نذر عمره لكسر الحصار فمنحه العناء استراحة محارب تحت ظل العنب.. على عجل نعود بعجلة الذاكرة للوراء وتحديداً إلى ما قبل أربعة عقود من الزمن لنتفيأ في ظلال المفردات العذبة مساحات من الإخضرار المندى بغيوم الشوق والحنين.. نعود والوتر السنيداري الرنان رفيقنا إلى فسحة أيام خلت من عمر الهوى لنقلب سفر صفحات الشجن ونفتش بين ثناياها المطوية عن بقايا آثار غطاها التجاهل بغبار الزمن وأطبق عليها التناسي بركام السنين.. وبما أن الذهب معدن أصيل ولا يختفي بريقه اللَّماع مهما تكن الظروف المحيطة به فكذلك هو الوضع بالنسبة لنتاج منار عودتنا الحميدة الشاعر الشيخ أحمد عبد ربه العواضي الذي رافق البندقية والقلم طيلة مشوار حياته الحافل بعواصف الأحداث فلم تكن كلماته المسطرة بأقل صدق في التعبير عن القوة من الرصاصات المصوبة التي صاغت بها بندقيته ملاحم الكفاح على طول وعرض الساحة الوطنية.. ففي سجون الإمامة قضى الشهيد أحمد عبد ربه العواضي مدة خمسة عشر عاماً كرهينة مثقلاً بأسر الأغلال ومتاعب القيود ليخلفه في تركة الأسر بعد ذلك شقيقة الشهيد جونه العواضي.. ولأننا لا نقصد سرد سيرة الرجال في هذه العجالة فسنتجنب الحديث هنا عن محطات التاريخ وروايات البشر بخصوص العواضي الثائر والقائد العسكري والمحافظ والمستشار لنقف فقط على صورة العواضي الشاعر الرقيق والمرهف الحس.. فربما استطعنا استلهام بعض الملامح التي خطتها أنامله لتكون خير شاهد حال على طقوس فترة ما بعد خروجه الوثاب لخوض معترك صياغة ما يمكن تسميته بوثائق (الحب والحرب) في القادم المضطرب.. ذات صباح تستيقظ ذاكرة الأيام على إيقاع ألحان الفنان أحمد السنيدار لتعاود البحث بين تلابيبها عن ذكريات شاعر عزف أنغام الحب والتلاقي على صهوة شدو بلابل الوديان ليعطر رتابة أجوائنا بعبق أنسام الحنين إلى مرابع الصبا في مبتدى عمر الأحلام.. حن قلبي والوتر جا بالأغاني..يوم رينا وادي ازهر بالخضيرة كم نظرنا ورد لونه شكل ثاني..تحت أغصان العنب وسط الخضيرة كل شي في الوادي الأخضر شجاني..عن تغاريد العصافير الصغيرة على هذا النحو يمضي العواضي ممنياً نفسه باستمرار صفو الحياة ونيل المقصود بقرب معشوقة ساحر الأعيان.. لو بطيب الوقت يسعدني زماني..يستمر الحب في هذي المسيرة نلتقي والورد باسم بالأماني..نذكر الماضي والايام الأخيرة آه حُبَّك يا حبيبي ذي كواني..صادني باعيان من نظرة مثيرة وتحت ظل كروم وأعناب سفح صنعاء الدانية يقضي شاعرنا الهائم بحب الغصون المايسات لحظات تأمل مختلسة من استراحة محارب فتشاء الصدفة الجميلة أن يقع بصره المتسلل من بين أستار المروج على سحر مفاتن (غصن صنعاء) رشيق القد والذي فاقت حمرة مباسمه حمرة عناقيد العنب الرازقي المتدلية من حوله.. ووسط مشاهد الحمرة القانية يأخذ سحر اللون بزمام هواجس الشيخ العواضي ليحمله على جناح الدهشة محلقاً به في رحاب فضاءات العشق والغرام ليسكب من أعاليها ذوب عواطفه المستعرة أمطار وَلَهٍٍ وإعجاب تنهمر بفيضها الغزير لتبعث الحياة في مرمى شجون الروابي والسهول متوجهة بالخطاب لمقام غصن صنعاء الفاتن.. يا غصن صنعا اليمن.. أنت الدوا للبدن في تحت ظل العنب..قد ريت شيئاً عجب قمري لعقلي سلب..قلبي احترق والتهب رمى فؤادي وهَبْ.. والروح مني نهب بعد المودة قَلَب..ولا فهمت السبب وفي درب العتاب ينطلق تسبقه دموع فؤاده المستهام شارحاً ما اعتراه من سهام الحور ومسترسلاً بوصف لواعج الحنين لحضرة جناب الحبيب.. يا بوي من عشرتك.. ذكَّرتني بسمتك والورد في وجنتك.. يوم اللقا والعتب عاتبتني عيبتك.. وانا فدى مهجتك ما اقدر على فرقتك.. والدمع مِنَّك سكب مسكين ذي هو غريب.. في حبَّكم قد أصيب.. ماله سواكم طبيب.. والوصل عنده وجب يا اللي أكلت الزبيب.. لِيه النُهَد والنحيب.. وانت لي احنج حبيب.. يلعن أبوه من كذب هايم بحبَّك سنين.. يا اللي نقشت الجبين.. والقلب فيه الحنين.. لا ترهقه بالتعب أنت الدوا يا ضنين.. لعِلَّتي والأنين.. ليتك تجي كل حين.. هي منيتي والطلب ومن مجلس الأنس باللقاء تفتح كف اللحظات باب الفراق.. ساعتها يفشي سيل العبرات سر الهوى المكتوم بين الجوانح معاوداً التأكيد السائد على أنه (رسول المحبين) ولغة القلوب الأولى.. وآه ما أمر الفراق وما أشد قسوة لحظات الوداع حين تتعانق الحسرات وتتعاهد الآهات ويخط الدمع على صفحة الخدين أبيات القصيد.. لا صاحب فرق صاحبه.. سال الدمع من كل عين.. يا عيني على صاحبي.. ذي روَّح وعينه بعين قد ريته وهو شافني.. ذيَّاك ادعج المقلتين.. ما احلاه لا نقش حاجبه..والاَّ سانقش في الجبين ويش ذنبي ومن كادني.. هذا قد ظلمني يقين.. طال الصبر ما فادني.. واحنا قد صبرنا سنين يا ناس اشهدوا بيننا.. والظالم له الظالمين وتكمل الآحات مهمة البوح بمكنون المشاعر مواصلة كتابة بقية القصيدة بالباقي من الدموع.. أشجاني وقد سَمَّني..سوَّى في الكبد صابتين.. لو حد قال ما قال لي.. ما ابدِّل بغيره ضنين خَذْ قلبي وقد جاد لي..واعطاني بقلبه حنين واتأسف لما نالني.. من ذاك التعب والأنين ما بانسى الذي زارني.. باقسم له وبا ادِّي يمين وآح ما أظلم الحب إذا أضحى الهجر فن المحبوب وتسليته المفضلة وما أقسى ألم الصد إذا جاء عنوة ومن دون ذكر ذنوب أو إبداء أسباب ومسكين من كان هذا هو حاله.. لنطلع على واقع هذه التجربة المريرة من زاوية شاعرنا الرائع أحمد العواضي.. يا ظالم الحب قلِّي أيش هو ذنبي..ظلمت حبِّي وانا هايم على شانك هجرتني بعدما شفَّيت في قربي..ولَّعتني وجذبت الروح بلسانك ما اقدر على هجركم لا تحرموا حبي..قد زاد شوقي وانا اتلهَّف لقبلاتك يا ناعس الطرف ذي حلَّيت في قلبي..رميت قلبي بسهمك وانت في دارك من ظلمكم يا حبيب دمعي على خدي..أشكيك لا عند من واوصف له افعالك وكم صبرنا لكم حتى نفد صبري..وليه بالله ما تعطف بنظراتك ما أفرح القلب إذا لا قيتكم وحدي..بعد الغياب الطويل أهلا وسهلا بك سلامتك بعدما عوَّدت إلى عندي وعلى ضوء نجوم الليل السارية يطيب السمر ويضم حضن اللقاء فرحة أحلام العاشقين الراقصة على إيقاع دقات القلوب.. ولمثل هذا حري أن ترسل الدعوات وتنسج المواعيد الأثيرية.. وغير بعيد عن هذا النحو من الالتقاء ولم الشمل تأتي دعوة شاعرنا الرائع لمعشوقه (المليح) والذي وجد في سهرته فرصة سانحة لاصطحابه في رحلة غرام خارج حدود العالم الأرضي وعلى وجه التحديد إلى سطح القمر الذي باشر بفتح أبواب أنواره استعداداً لاستقبالهما والاحتفاء بقدومهما السعيد في محفل بهوعرش البهاء.. طاب السمر يا المليح اسمع..جي عندنا ما بقا ما بِهْ.. فرصة أنا وانت نتمتع..ما احلى الهوى يجمع احبابه لا فاتني غاب هو يرجع.. يرجع وانا اقول مرحا به.. وافرح إذا قد وصل واسرع.. يوصف لي الحب واسبابه واسمر معه والطرب يسجع..باوتار وانغام جذابه لا ترفض الحب لا تمنع..إرحم فؤادي الهوى ذابه.. لا غبت يمرض ويتوَجَّع.. بيدك حياته وعِذَّابه والِكبْد لا غبت تتقطَّع..والروح ينهار واعصابه.. اخطى معي للفضاء نطلع..سطح القمر فاتح ابوابه.. هيا معيَّا ولا تفزع..فالروح يفديك واصحابه وأمام المتاعب والموانع والعقبات يصعب على العاشق التراجع عن قرار اتخذه في درب الغرام الذي اختاره بكامل قناعته ولو بلغت الأمور من الخطورة حد تهديده باستخدام الرد العسكري المعزز بقوة السلاح الثقيل.. لنرى كيف عبر الشيخ أحمد العواضي عن وفائه وتمسكه بغرام الحبيب في هذا المقطع الذي تجلى فيه ميوله كقائد عسكري من خلال استخدامه المفردات ذات المدلول الحربي والتي أضفت بدورها الكثير من التأكيدات والإسقاطات الواقعية إلى جو النص.. إرفع لثام الحياء إرفع..قدِّس معي الحب نسلا به انته وانا بالحياة اشفع.. والغير والله ما ارضى به.. لو قدَّموا الجيش بالمدفع..أو هدَّدوني بدبَّابة أو عذَّبوني حرام ما اخضع.. قصدي رضا وجهك احظى به.. في الحب انا وانت نتطوَّع..عاهدتك الله وكتابه ومن مهجة من وهب لحب الشعب روحه نستمع لهذا البوح المشجون والمسكون بمعاني الوفاء النادر وآيات العشق النبيل تجاه تضارب الانتماءات والأقوال.. قالوا حبيبك راح منك بعدما حبَّيت..هذا جزا الحب والإحسان ذي سوَّيت ينساك وانت الذي في عشقته ضحَّيت..ضحيت بالعمر والقلب الذي أهديت تعيش للشعب ثائر كلّما غنَّيت..هو حب للشعب من قلبي له حنَّيت ما احلى ضياك يا زمن ذي فوقنا طلَّيت..أشوف نورك جميل من حيث ما مَّريت أنت الزمان الجديد بالنور قد ضاويت..ضوَّيت للشعب درب المجد ذي خطَّيت من روائعه الشهيرة لا تشلُّوني ولا تطرحوني .. سلِّموا روحي لذي هم يحبوه يا بصر عيني ونيني عيوني .. قلبي العاطش رضي لا تفوتوه والنبي مابا الذي ما يبوني .. لو يسوُّوا أيش ما سوَّوا وجابوه لا يجوا حولي ولا يقربوني .. عاد في الدنيا سواهم يلاقوه يا رفاقي عفوكم واعذروني .. واتركوا حالي لمن جوا يزوروه والشفا يحصل متى قابلوني .. صح قلبي لا نظر من يَعِزُّوه يا حبايب باللقاء شرِّفوني .. والشفاء فيكم لقلبي تدواووه واجلسوا جنبي ولا تلمسوني .. والتعب فيني كفى ذي عرفتوه وانظروا نظرة تطيِّب شجوني .. تسلي الخاطر لأجلي وترضوه عادني مجروح من ذي رموني .. ذي رموا قلبي وهم با يشوفوه يوم طاروا كنِّهم طيَّرُوني .. قد خذوا قلبي معاهم يسلوه وايش ذنبي يوم جو يشدفوني .. يشدفوا قلبي وبعدا يخلَّوه ليش انا باظلم وهم ذي لهوني .. واعترضنا كلَّما قلت لَبُّوه إن تلاقينا فهم يذكروني .. وان تباعدنا من الحب ينسوه من أغاني المرأة الريفية إرفق بنا يا اللي نهودك الليم .. حنا شباب من الحلا محاريم يا الابيضي ناشر مخف لا فين .. خفف من السرعة لا تصرعك عين يا نهدتي شقي مناطق الجوف .. الله يصيبك يا محبة الخوف يا قلب هيم يا دمع هات واسكب .. خلِّي تناساني وسار يخطب سهران طول الليل أهيم وانهُج .. واتأمَّل المحبوب يدخل ويخرج زَفُّوا المليح وجزَّعوه قبالي .. واموت شُلُّه لا لهم ولا لي قولوا لمن أمس العشي تعَرَّس .. شرط المحبة من شبع تنومَس يا عقل هيم يا قلب دق واصل .. هجر المحنى دقدق المفاصل غبني على نفسي عمري سدى راح .. والخل عذَّبني وعاش مرتاح