أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    جامعي تعزّي: استقلال الجنوب مشروع صغير وثروة الجنوب لكل اليمنيين    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    الزندان أحرق أرشيف "شرطة كريتر" لأن ملفاتها تحوي مخازيه ومجونه    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    عملية تحرير "بانافع": شجاعة رجال الأمن تُعيد الأمل لأهالي شبوة.    بينما يذرف الدموع الكاذبة على نساء وأطفال غزة.. شاهد مجزرة عبدالملك الحوثي بحق نساء تعز    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    مؤتمر برلمانيون لأجل القدس يطالب بدعم جهود محاكمة الاحتلال على جرائم الإبادة بغزة    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشكلة أخذت تتفاقم بفعل الاستقطاب السياسي والتأثير الإقليمي والدولي
الطائفية..قاصمة الأوطان.. ومبيدة الشعوب!!
نشر في الجمهورية يوم 03 - 11 - 2013

ما يثير الغرابة هو ذلك الشعور الذي يجعل من المرء يفرق بينه وبين أخيه المسلم في الدين والوطن بسبب انتمائه إلى حزب أو مذهب معين, بل إن ما يبكي ويخيف في آنٍ معاً أن المساجد أصبحت إلى حدٍ كبير تسمى ضمنياً بأسماء تلك المذاهب أو الأحزاب؛ وأصبح مرتادوها من جماعة معينة دون أخرى.. عوامل عديدة وأسباب كثيرة بحثنا عنها من وجهات نظر متعددة لتشخيص الداء وعلاجه في ظل التعدد المذهبي والحزبي وقداسة الأشخاص التي ظهرت على السطح متصارعة بغطاء ديني, والبعد يوماً بعد يوم بين أبناء الأمة الواحدة تحت ذات الغطاء.
موطن التعايش
في هذا الشأن بدأ الحديث القاضي حمود الهتار «وزير الأوقاف والإرشاد السابق» قائلاً : لقد كان اليمن وما زال وسيظل بلد التعايش الديني والمذهبي وإذا كانت العاصمة صنعاء قد مثلت علامة بارزة من علامات التعايش المذهبي في اليمن فإن عدن قد مثلت أروع أنواع التعايش الديني والمذهبي، والمتتبع والمستقرئ لتاريخ اليمن يجد بأن الأصل فيه هو التعايش , وإن الصراع كان حالة طارئة تأتي بين الحين والآخر, ومن نعم الله علينا أن الله عز وجل جعل لنا مرجعية ثابتة لا تتبدل بتبدل الأشخاص أو الأحوال مرجعية نصوص وليس مرجعية أشخاص، ذلك لأن الأشخاص قد تختلف اجتهاداتهم وآراؤهم وأهواؤهم وأمزجتهم , ولكن مرجعيتنا تتمثل في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وكلهم من رسول الله مُلتمسٌ , الله تبارك وتعالى يقول ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) والرد هو ردٌ إلى كتابه والرد إلى الرسول هو ردٌ إلى سنته أما إذا اضفينا القداسة على الأشخاص فالكل سيعتقد بأن ما قاله شيخه أو أستاذه هو مقدس ولا يجوز الخروج عنه، لذلك فإن القداسة للقرآن الكريم والسنة النبوية وكل يؤخذ من قوله ويُرد إلا المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم والخلاف في أي مسألة يُصيّرها ظنية لا يترتب عليها إيمانٌ أو كُفر والخلاف الذي يفرق بين الناس هو الخلاف السياسي أما المسائل الأخرى فأعتقد أن مجال الخلاف محدود بل ربما يكاد يكون الصراع منعدماً فيها.
ملامح مخيفة
ويضيف القاضي الهتار: هناك أسس للتعايش فيما بيننا كيمنيين إن كنا نبحث عن تعايش في بلدنا أو نبحث عما يحفظ لنا التعايش وهي الاعتراف بالآخر والاحترام المتبادل , إقامة الحقوق والواجبات على أساس المواطنة المتساوية , الالتزام بالنصوص الدستورية والقانونية في المعاملات التي تجري فيما بين الناس والاحتكام إليها , الابتعاد عن التكفير , عدم استخدام العنف لفرض الآراء أو الأقوال أو المذاهب أو حتى في نيل الحقوق , ولعل من ابرز علامات التعايش في بلادنا والتي كانت موجودة وما زالت وان كنا نشعر بأنه الآن بدأت ملامح مخيفة كان المنادي ينادي للصلاة فيتجه الإنسان إلى اقرب مسجد لديه لا يسأل عن إمام أو خطيب من هو هذا الإمام وما عقيدته وهل هو زيدي أو شافعي شيعي أم سني لا يسأل عن هذا ويتجه إلى اقرب مكان أو مسجد ويصلي فيه , وكان الخطيب أو الإمام للناس جميعاً , لم أجد في فترة من الفترات إذا ما استثنينا الخمس السنوات الماضية خطيباً يتحدث من على المنبر انه زيدي أو شافعي أو قد يتحدث عن الزيدية أو الشافعية أو السلفية أو السنة أو الشيعة على الإطلاق بل كان خطابه موجهاً للناس جميعاً وإنما جاءت هذه الحالة كحالة طارئة .
وأورد القاضي حمود الهتار مثالاً على حدوث الخلاف بين المذهبين الزيدي والشافعي بين مجموعة من الدارسين المنتمين إلى هذين المذهبين في اليمن قبل أكثر من نصف قرن وحل ذلك الخلاف في حينه قائلا ً: قبل الثورة السبتمبرية بخمس إلى ست سنوات كان هناك مجموعة من الدارسين يدرسون في مدينة جبلة وكانت المدرسة العلمية حين ذاك تُدرس المذهبين الزيدي والشافعي فحدث خلاف بين الزيدية والشافعية وبلغ هذا الخلاف الإمام احمد في تعز فطلب الفريقين إليه واشترط أن يكون حضورهم إليه في يوم محدد قبل صلاة الظهر, وان يكون تناول الغداء لديه فلما جاء وقت الظهر ونادى المنادي للصلاة تقدم الإمام احمد ليصلي بهم صلاة الظهر فضم ورفع , ثم ذهبوا وتناولوا طعام الغداء , وبعد ذلك استمروا إلى وقت صلاة العصر فصلى بهم العصر ولم يضم ولم يرفع , ثم جلسوا معه من بعد صلاة العصر إلى قبيل صلاة المغرب يتناولون القات ويتذاكرون في بعض المسائل العلمية , وقبل أذان المغرب نظر الطلاب بعضهم إلى بعض واستأذنوا الإمام احمد بالانصراف فسألهم ألكم حاجة عندي قالوا له قد قُضيت بمعنى أمر الخلاف الذي كان في مسألة الرفع والضم قد أفادهم عملياً.
مستنقع دموي
من جهته يرى يحيى الشامي «عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني»: إلى أن عدم التعايش بين المذاهب ينذر بتدهور وانحطاط المجتمعات , ضارباً بما يحدث في العراق مثالاً على ذلك ونفس الشيء يحدث داخل سوريا , وقال: إذا ظلت الأمور بدون انتباه من جانبنا نحن اليمنيين إلى مخاطر الصراعات الطائفية يمكن أن ننزلق إلى مستنقع دموي غير عادي ولهذا المطلوب أن لا تجرنا أيه جهة من الجهات إلى مثل هذه الصراعات الثانوية سواء كانت طائفية أو دينية أو قبلية أو أي نوع من أنواع الصراعات المختلفة ولنعد بالمجتمع وهذه مهمة القوى السياسية والاجتماعية إلى إعادة الصراع إلى طبيعته الأصلية وهو صراع سياسي اجتماعي .. لن يتطور المجتمع إلا بالتعايش بين أبنائه
العصبية المقيتة
من جانبه يقول مدير التوجيه والإرشاد في الأوقاف - عضو مؤتمر الحوار الوطني هاني عبد الحميد كُرد : لا يمكن لأي مجتمع من المجتمعات أن يتطور ويتقدم إلا إذا تعايش أبناؤه على مختلف مكوناتهم المذهبية , الحزبية , أو حتى الدينية إذا وجدت هناك الأقليات الدينية , لا يمكن أن يتطور هذا المجتمع إلا إذا تجنبنا هذه الخلافات وتعايشنا فيما بيننا , والتاريخ الإسلامي يشهد على ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤسس دولة المدينة المنورة التي كانت هي المنطلق والنواة الأولى لنشر الدعوة الإسلامية في العالم إلا عندما تعايش مع اليهود ومع غيرهم بل حتى التعايش كان مع بعض القبائل التي كانت على الشرك , فتعايش النبي صلى الله عليه وسلم وبنى الدولة الإسلامية وأرسل الوفود التي كانت تدعو إلى الإسلام وتبين لهذه القبائل أحكام الإسلام , هكذا فعل النبي وهكذا فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم حتى عندما جاء عمر رضي الله تعالى عنه في خلافته وجاءه رجل يهودي فقير وأراد أهل بيت مال المسلمين أن يأخذوا منه الجزية فقال عمر قولته المشهورة ( ليس من العدل أن نأخذها منك وأنت في شبابك وقوتك ثم لا نعطيك في حال شيخوختك ) فكان عمر يعطي اليهودي من مال بيت المسلمين لأنه من رعايا الدولة الإسلامية التي له ما لها وعليه ما عليها.
- ويواصل عضو مؤتمر الحوار الوطني هاني كرد : إذا فقد التعايش بين المذاهب والمكونات فإن أي تجمع سوف يزول لأن كل جماعة ستعمل لصالح جماعتها وستستعين بمن يدعمها من الخارج وسيكون هذا مصدر تمزيق للبلد , وهو ما يحصل اليوم في اليمن , وكمثال ليس على إطلاقه فإنه بسبب عدم وجود المساواة والعدل بين الناس خرج جمع من الناس في المحافظات الجنوبية واستعانوا ببعض القوى الخارجية التي لا تريد لليمن الاستقرار وإنما السيطرة على المنافذ البحرية والموقع الاستراتيجي , و كل ما يحصل الآن في اليمن هو صراع من اجل النفوذ والثروة , المسلمون في خطر إذا ابتعدوا عن الدين الصحيح الذي جاء به الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم لأن الأحزاب والجماعة سوف تزول والبشر سيذهبون ولن يبقى إلا الإسلام ومن تمسك بدين الله سبحانه وتعالى , ولذا نريد من كل الأحزاب السياسية والمكونات والمذاهب الموجودة في اليمن أن تترك هذه العصبية المقيتة خلف ظهرها وتنظر إلى المكون الأكبر وهو اليمن .
- ويضيف كُرد : هناك دعاة وعلماء ربانيون ليسوا طرفاً في هذا الصراع أو ذاك وإنما هم ينظرون من مكان مرتفع إلى المتصارعين ويقولون للمظلوم أنت مظلوم ويقفون معه ويقولون للمخطئ أنت مخطئ ويقفون ضده ليس بالسلاح وإنما يُبينون له الخطأ الذي وقع فيه , لذلك على العالم والداعية أن لا يكون طرفاً في أي نزاع أو حزب لأن عالم الأمة لا يحجم نفسه ويجعل نفسه مقصوراً على حزب أو جماعة معينة ويصغر نفسه حتى يكون مقبولاً عند الجميع كونه عالماً وداعية للكل.
مشاريع العنف الطائفي
ويتحدث الكاتب مجيب الحميدي عن أسباب العنف الديني وما يدور في إطاره من حروب بالوكالة قائلاً: ساهم تراجع الهامش الديمقراطي في اليمن في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة في تحويل خيارات العنف الديني إلى خيارات جذابة وهذا التراجع ساهم في تحويل لغة تنظيم القاعدة والجماعة الحوثية إلى لغة قادرة على إقناع بعض الشباب المتدين في مجتمع يمتلك السلاح وتتفشى فيه الأمية ويعشش في ربوعه الفقر عاملاً خطيراً في تجنيد الكثير من أبناء المجتمع كأدوات رخيصة للجماعات المتقاتلة في مشاريع العنف الطائفي , ومع تهاوي العملة المحلية فإن التدخل الخارجي سيلعب دوراً خطيراً في تأزيم الصراع الطائفي وتجنيد المقاتلين وتجييش الأقلام لتغذية هذا الصراع بما يضمن تهيئة اليمن لحروب بالوكالة في سياق الصراع الإقليمي الطائفي , وما تفرضه المسئولية الإنسانية الوطنية والدينية أن تتوافر الجهود لمطالبة الحوثيين بالاندماج السياسي والتخلي عن مشروع فرض التسلط المذهبي على المجتمع بقوة السلاح، والتحرر من أوهام بناء الإمارات المذهبية التي تحولت إلى مشاريع ملهمة لجماعة القاعدة في مناطق أخرى من الوطن , ومن الخطأ الكارثي أن تتورط بعض النخب المثقفة في التعامل مع ظاهرة بناء الإمارات وفرض التسلط المذهبي القاعدي والحوثي بقوة السلاح بمعايير مزدوجة ومحاولة محاباة طرف من الظاهرة لأن الغضب الأمريكي عليه اقل من الآخر أو تدعيم هذا الطرف نكاية بتوجهات دينية اندمجت في العملية السياسية الديمقراطية المدنية, ويجب أن نعترف أن السياسات الخاطئة وضعتنا اليوم أمام تحدٍ خطير لا ينبغي التعامل معه بروح مذهبية طائفية ولا بمنطق الحسابات الضيقة ولا بالمعايير التي تفرضها أجندة الدعم المتدفق من السفارات السنية والشيعية والأمريكية , لم يعد مجدياً الاكتفاء بالإشارة إلى دور سياسات النظام السابق في إيجاد هذه الظاهرة , فضلاً عن كون الحديث عن دور سياسات النظام في تهيئة المناخات الخاصة لنمو هذه الظاهرة لا يعني تجاهل الأسباب الخاصة الداخلية والخارجية التي ساهمت في إيجاد الظاهرة , أصبحنا اليوم أمام أمر واقع يجب أن نتعامل مع تحدياته بمسئولية وطنية وإنسانية قبل أن تلتهم أنياب الصراع الطائفي تفاحة ربيع الثورة ونصبح بدون وطن.
كيفية تجنب الصراع
ولتجنب الصراع الطائفي يقول عبد الناصر الخطري: لابد من اعتراف كل طرف بوجود الطرف الآخر وإلغاء عقلية الإقصاء , كما لابد من التعارف بين الجانبين واكتشاف حقيقة الآخر لان البعض من الدعاوى التي يقيمها كل طرف على الآخر سواء كانت فكرية أو عقيدية أو سياسية قد تكون خلاف الدعوى وعند اكتشاف هذا عن قرب تضيق فجوة الخلاف , كما يجب على الدولة أن تبسط سيطرتها على كل شبر في البلد لا سيما مناطق الصراع , وإيجاد محاكم حيادية عادلة للفصل بين الخصومات والنزاعات التي غالباً ما تكون السبب المباشر للصراع , ونزع السلاح الثقيل وجعل ذلك حقاً خالصاً للدولة مع إلزام الدولة بتأمين المواطنين , وسن القوانين المجرمة للتمييز العنصري والطائفي وإيجاد العقوبات المناسبة لمن يمارس ذلك , وسن القوانين النافذة في تجريم ومعاقبة ممارسة أي مواطن لسلطات الدولة كجباية الزكوات وفتح السجون والمعسكرات, وتضمين المناهج الدراسية الدعوة إلى التعايش السلمي بين المذاهب المعتبرة وتجنيبها أي دعوة إلى التعصب الطائفي , وإلزام وسائل الإعلام بالدعوة إلى السلم الاجتماعي وحجر الوسائل الإعلامية المناهضة لذلك والداعية إلى الفتن في البلد , وإلزام الراغبين في الوصول إلى السلطة والدولة بالانخراط في العمل السياسي عبر حزب سياسي بما يتيح لهم الوصول إلى رغبتهم بالوسائل السلمية المعتبرة في البلد .
تجانس المجتمع اليمني وتسامح مذاهبه
ويذهب محمد يحيى عزان «الأمين العام السابق لتنظيم الشباب المؤمن» إلى أن المجتمع اليمني مجتمع متجانس إلى حد كبير ويقول : معظم سكانه يدينون بالإسلام وأصولهم العرقية متقاربة حتى أولئك الذين أتوا من بلدان بعيدة أتوا في أوقات مبكرة وانصهروا في المجتمع ديناً وعرفاً ونمط عيش حتى الطائفية والمذهبية تعد أقل حدة منها في كثير من البلدان الإسلامية , ففي المذهبية نجد التيار السني في غالبيته من أتباع المذهب الشافعي كما أن«التيار الشيعي» من أتباع المذهب الزيدي وقد عرف الناس المذهبين بالتسامح الذي يكاد يبلغ حد الاندماج فرموز المذهبين يتفقون أكثر مما يختلفون ولم يكن بينهم تصادم وتنافر في كثير من مسائل الخلاف التي قرر الجميع أن الاختلاف فيها نوع من أنواع الاجتهاد الجائز, نظراً لاختلاف النقل عن المشرع وتفاوت الناس في الفهم واختلاف أساليبهم في التطبيق إلى جانب أنهم لم يكونوا يستحضرون التفاصيل الفكرية العقدية والسياسية التاريخية للإثارة والتحريض , بل كان ثمة تفهم من كل طرف لما يخالفه في الطرف الآخر , مما جعل مؤسساتهم التعليمية ودور عبادتهم مختلطة , وكان بعضهم يتتلمذ على بعض , ويهاجر لطلب العلم بين يديه , وكانوا يتبادلون الإجازات والروايات , مما جعل كل طرف يجل الآخر ويعتمد روايته ويحترم اختياراته الفقهية وان لم يعمل بها .
- كما يقول عزان: إنه نتيجة لدخول اليمن في التجاذبات السياسية كغيره من البلدان العربية والإسلامية ظهرت المشكلة المذهبية في أشكال وقوالب مختلفة , وأخذت تتفاقم نتيجة الاستقطاب السياسي والتأثير الإقليمي والدولي , الذي وجد في المشاعر المذهبية مادة قابلة للاشتعال , ووسيلة للدفاع أعاد بالمجتمع نحو الطائفية التي يسهل من خلالها شق الصف وحشد الناس ضد بعضهم ومن ثم التحكم في الوضع العام للبلد من خلال لعبة ترجيح كفات الصراع , حسب مقتضيات السياسة الإقليمية والتوجهات الدولية , ويرى عزان انه عند ذلك أخذت التفاهمات التي مضى عليها السابقون تتساقط , وساعد على ذلك كثير من المتشددين المنتمين إلى هذا المذهب أو ذاك , حين سارعوا إلى وضع العلامات الفاصلة بين أبناء المذاهب ذات الخلفية الإسلامية الواحدة , والتاريخ الوطني المشترك , مما اضر بمستقبل التقارب والتسامح بين أبناء المجتمع الواحد حتى صار بعضهم يعتبر تعايش السابقين وتسامحهم ضرباً من المجاملات والمداهنات على حساب الحق والدين وعملوا على إقناع فريق من اتباعهم بأن عداوة ومفاصلة المختلفين معهم إحدى ركائز الدين والانتصار له , وبذلك أغرقوا الناس في ممارسة الحزبية المذهبية لفرض فكر خاص , بحجة أن في ذلك حماية لجماعتهم من التأثر بالغير والأخذ عنه .
- ويقول : في ظل ذلك الوضع تسلل إلى المجتمع السني تيارات دينية يغلب عليها ضيق الرؤية ووحدة الموقف تجاه الآخر , كما تسللت إلى المجتمع الزيدي تيارات يغلب عليها المبالغة في الولاء , والتأثر بالأقاصيص والخرافات , واخذ كثير من اليمنيين المتفاهمين مذهبياً ينجذبون تحت مؤثرات شتى نحو هذا الطرف المتطرف أو ذاك , وشيئاً فشيئاً صارت المذاهب مزيجاً من الدين والسياسة , وتحولت إلى ما يشبه معسكرات يحشد كل منها لمواجهة الآخر , واخذ الوسط المعتدل يذوب بالتدرج تحت تأثير حرارة الفرز والشحن والتحريض , وتوطيد مبدأ من لم يكن معنا فهو ضدنا حتى تحولت الحياة في بعض المناطق إلى مأساة يُحاسب الناس فيها على هوياتهم المذهبية , ونتج عن ذلك قتل وتشريد ومواجهات مسلحة مؤسفة .
عوامل تقارب
ويقدم محمد عزان بعض المعالجات التي يرى فيها التقارب والتعايش بين المذاهب وكسر حواجز العزلة وإنهاء حالات الانغلاق لدى بعض فئات المجتمع تتمثل في إسقاط الحواجز الوهمية بين فئات المجتمع بالتزاور واللقاء وإيقاف حملات التحريض والنفخ في أبواق الطائفية والمناطقية والعنصرية والنظر إليها على أنها جناية على الدين والمجتمع وجريمة في حق الوطن الذي لا سعادة لنا فيه إلا بلملمة شمله ومداواة جراحه , التشبع بثقافة قبول الآخر مهما كان توجهه الفكري والسياسي والتخاطب مع مختلف التيارات باللغة التي يعرفونها والانطلاق بهم نحو ما لا يستنكرونه دون تهجم أو تجريح لما يرونه مقدساً , توفير فرص عمل للشباب العاطل الذي تدفعه قسوة الظروف نحو الخيارات الصعبة , وإيجاد بدائل حزبية وفكرية واجتماعية مناسبة وإتاحة الفرصة لتفريغ طاقات الشباب في المسارات الصحيحة , وعقد ندوات توعوية وتسيير حملات مصالحات شعبية لكسر حواجز العزلة وإنهاء حالات الانغلاق والاستيحاش لدى بعض فئات المجتمع , وتقويم الخطاب الديني والإعلامي في منابر المساجد ووسائل الإعلام بحيث يؤدي دوراً إيجابياً في تصحيح المفاهيم وطمأنة الفرقاء وتخفيض مستوى التوتر والاستنفار , إقامة حوارات فكرية ودينية تنويرية هادئة تغوص في أعماق الأفكار وتجيب بمنطقية عن مختلف التساؤلات , ومعرفة كل طرف حقيقة ما عند الآخر من أفكار كما يراها هو لاكما يقدمها غيره , توفر الرغبة في التوافق والوصول إلى نتيجة إيجابية , وضع مسائل الحوار في دائرة الاحتمال الذي يساوي بين فرضية الخطأ والصواب , وحشد نقاط الاتفاق وكل ما يثير الفكر التوافقي ويقرب من تفهم الآخر , وانتقاء العبارات اللطيفة واختيار الكلمة المهذبة التي عبر عنها القرآن ب (التي هي أحسن) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.