قدم الباحث والمفكر الأستاذ محمد يحيى عزان ورقة بعنوان: "قضية صعدة .. جذور الماضي وتعقيدات الحاضر .. ومقترحات الحلول" وناقشها في ندوة أمس الخميس 13 / 6 / 2013م بصنعاء بتنظيم من ما يسمى مجلس شباب الثورة السلمية. وذكر عزان في ورقته : أنه يشترك جذور في مشكلة صعدة علل رئيسية، يقوم بعضها على بعض، ويكمل كل منها الأخرى؛ على شكل عُقد متداخلة يتطلب حل إحداها حل الأخرى. وأشار إلى أن من جذورها النظرية السياسية دعوى اختصاص قريش بولاية أمر الأمة ثم الأمويين ثم العباسيين ثم العلويين، مؤكدا أن بالإمكان تجاوزها باعتبارها نظرية تاريخية، كانت صالحة لمكانها وزمانها. وأضاف الباحث أن كثيراً من الاخطاء والتجاوزات التي أعقبت ثورة سبتمبر كان لها اسهام كبير في تعقيد الوضع لا سيما وأنها استهدفت المذهب الزيدي، بحجة الخوف من عودة نظام الإمامة ، فأفرطوا في التهميش والإقصاء، وتمكين التيارات المناوئة من المال والوظيفة والنفوذ وخصوصا في المدارس والمعاهد والجامعات ووسائل الاعلام ومنابر الارشاد الديني. هذا إلى جانب أن برنامجها لم يتضمن العمل على النهضة بالإنسان، وتحريره من قيود التبعية، ومساعدته للخلاص من حالة الفقر والعوز، بل صنعت له زعامات قبلية، وكرست تبعيته المجتمع لها، فنقلت الناس من تبعية إلى أخرى، ومن الولاء لأسرة إلى الولاء لأسر أخرى. مشيرا إلى أن تلك الأخطاء جعلت المواطن يعيش حالة تيه وانعدم رؤية، مما جعل التأثير عليه أمراً سهلاً، ويسهل الدفع به كوقود لأي مشروع سياسي أو فكري يعلن التمرد على الواقع، ويسعى للخروج منه بأي شكل وبأي طريقة، ولو إلى تبعية أخرى ووضع غير مستقر. وعن "الحروب الست مع أنصار السيد حسين الحوثي" أكد عزان: أن الدولة أخطأت في استخدام قوة السلاح ، لأن قوة السلاح لم تكن الخيار الوحيد المواجهة المشكلة ومعالجة الوضع. وأضاف أنه صحب الحرب حملة اعتقالات واسعة لم تقتصر على أنصار الحوثي والعاملين ضمن جماعته، بل طالت فرقاؤهم من الشباب المؤمن، وممن لا علاقة لهم بالحوثي أصلاً، وصحب ذلك حملة إعلامية لم تكن موفقة، مما أغرق الدولة في أخطاء سياسية وعسكرية وأمنية ومضت الأمور في مسارات مختلفة، استغلت فيها الصراعات والخلافات الداخلية، ثم في الصراعات الإقليمية والدولية التي دخلت على الخط وصارت المنطقة مجرد ورقة يلعب بها الكبار في سوق الرهانات السياسية. أما تعقيدات الحاضر فرأى انها تتجلى في عدة أبعاد: - البعد العسكري والسياسي، ويتلخص في أن جماعة الحوثي تسيطر على الوضع في صعدة ويمكنها التحلي عن ذلك إن امنت وتحققت بعض طموحاتها. - البعد الديني والعاطفي، حيث يتم فرز وتصنيف المجتمع على أساس مذهبي طائفي، بل وعرقي سلالي، حيث تنفخ الأطراف المختلفة نار الفتنة في عواطف أتباعهم وتحشوا رؤوسهم بصلف التعصب والتمترس الطائفي. - البعد الاجتماعي القبلي، حيث يعيش كثير من أبناء القبائل حالة استنفار ضد جماعة الحوثي، التي يرون أنها تستنفر المنتمين إلى أصولها العرقية من مختلف مناطق اليمن، وتشجعهم على شراء الأراضي والمزارع في صعدة والسكن فيها ونقل أنشطتهم وأعماله الإدارية إليها. مؤكدا أن بعض الحمقى من الطرفين يغذي تلك النعرات بسوء سلوكه، فهذا يزعم أن الله منحه حق الزعامة المطلقة على الناس، وذاك يؤكد أنهم مجرد ضيوف على البلاد، دون أن يتذكروا أن هذا التعميم غير واقعي، وأن الأرض أرض الله والناس عيال الله، وينبغي أن يتعايش الناس بمودة ورحمة. - و البعد السياسي والحزبي، حيث يتنازع المنطقة زعامات قبلية ومشيخات دينية وتيارات حزبية، ويضخ كل منها كما هائلا من الاعلام التحريضي، لذلك يجد الناس أنفسهم - في الحرب والسلم، وأثناء الحوار والتوافق. وعن آثار الحروب وتداعياتها، ذكر عزان: أنها خلفت الحروب عشرات الآلاف من القتلى والمعاقين والجرحى، من السكان ومن مختلف أطراف الصراع، وكذلك الدمار في الأموال والممتلكات، كما خلفت عشرات الآلاف من النازحين والمهجرين، وأنه لا بن حل جميع ذلك عن طريق قانون عدالة انتقالية منصفة. وأكد عزان: أن التحولات الاقليمية الراهنة جعلت صعدة محل اهتمام القوى الاقليمية وحشرها في صراع المحاور. فالسعودية التي طالما ضخت الأموال لإغراء الزعامات القبلية فيها، ودفعت بآلاف الدعاة للتأثير على أيدلوجية أهلها فشلت خطتها. وإيران التي طالما حلمة بوضع شوكة في خاصر المملكة لاحت لها الفرصة بكل المعايير فدخلت بكل ثقلها على الخط، ولم تخف تدخلها الذي ترى أنه لايزال في المساحة المسموح بها. ثم سرد الباحث والمفكر محمد عزان مجموعة من الحلول أبرزها: وتوفُر الإرادة الإيجابية لدى طرفي النزاع شرط في حصول التفاهم والتقارب والمصالحة، وتطبيع الأوضاع وتجاوز آثار وآلام الماضي؛ واغلاق ملفات الحروب السابقة بكل تفاصيلها وتبعاتها. بما يتضمن : إطلاق سراح المعتقلين ، والكشف عن مصير المفقودون، وتعويض المتضررين، ورفع المظاهر المسلحة. وبسط سيطرة الدولة، وحماية الأمن الوطني وسيادة البلد من التدخلات الخارجية، تمكين النازحين من العودة، وإعادة الموظفين المبعدين . الأمر الآخر : الدخول فيما دخل فيه اليمن من إقامة دولة مدنية يشارك في بنائها وتسيير شأنها من يختارهم الشعب بإرادة حرة ونزيهة، دون تمييز جنس أو قبيلة أو عرق أو جهة أو مذهب أو حزب أو جماعة. والاعتراف بحق جميع الافراد والتيارات والاحزاب في المشاركة في الحياة السياسة، والتجمعات الوطنية، بمختلف أشكالها وعلى جميع المستويات، وضمان مالها من حرية في التعبير عن آرائها من خلال وسائل الاعلام المختلفة وبشتى سبل التعبير كالتجمع والمظاهرات والاعتصامات والاضرابات ونحوها. وتكفل الدولة انفتاح التعليم في مختلف مراحله على جميع المذاهب، ليشكل مرجعية فكرية وثقافية تحترم التنوع والتعددية، وتساعد على التعايش السلمي بين أفراد المجتمع، وتلغي أشكال التمييز العرقي والمذهبي والسياسي.