الليلة كانت جحيمًا آخر لأبناء تهامة، حيث دارت رحى عاصفة جديدة على مدينتي الخوخة وحيس، لتعيد رسم فصول مأساة متكررة. تحت السماء التي أغرقتها الأمطار والرياح العاتية، كانت الخيام المتناثرة هي الملاذ الوحيد للتهاميين. لكن تلك الخيام لم تصمد، فتطايرت وكشفت عن قسوة الواقع الذي يعيشه هؤلاء البسطاء. الأطفال يصرخون من البرد، يبحثون عن دفء لا يجدونه، بينما النساء يحتضنّهم في محاولة يائسة لحمايتهم من رياح الليل القاسية. لقد أصبح البرد عدوًا إضافيًا لهؤلاء الذين لا يملكون إلا القليل في مواجهة الكثير من الألم. مشاهد العائلات التي تُترك لتواجه هذا العراء، في ظل تجاهل السلطات، تروي حكاية ظلم لا يُحتمل. لقد مزقت العاصفة خيامهم، كما مزقت أحلامهم، وتركتهم يتساءلون: أين الحكومات؟ أين المسؤولون؟ كيف أصبحنا ضحايا لظروف لا نتحملها، بينما يتنعم آخرون على حسابنا؟
وفي المقابل، حيث تتلاعب رياح المعاناة بأرواح الأبرياء، هناك من يتلذذون بهذه المأساة. طارق صالح، الذي ترك قصوره الفارهة في العاصمة وفر هاربا لتهامة ليبني قصرًا جديدًا على أرض تهامة، يعيش وسط الفخامة بينما أبناء هذه الأرض يُتركون ليموتوا تحت وطأة البرد والجوع. يراهم يتألمون ولا يحرك ساكنًا، وكأن خيمة ودبة زيت هي كل ما يستحقه هؤلاء البسطاء. يتحدث عن "إنجازاته" وكأنها منّة، بينما هي في الحقيقة إهانة وازدراء لأصحاب الحق.
طارق صالح ومن معه من النازحين الذين يعيشون في رفاهية، يتحايلون على معاناة التهاميين لملء جيوبهم وتحقيق مكاسب سياسية. لقد حولوا موارد مديريات تهامة إلى صندوق لا يرى منه أبناء الأرض سوى السراب. سيطروا على كل ما يمكن أن يخفف من آلام هؤلاء الناس، وتركوهم يصارعون من أجل البقاء، بينما هم في قصورهم يتنعمون بأموال ليست لهم.
أين أنت يا دكتور رشاد العليمي من هذه الكارثة؟ هل تعلم أن الخليفة عمر بن الخطاب قال: "لو سقطت بغلة في العراق، لسألني الله عنها"؟ فكيف بك وأنت ترى شعبًا بأكمله يسقط في تهامة؟ أطفال يموتون بردًا، نساء يبكين من العجز، عائلات مزقت الرياح خيامها وقلوبها. كيف تستطيع أن تغمض عينيك عن هذا الواقع؟
إن العالم كله يجب أن يسمع صرخات التهاميين. إن هذه الأرض ليست ملكًا لطارق صالح أو لغيره ممن يتاجرون بمآسي الناس. إنها أرض أناس يستحقون العيش بكرامة وأمان. هؤلاء المقهورون الذين لم يجدوا من ينصفهم، ينتظرون وقفة عادلة منكم، ينتظرون أن تُعاد إليهم حقوقهم.
يا حكومة، يا مسؤولين، يا أبناء اليمن، إن صرخات التهاميين يجب أن تصل إلى كل أذن، إلى كل قلب ينبض بالإنسانية. هذه ليست مجرد مأساة عابرة، بل جريمة مستمرة بحق تهامة بأكمله. إذا لم تتحركوا الآن، فالتاريخ لن يرحمكم، والشعب لن يغفر لكم.