الفرقاء المتصارعين في الحق السياسي، ليكونوا على أرضية دنيوية واحدة، ولايزعم أحدهم أنه الأعلى بسبب أنه يمتطي دين الله وهو ظالم وعدو لله".