ابتسم فيصل مناع كبير مشايخ محافظة صعدة حين قلت له انت متهم بتدبير تفجيرات تستهدف فعاليات الاحتفال بالمولد النبوي، لكنه وجد في حديثي فرصة لكي يقول رأيه في شائعات من هذا العيار، تكفلت ببثها مؤخراً قناة المسيرة، ومواقع اخبارية وصحف تسير على ذات المنوال. وفي لقائي به عن المصدر أونلاين لم يكن ما سبق هو كل ما ناقشته معه، لقد أردت أن تنتمي اسئلتي لهواجس اللحظة الوطنية الراهنة، فكانت إجابته بالفعل انتماءاً خالصاً للشفافية والصدق والحرص. إلى التفاصيل:
لنبداء من حيث الصورة الراهنة للمشهد الوطني العام برأيك إلى أين تتجه الجهود الآن ؟
نحن متفائلون، في ان تكون جميع القوى الوطنية عند مستوى المسؤولية في استكمال حلقات التغيير الذي ارتضاه الشعب اليمني كافة، وخرج من أجله إلى ساحات الحرية والكرامة في ثورة شعبية فاجأت العالم بسلميتها، وعدالة مطالبها في إنهاء عقود من الاوضاع الفاسدة، والحكم الفاسد، وما خلفه من إنهيار في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية وغيرها.
لكن هناك من يؤكد وجود صعوبات كبيرة؟
الصعوبات موجودة، إنما لا يجب ان نفرط في التشاؤم، صحيح أن حجم تركة الفساد والعبث والإهمال ثقيل وباهض، والثورة الشعبية ما كانت لتقوم لولا أن الشعب طفح به الكيل من وضع فاسد وأشخاص مفسدين على رأس السلطة والنظام ومهووسين أيضاً بأحلام التوريث للأبناء والأحفاد، وكأن اليمن حديقة عائلية بالنسبة لهم.
ومع ان الثورة الشعبيه انتصرت في تنحي علي صالح وفقاً لدعم اقليمي ودولي لمطالب اليمنيين في اسقاط النظام تلخص في المبادرة الخليجية، فإن ذلك لا يعني إغفالنا المحاولات اليائسة في إعاقة جهود هذه التسوية على بعض علاتها ولمآخذ عليها ولكنها في جانب منها جنبت اليمنيين مآلات الدخول في حروب أهلية كانت محتملة ومتوقعة وفوضى لا نهاية لها.
أشرتم إلى مآخذ على المبادرة الخليجية؟!
هي تركت للنظام السابق أن يستمر، وأن تبقى فلوله، وكبحت إرادة اسقاط النظام بشكل جذري بأشكال فساده، واهماله، كما كبحت القدرة على إصلاح ما أفسده النظام السابق ليحدث التوجه الفعلي واليقيني صوب المستقبل.
نفهم من حديثك أن المبادرة الخليجية فرضت على اليمنيين أمراً واقعاً ؟
هذا واقع لا بد من القبول به، ولو على مضض، باعتباره قائم على مبادرة اخواننا الخليجيين وكذلك مجلس الامن، وما علينا إلا المضى في مساره وأن كرهنا .
لكن آمالنا وآمال المجتمع العربي والدولي معقودة على فرصة الحوار الوطني الشامل، ونحن نراهن من خلاله على توحيد صف اليمنيين، وإزالة المضلومية من كل المظلومين، ورد اعتبارهم بحيث ندخل عام 2014 ونحن متحدون ولنا هدف واحد هو الانطلاق نحو المستقبل.
كيف تنظرون إلى أعمال التهيئة للحوار الوطني المرتقب؟
في الواقع رغم ما هو موجود من مؤشرات تقول صعوبة وتباطؤ حركة التحضيرات، وكذلك وجود بعض العراقيل إلا انني متفائل.
لكنكم في وقت سابق قدمتم اعتراضات في ما يخص التمثيل في اللجنة الفنية، هل ما تزال اعتراضاتكم قائمة؟
نعم فاختيار اللجنة الفنية للحوار لم يستوعب تمثيل كافة ابناء اليمن، بشرائحهم وثقافتهم، فعلى سبيل المثال، غاب في قوام اللجنة تمثيل احفاد ثورتي سبتمبر واكتوبر من ذوي التجارب، ومجددا تم تهميش ثوار سبتمبر واكتوبر بعد ان همشهم النظام السابق.
ومع كل ما أشرتم إليه من المآخذ على اللجنة الفنية للحوار مازلتم متفائلين؟
نعم، فمهما كانت جوانب القصور أو الأخطاء لابد أن نظل متفائلين بأن اليمن برجالاته ومناضليه وبكل أطيافه الوطنية، أمام فرصة تاريخية تتمثل في الحوار الوطني الشامل، وأنه لا مناص من الايمان العميق باهمية أن ينجح اليمنيون في تجاوز متاعبهم وصراعاتهم بالحوار والتفاهم.
بالنسبة لتمثيل محافة صعدة في الحوار، كانت لكم وجهة نظر مع آخرين من مشائخ صعدة ماذا عن هذه المسألة؟
صحيح نحن قدمنا اعتراضنا، أو بالاصح قدمنا وجهة نظرنا في تمثيل أبناء محافظة صعدة في اللجنة الفنية، لاعتبارات الكثافة السكانية ولاعتبارات أخرى تتعلق بما تعرضت له محافظة صعدة وأبنائها من المظالم والحروب من قبل النظام السابق، ثم لاعتبار تصدر صعده إلى جانب الجنوب كقضيتين أو محوارين بارزين في الحوار الوطني المرتقب، وبالفعل فقد وعدنا الرئيس بالتفاهم مع اللجنة الفنية والتقينا بهم لاحقاً، وكان ردهم أن تمثيل الحوثي في الحوار لأنه صار كياناً سياسياً، وقالوا لنا عليكم أن تكوّنو لكم اطارات سياسية.
هل ذهبتهم لعرض وجهة نظركم هذه إلى فنية الحوار كمشائخ ووجهاء فقط في صعدة؟
لا، ولكن ذهبنا لنوضح أن محافظة صعدة يجب أن يكون تمثيلها مقبولاً ومعقولاً، فهناك احزاب في صعدة وهناك منظمات مجتمع مدني، ثم هناك تكتلات ثورية تمثل المحافظة في الساحات، وإلى جانب ذلك هناك كيانا أبناء الشهداء، هذا جانب، الجانب الآخر، هو أنه إذا كان لدى الحوثيين الحق في تمثيلهم داخل لجنة الحوار، فذلك لأنهم أصبحوا كياناً يجب الاعتراف به، ولابد ان يكون لهم من تمثيلهم، وبالتالي فهم يمثلون كيانهم ولا يمثلون كامل صعدة، وعموما ليس هناك ما يدعوا إلى الاختلاف بيننا وبين الإخوة الحوثيين، وأرى أنه من المهم ان ندرك جمعياً أن ليس من حق طرف أن يعتقد بأحقيته في أن يحكم دون غيره، فالكل أبناء محافظة صعدة، والواجب هو إعلاء قيم التعايش، والمثول للقوانين والنظام والدستور، وليس بمقدور طرف أن يُخرج الآخر، أو أن يبيده، لابد أن نتعايش معاً مثلما تعايش آباؤنا وأجدادنا.
بصفتكم أحد المشايخ الكبار في محافظة صعدة، اردنا أن نعرف رأيكم في ما نسب اليكم من شائعات، تقول بأنكم التقيتم بعلي محسن ومعكم مجموعة من الأشخاص لمهمة التخطيط لتفجيرات تستهدف فعاليات أحياء المولد النبوي الذي تنفذها جماعة الحوثيين الخميس؟
سمعنا كما سمعتم هذه الشائعة المسيئة إلى سمعتنا، وذكروني بالإسم من بعض وسائل الاعلام التابعة للإخوة الحوثيين عبر قناة المسيرة، وخدمة الرسائل من شركة 7070MTN وبعض المواقع الاخبارية الالكترونية والاتصال لي من بعض قادة الحوثيين، والتي مفادها أننا اتفقنا مع الأخ القائد اللواء الركن علي محسن، ومجموعة من الاشخاص سموهم لنا باسمائهم بالتخطيط والتدبير لاعداد متفجرات في احتفال المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، وبحسب قولهم فإن الاجتماع بالتحديد تم في منزلنا الزاخر بالأيمان والصدق والوفاء، والأخلاق الحسنة، ونخشى الله ونتقية قبل أن نخشى البشر، ولهذا فإننا نستنكر مثل هذه الاعمال التي تحصد ارواح الأبرياء بالعشرات، ونؤمن بآيات الله التي تحذر من الوقوع في مزالق الشيطان اتباعاً لقوله تعالى " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جهنم خالداً فيها، وغضب الله عليه ولعنه، واعد له عذاباً عظيماً " صدق الله العظيم - النساء آية (93).
ومن هنا نحتفظ بحقنا في مطالبة من افتعل هذه الشائعة بالاعتذار عبر وسائل الاعلام المختلفة التي نشرت هذه الشائعة، واعاتب الاخوة القياديين الحوثيين الذين تبنو هذه الشائعة الجارحة والماسة بسمعتنا، وانصحهم أن لا يطلقوا العنان لمثل هذه الشائعات جزافاً، وأن يتوخوا الحقيقة والشفافية، ومعاقبة من يسيء لأعراض الشرفاء وسمعتهم دون مبرر، وهذه الشائعات بقدر ما هي مسيئة لنا هي اساءة إلى من تبناها.
اسمح لي انتقل معك لمناقشة دور القبيلة المتوقع في المستقبل، وعلى ضوء التطورات والأحداث التي مرت بها البلاد منذ عامين ؟
أولاً : اسمح لي بمعاتبة بعض الاقلام التي تحاول الاساءة إلى القبيلة كمكون من مكونات مجتمعنا اليمني والقبلية كمجموعة قيم يعرف الجميع أصالتها ونبلها.
أقول بعض الاقلام تقع في الخطأ بإساءتها إلى هذا المكون وهذه القيم، وتحاول ان تلصق بالقبائل والقبيلة إسقاطات تخلف البلد وعدم تقدمه ونهوضه.
فالقبيلة لا يمكن انكار صولاتها وجولاتها في سبيل حماية البلد، وهي بأبنائها ومشائخها ساهمت بجهود جباره في إنقاذه ، من السقوط والانهيار كما لها عاداتها وتقاليدها وقيمها الحسنة، وتستطيع ان تقيم بهذه القيم العدل والاستقرار، في حال عدم وجود الدولة وأجدها مناسبة لاقول للأخوة المثقفين الذين يقولون أن القبيلة تقف وراء تعاسة مجتمعنا اليمني، أن في قولهم هذا تجني على القبيلة، واذكرهم بالعودة إلى كثير من مواقف مشرقة ومشرفة للقبيلة في عدم القبول بالذل والهوان وأن ابنائها ومشائخها كانوا في طليعة من حاربوا الاستبداد والاستعباد والطغيان في ثورة (48) و (55) و (62) و (67)، هذه المحطات تقول حقائقها أن رجالاتها وقادتها أغلبهم من المشايخ الذين أعدموا في حجة وصنعاء، كما هم الأغلبية في الوقوف إلى جانب الجمهورية والتصدي للملكية ودحرها، وأخيراً ثورة فبراير 2011، حيث احتشدت القبائل ملبية إرادة الشباب من ابنائها وأبناء الشعب اليمني كافة في الثورة وإسقاط النظام الفاسد.
تركت القبائل اسلحتها في البيوت، وخاضت مع الشباب في الساحات مسيرات الثورة واعتصاماتها السلمية .
واعتقد أن هذه الادوار جديرة بأن يلتفت اليها المثقفين الشباب، الذين أرجو أن يتصفحوا التاريخ، وأن يكفوا عن سباب إخوانهم وآبائهم من المشايخ.
إننا نعول عليهم في مثل هذه الظروف أن يدفعوا باتجاه الحاجة الوطنية لمزيد من التعاون والتضامن والجهود المخلصة والصادقة للخروج بوطننا من أزماته ومآسية وانتشاله من واقعه المر الذي أوصلته إليه عقود الطغيان والاستبداد والفساد.
قلت ما عندك، وسؤالي هنا، هل تستطيع ان تقول أن القبيلة والمشايخ كانوا بمنأى عن التورط في كثير من شواهد عقود الطغيان والاستبداد والفساد كما أشرتم ؟!
انا اؤكد لك أن الأنظمة السابقة هي التي اقحمت القبيلة في ادوار سلبية في كثير من الظروف، وكذلك عملت على إدخال القبائل في صراع مع بعضهم البعض، وكل هذا تم كذريعة للعبث بأمن وثروات ومقدرات اليمن واليمنيين وكثيراً ما تذرعت هذه الأنظمة أمام الداخل والخارج بأن القبائل هم مجرد عثرة امام تحقيق الامن والاستقرار لتمرير سياساتها التمزيقية اشعال الفتن والحروب والصراعات، وباختصار فقد مررت الانظمة الفاسدة مشاريعها التدميرية ضد المجتمع على ظهور القبائل والمشايخ، وهذا مؤسف.
برأيكم هل ستتعلم القبيلة والمشايخ من هذا الدرس؟
أعتقد أن الثورة الشعبية السلمية، وما ثبت أثناءها من مؤازرة كبيرة من جانب المشايخ وأبناء القبائل، ستتعلم الأنظمة الحالية والقادمة درساً، كما سيعلم المشايخ والقبائل أيضاً دروساً، ولا اتصور أن قبائل اليمن يمكن أن تنخدع أو تنجر بعد اليوم إلى تكرار ما وقعت فيه في الماضي مع انظمة الفساد، وأستطيع بثقة القول أن المشايخ والقبائل سيكونون دائماً مستقبلاً عوناً وسنداً وجنوداً مجندة مع الدولة المدنية العادلة المخلصة التي تحافظ على مصلحة الشعب وعقيدته وأمنه واستقراره وتحقق وسعادته ورخاءه.
حتى لا ننسى القضية الجنوبية، وتطورات الساحة هناك في مناطق الجنوب، ما الذي يقرأه الشيخ فيصل مناع في هذا الاتجاه؟
الأوضاع في مناطق الجنوب، تغذيها أيادي خارجية لا تريد لليمن ولليمنيين الخير، وهي تبذل أقصى جهودها كي لا تستقر ظروف وأحوال اليمنيين، وكي لا تظل وحدتهم قائمة، ولذلك ينبغي أن ندرك أن اليمن لن يسعد، ويرتفع مجده ومكانته إلا تحت ظل الوحدة، ولا سواها .
(مقاطعاً) من تقصد بالايادي الخارجية؟
الدور الإيراني واضح، بدعمه وتشجيعه لفئات ترفع شعار فك الارتباط وتنادي بالانفصال، أو فئات أخرى لها أجندتها المذهبية والسلالية .
اليمنيون الآن على موعد مع حوار وطني شامل، وبلا شك سيجري النقاش في خيارات عدة من قبيل الفيدرالية مثلاً، فيما يتصل بالقضية الجنوبية ومعالجاتها في إطار الوحدة؟
الفيدرالية هي الإنفصال، والمتشدقون بها كحل هم في الحقيقة يضمرون حقدهم على المجتمع اليمني الواحد، ولا يريدون له الخروج من أزماته ومعاناته، والمضي موحداً نحو المستقبل واستحقاقاته في إرساء قيم العدالة والحرية والمساواة والتنمية الحقيقية التي تكفل له حياة معيشية كريمة، وتهيئ مشاركة كافة فئاته دون استثناء بفاعلية في مهام النهوض والبناء الوطني، هذا جانب، والجانب الآخر، هو أنه لابد أن يدرك الجميع الشعب اليمني هو الذي انجز وحدته، بعد طول انتظار وصبر ومعاناة، وهو صانع هذا الحدث وإذا كان هناك الأن من ينادي بالانفصال والشرذمة والتمزق فهو عدو لهذا الشعب وعدو لمنجز وحدته كائناً من كان.
ولتصديق أن الشعب اليمني وحد بنفسه، فيكفي أن نلاحظ اليوم كيف أن الأشخاص الذين ظلو ومازالوا يتشرفون بأنهم صانعي الوحدة ومحققيها صاروا مع الأسف يريدون عودة اليمن إلى الخراب والتمزق والتشرذم.
والحقيقه أن نواياهم لم تكن صادقة مع الشعب ولو أنهم كانوا كذلك لما أوصلوا البلاد إلى هذه الحال. حاوره /محمد صالح الجرادي