مأرب قلب الشرعية النابض    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    "سيتم اقتلاعهم من جذورهم": اكاديمي سعودي يُؤكّد اقتراب نهاية المليشيا الحوثية في اليمن والعثور على بديل لهم لحكم صنعاء    وزير الخارجية الدكتور شائع الزنداني يطلع نظيره الباكستاني على آخر مستجدات جهود إنهاء حرب اليمن    أخيرًا... فتيات عدن ينعمن بالأمان بعد سقوط "ملك الظلام" الإلكتروني    حوثيون يرقصون على جثث الأحياء: قمع دموي لمطالبة الموظفين اليمنيين برواتبهم!    شعب حضرموت يتوج بطلاً وتضامن حضرموت للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الإرياني: استهداف ممنهج وغير مسبوق للصحافة من قبل مليشيا الحوثي    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    د. صدام عبدالله: إعلان عدن التاريخي شعلة أمل انارت دورب شعب الجنوب    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    الكشف عن كارثة وشيكة في اليمن    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    خادمة صاحب الزمان.. زفاف يثير عاصفة من الجدل (الحوثيون يُحيون عنصرية أجدادهم)    الرئيس الزبيدي يعود إلى عدن بعد رحلة عمل خارجية    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    ميلاد تكتل جديد في عدن ما اشبه الليله بالبارحة    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    الخميني والتصوف    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعد القيمي و الأخلاقي والنفسي للقضية الجنوبية .. د. سامي أمين عطا
نشر في يمنات يوم 15 - 10 - 2013

أن تكرار الأزمات, بصورة منتظمة, هو ملمح الاستقرار أو الثبات الوحيد في سياسة البلاد منذ يوم الوحدة, التي تدار بواسطة مبادئ موجهة, لابد أن تقود إلى المآزق والأزمات (ابو بكر السقاف صحيفة الثوري عدد 1473 بتاريخ 15/5/97م)
توطئة لابد منها:
أسمحوا لي في لبدء أن استعير مقطع من مقالة أخيرة للكاتب طاهر شمسان صادفتها في أحد مواقع الفيس يقول فيها" حرب 1994 أثبتت أن الشمال غير مؤهل للوحدة.. ونتائج الحرب جعلت الجنوب غير مؤهل للانفصال.. الحرب حولت الوحدة إلى قهر للجنوب.. ونتائج الحرب أسست لثقافة الثأر من الشمال.. والوحدة عندما تتحول إلى قهر تصبح عنوانا جميلا لمضمون قبيح.. والانفصال عندما يكون ثأرا يصبح كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء.. لقد أنتج الوحدويون القهريون انفصاليين ثأريين يغايرونهم في المظهر ويجانسونهم في الجوهر.. لا أقصد بالشمال الشعب المضلل وإنما نخب نافذة.. ولا أقصد بالجنوب الشعب المضيع وإنما نخب فقدت نفوذها.. والنخب في الجهتين انفصالية" ( طاهر شمسان)
وأما م وضع كهذا تستحضرني أسطورة " فيلوكنانيس" في مسرحية سوفوكليس التي تصور بطلاً يملك قوساً سحرية, ومهارات قتالية خارقة تمكنه من قتال الأعداء والتغلب عليهم, ولما كان البطل يعاني من جرح مؤلم في قدمه , تنبعث منه روائح نتنة, يجعله في حالة من الأنين والتوجع الصارخ, لذا بدلاً أن يكون سنداً للناس وعوناً لهم في حربهم, تجد الناس ينفرون منه, بسبب توجعه المثير ورائحة قدمه الكريهة, ويظل الناس في حيرة من أمرهم؛ بين حاجتهم إلي قوس ومهارات البطل ونفورهم مما يعانيه, هذا التذبذب في مواقف الناس يحكي قصة الصراع بين الجديد المأمول والقديم المرذول, حيث يبدو الجديد غير مأمون, يثير قلق الناس وتوجسهم , ويزعزع سكينتهم واطمئنانهم , لذلك ترى الناس عوضاً عن الانتصار له؛ يتمسكون بالقديم حتى وأن كان قائماً على خطأ.
وهذه القصة تحكي حال علاقة قيادة الحراك الجنوبي بالقاعدة الجماهرية, ويمكن أن نسقط هذه الأسطورة على علاقة القيادة المتمسكة بمشروع الوحدة بجماهيرهم, تكونت علاقة ريبة وشك وعدم ثقة, بل وصل إلى لا مبالاة عريضة بالأفكار والمشاريع , فلا الوحدويون يمتلكون قدرة على التأثير على الناس, ولا الانفصاليون استطاعوا أن يوسعوا من قاعدتهم الجماهيرية ويكسبوا أرض جديدة في ميدان السياسة الخارجية ناهيك عن الداخلية!!
ويمكن تلخيص المسألة بكلمتين المجتمع يعاني" أزمة أخلاقية " وتتلخص الأزمة في انعدام المسئولية, اخلاق المسئولية غائبة في حياة الناس, وهذا نتاج ثقافة متأصلة في عمل النخب السياسية تقوم على الوصاية والإنابة, ثقافة أبوية تتحكم فئة أو نخبة بمصير الناس, ولم يتعلم المجتمع ثقافة المسئولية , والمسئولية مبدأ اخلاقي يتعلمه الفرد من خلال الممارسة السياسية ,إشراك الناس في اتخاذ قراراتهم لوحدهم.
قرار الوحدة تم اتخاذه انفراديا وقراراً شخصياً لم يستشر الناس فيه ولهذا تجد الناس منقسمين حوله, هناك من يرمي باللائمة على هذا الطرف او ذاك, وأنقسم الشارع الجنوبي يندب حظه العاثر ويعض على النواجذ, ويرمي بأسباب شقاءه بعيداً عن الأسباب الحقيقية, وفي رأينا أن السبب الحقيقي هو عدم إشراك الناس في اتخاذ القرار؛ فلو أشرك الناس بقرار الوحدة باستفتاء لكانوا اليوم موحدين بالبحث عن المعالجات ولما انقسم الشارع الجنوبي على نفسه, ولهذا أقول بأن أول مهمات السياسة واصلاحها هو الشراكة في القرار وتعليم الناس اخلاق المسئولية , لا ينبغي لنا أن نتخوف من أن الناس ستخطئ , لأنهم إذا لم يخطئوا لن يتعلموا ولن يكونوا مسئولين عن اخطائهم وستجدهم يتنصلون منها وينقسمون!!.
مما لا شك أن القضية الجنوبية قضية شعب عادلة وبامتياز, وكل قضية عادلة لابد أن تنتصر, قد يتأخر انتصارها لكنها تنتصر في نهاية المطاف ويستحيل أن تجد قضية عادلة لا تنتصر, قد تقف أمام انتصارها عدداً من العوائق , لكن بزوالها يزول الاخفاق, وفي ورقتنا هذه سنركز على البعد القيمي والاخلاقي والنفسي للقضية الجنوبية لا من جهة ما مورس ضد شعب الجنوب من ممارسات يندى لها الجبين, بل سنتناولها من جهة قيمها الاخلاقية الغائبة سواءً عند أصحابها أو المناوئين لها, سنركز على الممارسة السياسية للطرفين, فإذا كانت القوى المناوئة للقضية الجنوبية, يستخدمون كل الأساليب والوسائل المشروعة وغير المشروعة في إفشالها هذا ألأمر مشروع لعمل غير مشروع, مشروع باعتبار هذا حقهم وفقاً لمبررات المصالح , لكنه غير مشروع بسبب الوسائل والأساليب المستخدمة لأنها تفتقر للفضائل وتتسم بالخسة والمكر والخديعة( يمكن العودة إلى مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر والمقابلات العديدة للشيخ سنان ابو لحوم), وهذه ليست من أدوات السياسة بمفهومها المعاصر, تخليق السياسة " ربطها بالأخلاق قدر الإمكان عمل مطلوب" أما ممارسة فاعليها يشوبه القصور ويفتقر للحصافة والمنطق والعقل, وتحضر النوازع والغرائز في ممارستهم, ولهذا تأتي مواقفهم متشنجة غاضبة ومستعجلة تفتقر للغطاء الأخلاقي الذي يوسع قاعدة مناصريها, وعليه تجدها تراوح مكانها!!! وهذا بسبب انقسام الشارع الجنوبي بسبب الخصومات المستفحلة بين قيادته, ولهذا فإن "حرب 1994 لم تكن بين جهتين في الجغرافيا وإنما بين اتجاهين في السياسة.. فالذين كسبوا الحرب وجنوا ثمارها كانوا من الشمال والجنوب والذين خسروها كانوا أيضا من الشمال والجنوب.. وسبب الحرب ليس تآمر البيض المزعوم على الوحدة وإنما رفض علي صالح والشيخ عبد الله الأحمر والزنداني لدولة الوحدة" ( طاهر شمسان)
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل القضية الجنوبية أزمة قضية أم أزمة حاملها !!!!؟
هناك سببين لإخفاق القضية حتى الآن يمكن تلخيصهما بالآتي:
سبب يتعلق بأليات الفعل السياسي لدى الحراك ذاته, وسبب أخر يتعلق بالتخريب الذي تمارسه أجهزة الدولة الأمنية للفعل السياسي للناس, وقبل أن نطلب من الحراك أن يصلح من خطابه حتى نستطيع أن نفتح حوار وطني معه, علينا أن ننادى أجهزة الدولة من الأمن القومي والأمن السياسي والأحزاب أن تكف عن افتعال وزرع وتفخيخ الحياة السياسية " أن الاستقامة هي المقدرة على تأكيد قيمة الحياة في مواجهة الموت, على المصالحة مع تخوم حياة المرء المحدودة, ومع قيود الحالة الإنسانية المأساوية, وعلى قبول هذه الوقائع دون يأس. الاستقامة هي الأساس الذي تبنى عليه علاقات الثقة أصلاً, والأساس الذي قد يستعيد الثقة المزعزعة. إن تشابك السلامة والثقة في علاقات العناية يتمم دورة الأجيال ويٌعيد توليد إحساس بالجماعة الإنسانية التي تحطمها الصدمة"
جوديث لويس هيرمان الصدمة والشفاء: نتيجة العنف من الإساءة البيتية إلى الإرهاب السياسي ( نيويورك: الكتب الأساسية)( نقلاً عن باربرا ويتمر الأنماط الثقافية للعنف ترجمة د. ممدوح يوسف عمران سلسلة عالم المعرفة, الكويت عدد337, مارس 2007,ص 216 ". ).
حتى تتضح معالم هذا الفعل السياسي من دون استزراع أو تدجينه, لأنه لا يخدم حل القضية برمتها بل يعمل على تخريبها وتأجيل حلها , وستظل القضية عالقة, طالما ظلت هذه الأدوات القامعة قائمة!!
ولهذا لم تستطع هذه القضية أن تقدم نفسها بثوب أخلاقي يليق بها بوصفها قضية عادلة ؛ فعندما تمارس ثقافة الهيمنة وفعل التخريب للعمل السياسي, يستحيل ان تطلب من الفعاليات السياسية أن تتدثر أو تكون ممارساتهم السياسية اخلاقية خصوصاً عندما يعاني حاملها من قصور فكري , أنت هنا بحاجة إلى إعادة ترميم حياتك وفعلك السياسي وتنظف ملعبك بحيث يعتمد على شرف الخصومة والاستقامة, ولهذا لا ينبغي ان يطلب من الحراك الجنوبي شرف العمل وفق القواعد السياسية في ظل غياب هذا الشرف بمن هو يمسك بمقاليد الأمور وبيده كل الأدوات , كانت ثقافة الهيمنة السلطوية تمارس فعل التخريب على الفعل السياسي, إلاّ أن هذا لا يعفي قوى الحراك الحقيقية من المسئولية, لأنها سلمت أمر قيادها إلى قيادة تفتقر للمهارة والقدرة على قيادة الفعل السياسي والميداني والإعلامي.
كما إن الحراك يعاني من انعدام التنظيم المؤسسي, العمل فيه يجري بشكل عشوائي القيادة الموحدة غائبة لغياب الأحزاب والعمل الحزبي فيه, رغم أن أغلب عناصره أتية من أحزاب لها تقاليد عريقة وخبرة في العمل السياسي , وأن تواجدت في قوى الحراك قيادات مجربة, لكنها تعاني ايضاً من ضعف في الأدوات والوسائل, وتطور تلك الأدوات مرهون بالعمل المؤسسي.
لقد استدعت هذه القيادة كل أدواتها ووسائلها من مخزونها التاريخي وأضحت تلك الوسائل لا تاريخية, استدعت كل أدواتها المطمورة والمندثرة أو حاولت استعادتها , هذه القيادة تكلست وتحجرت؛ فهي تقود العمل السياسي بنفس آليات الستينات والسبعينات, وعلى طريقة "كل الشعب جبهة قومية" أن قيادة بهذا الأفق ستصيب القضية بمقتل, ثقافتها السياسية لا تختلف عن ثقافة نظام الاستبداد والطغيان السياسي, وبنفس أدوات التخوين وبث ثقافة الكراهية التي يستخدمها النظام, ومنطق العمل السياسي يقول أنك لا تستطيع أن تكسب قضية عادلة دون أن تكسبها على أرضية اخلاقية, وأن كسبت الصراع بوسائل القبح والرذيلة , فإن هذا الانتصار يكون موقتاً وإلى حين, على قاعدة انكشاف الأمر ولو وبعد حين ولنا في حرب 94م أسوة حسنة.
مما يؤسف له أن هذا البلد يعاني من أزمة أخلاقية بامتياز, وخصومة مستفحلة بين الفاعلين السياسيين كما اسلفنا , إذ ظلت المؤامرة فاعل رئيسي لإدارة شأن الناس العام, وغابت السياسة بما هي علم إدارة المصالح وحل التناقضات, فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة ونكرر مآسي الماضي وويلاته, وهناك خلط بين الدهاء السياسي والمؤامرة, الدهاء من أدوات السياسة أما الثانية المؤامرة من أدوات إدارة جماعة العصابات والمافيا وللأسف هذا البلد يعيش بالثانية على حساب الأولى. الأولى تهدف تحقيق مصالح مجموعة من الناس, أما الثانية فإنها تتجه لتحقيق مآرب شخصية وأنانية جماعة ضيقة ومغلقة من الناس. الأولى قانونية وشرعية ترتكز على العقل والمعرفة, أما الثانية ليست قانونية ولا شرعية وأدواتها غير شرعية تعتمد على الوقيعة والمؤامرة والمداهنة , و تمارس أفعالها خلافاً للقانون وترتكب فيها أفعال إجرامية, من هنا كسب اية قضية عادلة لا تمر إلاّ عبر كسب الأرضية الأخلاقية قوامها الصدق والوضوح وعدم المؤاربة, وعليه ستظل القضية الجنوبية قضية تراوح في مكانها إذا ظلت هذه القيادة تتصرف بعقلية بهذا المستوى لا بل سيظل البلد برمته يعيش وسط حقل الأزمات. كما إن الحياة ستظل مفخخة بالأزمات وعدم الاستقرار إذا لم تتغير مفهوم السياسة , ويتم تنظيفها من النزوع الميكافيلي المؤارب والمداهن ومتحين الفرص ومؤجل الأزمات ومرحلها !!!
وبناءً عليه, فإن كل جديد لا يبدأ انتصاره على القديم إلاّ من الميدان الأخلاقي أولاً, عندما تفقد القيم الأخلاقية القديمة قدرتها على مقاومة القيم الأخلاقية الجديدة تخور قواها وتنهار, وما من فعل سياسي لا يقوم على قيم أخلاقية أو يتستر بها, يمكن له أن ينتصر.
وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة التي تبدو لكن أعتقد جازماً أن هذا الحراك سيعيد تشكيل بانوراما تاريخنا المعاصر ومستقبل البلد. وهو وضع فريد بكلّ المقاييس, يستدعي منا إعادة تعريف ما هو تاريخي وما هو سياسي في اللحظة الراهنة. وإدراك ما هو الجوهري في هذا التغيير وتميّزه عما هو عرضي.
وهناك قضية ثانية ترتبط بصورة وثيقة باخلاق المسئولية الغائبة, سأستعرضها تالياً:
لا ريب في أن أس وجذر المشكلة في أنظمتنا السياسية يكمن في أنها أنظمة تأسست على اقتصاد ريعي يعتمد فكرة الثروة وصار الكل لا يستطيع التحدث إلا من منطلق الحديث عن الثروة الكل عينه على الثروة الظالم والمظلوم الجاني والضحية, والتفكير من خارج هذا السياق معدوم, إن حلول بهذا الشكل بالتأكيد لن تقود إلى بلد معافى بل إلى بلد يتصارع ابناءه على هذه الثروة , حتى وأن تحقق هذا الانفصال أو فك الارتباط, فإن هذه الوحدة القائمة بين الجنوبيين أنفسهم سرعان ما ستنفرط عقدها وسيعود الكل إلى الصراع على هذه الثروة , لأن ما قام على باطل فهو باطل.
نحن لم نبارح مناطق التفكير السياسي ذات المنشأ الميكافيلي وتتحكم فينا القاعدة " الغاية تبرر الوسيلة, لذا فإن ممارساتنا السياسية تأتي منزوعة من دسم الأخلاق!!
لأن غياب الذهنية الانتاجية سلوك اجتماعي وسياسي مائز للفئة التي تستولي على الريع النفطي, كما إنه توجه لإرساء سلوك اجتماعي وسياسي مائز أيضاً للذين ينادون بفك الارتباط من خلال خطابهم الإعلامي الذي يركز ويضع في صدر أولويات القضية قضية الثروة ويغفل الحديث على كثير من المسائل المتعلقة بالكرامة الانسانية وحق الاعتراف بإنسانية المظلوم وضرورة النظر إليه بوصفه صراع من أجل الاعتراف بالتعريف الهيجيلي للصراع. ولهذا إذا أردنا أن نؤسس لمجتمع معافى ونظام سياسي جديد إي كان هذا النظام شكله, علينا أن نعافي ونغير خطابنا السياسي من هذه الذهنية ذهنية اقتصاد الريع , وتوجيه الناس إلى أن الإنتاج مصدر للثروة وليس شيئاً أخر, هذا يتطلب عمل دؤوب وإصلاح في وعي الناس الاقتصادي وتخليصه من الاختلالات التي يعانيها بفعل السيطرة غير المشروعة على الثروة الريعية, وإعادتها إلى ملكية المجتمع ممثلةً بالدولة!! إن إصلاح السياسة يبدأ من إصلاح وهيكلة الاقتصاد باعتبار السياسة اقتصاد مكثف!!
إن أول مهام حل القضية الجنوبية هو تخليص ذهنيات المغتصب للثروة من سلوك السيطرة والاستحواذ الفعلي عليها هذا من جهة, وتخليصها من ذهنية التفكير بها من قبل المغبونين الذي ينزل بها إلى كونها حلم يداعب غرائزهم, أن واحدة من المعضلات التي يصير العقل عبداً للعواطف والغرائز بالمعنى الهيومي للكلمة.
الجنوب والبحث عن هوية بديلة
واحدة من المأخذ على بعض مكونات الحراك وتحديداً تتبناه مجموعة بروكسل, المسألة الإنكارية للهوية, التفتيش عن هوية بديلة , بدلاً من الدفاع عن الهوية التي تشكلت وجدانياً , ,وإذا ظل النظام يرسخ عبر ثقافة الإلغاء والإقصاء فكرة الأصل والفرع, وأن الجنوب أرض بدون شعب , لا يعد الناس فيه سواء بقايا صومال وهنود, والآخرون ما هم إلاّ فروع لأصل مركزه شمال الشمال, فالأصل هناك وهؤلاء إلاّ فروع غير نقية للأصل, هذه الفكرة الشوفينية والعرقية بدلاً من مقاومتها عبر التمسك بالهوية الجامعة الهوية باعتبارها هوية لا أصل مكاني لها, بل الدفاع عن هوّية لا أصل لها ولا فرع, لكنها تتميز على صعيد الاختلاف الثقافي والسلوكي نتيجة اختلاف تطور البنية الاجتماعية للشطرين, لأسباب ليست مجهولة, تطور المدنية كلما اتجهنا من الجنوب صعوداً حتى الشمال, واختلاف تطور المدنية تتسع كلما اتجهنا نزولاً نحو الجنوب وكلما اتجهنا صعوداً تضيق, فإن هذا الفريق في الحراك الجنوبي سلك سلوك الأميبا ( معروف عن الاميبا بأنها تتقوقع على نفسها عند الشعور بخطر داهم وتفرز جداراً سيتوبلازمياً يحميها) وهذا ما عمله بعض مكونات الحراك الجنوبي حاول الاحتماء بجدار الجنوب العربي, أي تحوَّصْل جهوَّياً أو جغرافياً, لكنه لم يكن أميناً مع هذا التحوَّصْل, لا بل راح يبحث عن نقاء دم, ويفتش في الجينات عن من هو هذا الجنوبي, فأخذ يقصي الناس فيه ويفتتهم على طريقة النظام الاستبدادي وإن كان أبشع وأنكى فليس هناك أصول وفروع, بل أصل واحد ما عداه ليسوا حتى فروع. ولم يدرك هذا الفريق أن نظرة كهذه في هذا الزمن تعد ارتكاس ونكوص وارتداد إلى عصور سحيقة.
أما محاولة البحث عن هوّية جديدة هو محاولة للهروب من هوّية " الهوّية اليمنية" عاث فيها المنتصر فساداً, فلقد بات اليمني مشبوهاً مطارداً , لقد مارس المنتصر وبالتواطؤ مع الشقيقة على تنفيذ سياسات أضرت بسمعة البلد, لقد كانت النخبة السياسية تمارس الاسترزاق والمتاجرة بكل شيء وأي شيء حتى ولو على حساب مستقبل البلد وسمعته, لا يهم , لقد تحول المشروع الجهادي وبالاً على البلد والناس فيه, وعوضاً عن حل هذا الإشكال ضمن مشروع وطني عام لإعادة تأهيل هؤلاء البشر, تم استثماره واللعب عليه في سبيل إثراء البعض وارتزاقهم واستخدامه ورقة من أوراق الصراع على السلطة وإخافة العالم. وأعتقد أن ظهور مشاريع حراكية تبحث عن بدائل هوّية هي محاولة للهروب والتنصل والبحث عن هوّية معافاة, ولا يعلم هؤلاء أن الارهاب والقاعدة لا موطن ولا جغرافيا له, ناهيك عن أن بعض إن لم يكن معظم المجاهدين الأفغان كانوا ذي منشأ جنوبي وهذه واحدة البرامج والخطط غير الوطنية ولا حتى تحمل قيم واخلاق دينية شريفة!! ولهذا تنقية الهوّية لا يتم عبر مشاريع إنكارية للهوّية الأم, بل عبر مشروع وطني حتى وإن تم تحت سقف دولة منفصلة, لأن الهوّية لا تُطلب وإنما تتشكل بفعل عوامل ثقافية عديدة.
الحلول والاستخلاصات
دعوني أنطلق من حل ورد في مقالة الزميل طاهر شمسان مع بعض التعديل حيث قال أن أي انفصال أمن " يجب أن يمر من بوابة الوحدة بعد أن يثبت بالدليل القاطع المانع أن نخب الشمال مازالت ترفض فكرة الدولة.. والسياسة تحتم على الجنوبيين أن يتوحدوا تحت شعار "الوحدة مقابل الدولة".. وعليهم أن يترجموا هذا الشعار إلى مشروع سياسي مكتوب ويقولوا: أقبل يا شمال بدولة مدنية حديثة لكل اليمنيين كي تستمر الوحدة.. مالم فلنتفاوض على فك الارتباط وديا على النحو الذي يحفظ المصالح المشروعة للشماليين في الجنوب وللجنوبيين في الشمال ويرحل الوحدة للمستقبل " (طاهر شمسان).
وأعتقد إنه حل واقعي لكنه ينبغي الإقرار أن ما هو قائم ليس وحدة وإن الصيغة التي تمت بها ليست الصيغة المُثلى للوحدة ولا الصيغة الوحيدة, وأن هناك صيغ أخرى للوحدة ينبغي التفكير فيها سواءً كانت فيدرالية أو كونفيدرالية أو ذات حكم محلي واسع الصلاحيات , ويتم التفاوض والقبول ببحث الصيغة المناسبة لها على أساس من الدراسات العلمية , ويظل أساس إقامة هذا الشكل أو ذاك من الصيغ الحكم, الإقرار بإقامة دولة مدنية دولة مواطنة.
وفي حال رفض الشمال ذلك, فإن الانفصال يصير أمراً مبرراً ومشروعاً .
استاذ فلسفة العلوم ومناهج البحث ، قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة عدن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.