أضحت الأمية هي العائق الأكبر لمسيرة المجتمع اليمني وتقدمه الحضاري، وقد صمدت الأمية أمام محاولات القضاء عليها، ولذلك ، لا يزال الإنجاز التعليمي في اليمن ضعيفاً ، ولكن الأمية الدينية هي المشكلة الكبرى على اليمن واليمنيين، نحن أمام فكر منحرف هبط بالوحي المقدس إلى ساحة الصراعات السياسية والمصالح الشخصية فتحول الدين إلى سياسة والسياسة إلى دين. إننا أمام موجة من الدعاة الأدعياء الذين لا يفقهون من الدين شيئاً سوى نشر الخرافات والشعوذة والدجل والتعصب والإسراف في التكفير والتحريم والتضييق على الناس في شئونهم الدينية والدنيوية . ان الأمية الدينية خلقت لنا مجموعة من الأدعياء يجهلون ان الدين جاء لهداية الإنسان وليس لقتله ، وقد وجد الإنسان قبل الدين . هذا يعني ان المواطنة تأتي قبل الدين إذ إن المواطنة علاقة بين الفرد والدولة ، تقوم هذه العلاقة على حقوق وواجبات متبادلة، فالوطن يستوعب كل الناس على اختلاف تنوعهم الديني والمذهبي ، أي ان هناك حقوقاً مدنية تتعلق بالمساواة مع الآخرين وحقوقاً سياسية تتعلق بالمشاركة في اتخاذ القرار السياسي. لذلك فالمواطنة تعمل على تخليص الدين من المنافسات والصراعات البشرية والصراعات المذهبية والفقهية، ومن الخطأ أن نترك الأمر لأولئك الأدعياء الذين يروجون للدولة الدينية، أصحاب شعار «الإسلام هو الحل»، فالدول تنسب للبشر ولاتنسب للإله. لذلك نجد أن هناك دولاً ديمقراطية وأخرى استبدادية. فالدولة نظام يضعه البشر. وإلا كيف نفسر النفوذ الذي أصبح عليه رجال يدّعون أنهم الوسيلة والواسطة بين الله والإنسان أو يدّعون أنهم يفهمون قصد الله لوحدهم دون سواهم وليس من حق أحد أن يناقشهم فيما يقولون، وكأن الدين الإسلامي سر من أسرار الله أسر به لهؤلاء الادعياء حتى يحتكروا العلم بمراد الله ومقاصده. إننا أمام خطباء مساجد يفسدون عقول الناس ويزيفون الدين ويكذبون على الله وعلى رسوله. من يقف للحظة واحدة في جولة جامعة صنعاء وقريباً من بوابتها تصم أذنيه تلك الشرائط التي تسمم الفكر وتحول الله إلى شيخ قبيلة يأمر بقتل هذا وسفك دم هذا ومعاداة ذاك ، لاتسمع إلا البكاء من ممثلين احترفوا التمثيل وتتخيل وكأن القيامة قد قامت ولايتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تدهشك الكتب الممتدة بامتداد الرصيف وهي من النوع الذي يحارب كل صور التقدم والحضارة، وتستعدي الناس على بعضهم البعض وعلى وطنهم. إن الأمية الدينية ساعدت هؤلاء الأدعياء المتاجرين بالدين على ان يتحدثوا باسم الإسلام فنحن شعب لانحصل على المعلومات إلا عن طريق السماع ولانعرف من الأحكام سوى الحلال والحرام، بل إن الإسلام كاد اليوم ان يختزل إلى النقاب وإطلاق اللحى وتحريم مصافحة المرأة وتحريم الموسيقى إنهم أعداء الجمال والفن. إن هؤلاء الأدعياء الدراويش يرفضون مبدأ المواطنة ويرفعون شعار « الإسلام هو الحل»، لإجبار المجتمع على الخضوع لرؤيتهم على اعتبار ان صحيح الدين والتدين ينحصر في رؤيتهم للدين الذي يتمثل في اتباعهم فقط. وفي غياب المؤسسة الثقافية استطاع هؤلاء المنحرفون في أفكارهم أن يسوقوا هذه الأفكار المضللة وقد انشغل مثقفو الأحزاب بقضايا لاصلة لها بقضايا الوطن والتقدم، لقد ذهبت الأحزاب التي تدعي أنها تقدمية وأنها مع المرأة وحقوقها ومع الحداثة والدولة المدنية، ذهبت إلى التحالف مع هذه القوى التي لاتؤمن بالديمقراطية ولا بالتعددية إلا من منطلق التقية، حتى إذا ماوصلت إلى السلطة، فإنها ستنقلب على كل شيء. في غياب الثقافة، ونقصد هنا ثقافة القراءة وليست ثقافة السماع استولى أصحاب الفكر الضال على منابر المساجد وحولوها إلى مدارس لتعليم الكراهية والحقد على المجتمع. وإذا لم نستطع القضاء على الأمية الدينية والأفكار الضالة وتحصين عقول الأجيال القادمة، فإننا سنكون أمام فيروس الجهل بالدين وهو أخطر من فيروس الإيدز. علينا أن نعلّم هذا الجيل أنه لاتوجد ثوابت في الواقع الاجتماعي ولاعصمة للمواريث الفكرية أو الاجتماعية. ولابد من القضاء على أحادية الرؤية في تفسير الدين أو الأحداث والدوافع الإنسانية الكامنة وراءها. لقد بات مواجهة الأمية الدينية أمراً ملحاً، بمايسهم في تفادي كارثة الانعزال عن المشاركة الفاعلة في هذا العالم. رسالة إلى من يهمه أمر الوطن إن التنشئة الوطنية للشباب ومناقشة قضاياهم وحقوقهم وواجباتهم يجب ان تكون على مستوى جميع الشباب وعلى اختلاف انتماءاتهم وإلا فسوف يتسلل الفكر المتطرف والمذهبي والمناطقي إلى قلب هذه الشريحة وستنمو هذه الأفكار وتجعل الهوية الوطنية ممزقة وغير قابلة للالتئام.. وعندئذ تكون جنت على نفسها براقش !! وعندئذ نكون قد عدنا بالوطن وبالشباب إلى فترة ماقبل 22مايو 1990م وهي عودة لايتمناها كل من يحب هذا الوطن.