هناك ما يمكن الخروج به من القراءة المتأنية للحرب الأخيرة في عمران وما انتهت إليه لهذا الوقت على الأقل.. أن أي حرب مع الحوثي وإن كان طرفها وحدات من الجيش هي تحتاج لغطاء سياسي من الدولة ومن المجتمع الإقليمي والدولي، فقد أثر تأخر الدولة في الوقوف مع اللواء 310، وأي كان سببه، على مجريات المعركة، بالإيجاب بالنسبة للحوثي ومن يتحالف معه، وبالسلب على اللواء 310 ومن يتحالف معه. فتأخر موقف الدولة من الحرب ساهم إلى حد كبير في تطويل أمدها، إلا أن تدخل الدولة ساهم في التعجيل بإنهائها لهذه الجولة، إن كان هناك جولات أخرى. لكن. لماذا لم تتدخل الدولة منذ البداية، إن كان تدخلها ساهم أخيرا في تعجيل نهاية الحرب؟!. هناك أجوبة عدة لهذا السؤال. ربما منها. _ أن الدولة كانت تتجنب توسيع رقعة المعركة إن هي تدخلت منذ البداية إلى جانب اللواء 310، وربما كانت ترى إمكانية حل المشكلة بطريقة الوساطات. _ وربما كان الرئيس كصاحب للقرار يرى أن المعركة بين طرفين سياسيين سيستفيد هو من ضرب أحدهما بالآخر، وربما هذه ليست رؤيته الخاصة، وإنما هي رؤية الدول الراعية للمرحلة، والتي سيحتاج هادي لغطائها السياسي في حال قرر الحرب والمواجهة مع الحوثيين. لكن. لماذا انتظر هادي حتى اقتراب المسلحين الحوثيين من جبل "ضين" الاستراتيجي شمال العاصمة ليتخذ مثل هذا القرار؟!. الجواب يحوي احتمالين أيضا. 1_ فإما أن يكون الحوثي قد تجاوز خطا أحمر في تفاهمات سرية مع أطراف في السلطة على أن لا تتجاوز معركته أطراف عمران، وربما عمران ذاتها.. 2_ وإما أن يكون تواجد الحوثي بالمقربة من جبل ضين قد وفر حجة للسلطات في إقناع السفراء الأجانب بالأهداف الحقيقية لمعركة الحوثي والتي تتجاوز عمران إلى السيطرة على العاصمة، ما وفر الغطاء والدعم الدولي لقرار المواجهة مع الحوثي والذي بدا واضحا في إرسال التعزيزات وتحريك الطيران الحربي منذ ثلاثة أيام. فمثل هذا القرار على مخاطره المحتملة بالتوسع لحرب شاملة ومفتوحة هو يحتاج إلى الغطاء الدولي والإقليمي، ويبدو هذا قد توفر. ويبدو أن الحوثي قرأ هذا الأمر أيضا، بأن القرار بالحرب معه لم يكن لو لم يكن هناك غطاء دولي وإقليمي. أشار عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير إلى هذه النقطة، بأن هادي لا يقطع أمرا بدون مشورة الغرب. إلا أنه يمكن القول أن هذا القرار فاجأ الحوثيين وأنه لم يكن في حساباتهم، فقد كشفت تصريحاتهم المنفعلة حياله هذا الأمر. ولأن الأمر كان كذلك، يبدو أن خيار المواجهة الشاملة مع الدولة والذي طالما هدد به الحوثيون حال تدخل كل الجيش في عمران، أنه كان للتهديد فقط، وأنه لم يكن خيارا مطروحا. فردود الفعل الحوثية لم تبارح التهديد، ولم تبادر إلى فتح جبهات أخرى مع الوحدات العسكرية التي هي على احتكاك معهم في صعدة وعمران أو أي مكان آخر. رد الفعل الأهم، هو مبادرة عبدالملك الحوثي لإعلان استعداده لوقف الحرب قبل أن يكون مسلحوه قد سيطروا على مدينة "عمران" الهدف المعلن للمعركة، فوقف الحرب هو يحقق منفعة للحوثيين أيضا، فهو يجنبهم امتحان المواجهة الشاملة مع الدولة، غير مضمونة النتائج، فقد كان استمرار المعركة في عمران يؤدي إلى ذلك. الاتفاق، لا يجنب الحوثيين فقط امتحان المواجهة الشاملة مع الدولة، فهو يجنب الدولة أيضا امتحان المواجهة الشاملة معهم، ليس لأنه غير مضمون النتائج فقط، ولأنه ليس هدفا لهذه المرحلة على الأقل. ولا أحد من الأطراف السياسية يقول غير ذلك.