أيوب التميمي في لحظة مصيرية من تاريخ اليمن، طُرحت فكرة بناء دولة مدنية اتحادية، قائمة على الحقوق والمواطنة والمساواة، كما تصورها الشهيد البروفيسور أحمد شرف الدين. كان ذلك المشروع فرصة حقيقية لتجاوز إرث الصراعات، والتأسيس لشراكة وطنية جامعة تُنهي منطق الغلبة وتفتح أفقاً للعدالة والعيش المشترك. لكننا رفضنا هذا المشروع. رفضناه ليس لأنه ناقص أو مشوّه، بل لأننا – كنخب وجماعات – لم نكن مستعدين للتنازل عن امتيازاتنا الضيقة لصالح وطن يتسع للجميع. تخلّينا عن القيم الديمقراطية، واحتكمنا إلى سرديات "الحق الإلهي"، وبدلاً من الفيدرالية العادلة، اخترنا تفتيت البلاد بقوة السلاح، وتقسيمها على أسس سلالية وطائفية ومناطقية. لقد أفرغنا مفهوم المساواة من مضمونه، وملأناه بروح العصبية والتمييز. وعوضاً عن ترسيخ الوحدة الوطنية، أطلقنا العنان لنعرات الكراهية والفرز الجغرافي والمذهبي. هكذا أضعنا فرصة تاريخية لبناء وطن جامع، وفضّلنا السقوط في مستنقع الانقسام، مزهوين بانتصارات آنية زائفة لا تُبقي ولا تذر. استبدلنا الحوار بمنطق الهيمنة، وحوّلنا السلاح من أداة دفاع إلى وسيلة لفرض الرؤى والإقصاء. رفضنا أن نكون شركاء متساوين في وطن ديمقراطي، واخترنا أن نكون أعداء في وطن ممزق. وزرعنا بأيدينا بذور الانقسام، وسقيناها بدماء الأبرياء، ثم تساءلنا بدهشة عن أسباب المآسي التي تحيط بنا من كل اتجاه. لقد حوّلنا الاختلاف إلى عداوة، والتنوع إلى تهديد، والتعايش إلى حلم بعيد المنال. خسرنا الوطن عندما ظننا أن السيطرة على جزء منه تعني امتلاك الكل، ونسينا أن الأوطان لا تُبنى بالغلبة، بل بالعدالة. ما ارتكبناه لم يكن مجرد خطأ سياسي عابر، بل جريمة أخلاقية بحق أجيال المستقبل، التي ستدفع ثمناً باهظاً نتيجة خياراتنا قصيرة النظر. لقد سحقنا آمال الديمقراطية بأقدام الاستبداد، ودفنّا فكرة الدولة العادلة في مقبرة أطماعنا الجماعية. اليوم، ونحن نعيش تمزق اليمن جغرافياً ونفسياً، يبقى السؤال المؤلم معلقاً في ضمير كل من شارك أو صمت: هل كان هذا هو البديل الذي يستحق كل هذا الخراب؟ وهل ما زال هناك طريق للعودة، أم فات الأوان..؟