* كررها رئيس النظام غير مرة: إن هذه الأحداث قد أفرزت الذهب من الزنك ! وهذه مقولة أتفق فيها معه بنسبة مائة في المائة، ولا أجادله فيها البتة .. فمنذ تصاعد الغضب الشعبي في فبراير الماضي، وحتى لحظة كتابة هذه السطور، صهرت نار الثورة كل أصناف المعادن .. فظهر منها النفيس وبان فيها الرخيص .. عرف الشعب من هم معه؟ ومن هم ضده؟ .. من الذي أراد السير في ركب العزة والكرامة؟ ومن الذي قبل البقاء في زريبة الذل والمهانة؟ جاءت هذه الثورة سبباً قدرياً لكي يتضح للعيان الصنديد من الرعديد، والمقدام من الجبان .. وعرف الجميع هوية الجميع بدون ضغوط ولا عوامل قهرية . إن المؤمنين بإرادة الشعب وطموحاته وحقه في الحرية والعدالة والمساواة والعيش الكريم هم الذين اصطفوا إلى جانب الثورة وشبابها وطلائعها .. وقد خسر معظمهم من متاع الدنيا وبهرج الحياة في مقابل الظفر بالهامة الناصعة والرأس المرفوعة والضمير المستقر، وفي سبيل تاريخ نظيف ستكتبه الأيام بحبر الشرف وتمجده الأجيال بمشاعر التوقير .. أما الذين انغمسوا في المظالم والمفاسد، واستلذوا متعة السلطة الزائلة، فقد ارتضوا البقاء إلى جوارها والتمرغ في وحلها الذي كساهم من ساسهم إلى رؤوسهم .. والمؤسف للغاية أن بعض من ارتهنوا إلى هؤلاء واصطفوا معهم هم المعدمين الذين لا يملكون شروى نقير ! لقد انضم كل الخيّرين والنيّرين إلى قافلة الثورة .. غير أن ضميري الفكري والمهني والوطني يمنعني من العبور على هذه العبارة بعين الرضا من دون إكمالها بجملة استدراكية: نعم .. ثمة عناصر شريرة وفاسدة ومجرمة التحقت بقافلة الثورة أو اندست في صفوفها حتى هذه اللحظة !! لكن من ذا الذي يكفر بقدرة الثورة على تطهير ثوبها من الدنس .. وقدرة الثوار على فرز صفوفهم وصنوفهم، بحيث تتجلى ألوان الطيف عن ألوان الزيف ! إن جميع الثورات لحقت بها الشوائب والنوائب .. بل إن بعض الثوارت برز الخونة والمجرمون والفاسدون في صدارتها لروح من الزمن، قبل أن ينجز التاريخ درسه ويقرع جرسه، فإذا بالبراغيث تتساقط عن جذع الشجرة الباسقة . غير أن الإصرار على إنجاز هذه المرحلة في هذا الوقت بالذات، وفي ظل هذا الظرف التاريخي الذي تمر به هذه الثورة .. سيكون ضرباً من الانتحار الجمعي أو الانفجار الذي ستذهب نيرانه وشظاياه إلى قلب الثورة ذاتها وصفوف الثوار أنفسهم ، فيما يسلم النظام المتهافت ويلوذ أعداء الثورة بأطواق النجاة ! لقد عرف الشعب طريقه .. وهو لن يعود عن هذا الطريق البتة .. فقد عرف ما هو الشر، ومن هو الشرير؟ .. وما هو الفساد، ومن هو الفاسد؟ .. وما هو الظلم، ومن هو الظالم؟ وإذا كان هذا الشعب قد بات قادراً على دكّ معاقل الظلم والفساد بعد تعاظُم بنيانها لعدة عقود .. فهو بلاشك قادر على ضرب ما هو أدنى منها رسوخاً وقوة .. وبإذن الله، وإرادة الثوار، وإصرار هذا الشعب العظيم لن يأتي اليوم الأغبر الذي نجد أنفسنا نردد فيه: رحم الله النباش الأول !!
مقولة باطلة * زعم نابليون بونابرت أن «الله مع المدفعية الثقيلة »! غير أن دروس التاريخ وقاموس الجغرافيا أثبتت بطلان هذه المقولة .. ثم جاءت ثورات الربيع العربي لتثبت للمسيو بونابرت أن الله ليس مع المدفعية الثقيلة .. إنما مع الإرادة الأصيلة