انعكست حالة التجاذب السياسي بين القوى المصرية المختلفة على اتجاهات تصويت الناخبين في الجولة الأولى من الاستفتاء على مشروع الدستور، فيما ينتظر أن يتواصل هذا الانعكاس على الجولة الثانية والأخيرة من الاقتراع المقررة يوم السبت المقبل . هذا الانعكاس ظهر في الأحاديث التي استبقت دقائق التصويت، وقبل الدخول إلى مراكز الاقتراع، عندما اصطف الناخبون في أحاديث حول مسودة الدستور، وما إذا كانوا سيصوتون بنعم أو لا، للدرجة التي جعلت بعضهم يؤكد للآخر أنه لم يحسم أمره بعد، وقد يحسمه وبطاقة الاقتراع بين يديه . هذه الأجواء، أرجعها الناخبون أنفسهم إلى أنهم استقوا معلوماتهم إما من أحاديث فضائية لممثلي قوى سياسية مختلفة، أو من خلال مسودات سابقة للدستور، قبل إعلان النسخة النهائية ما أوقعهم في حيرة بين الموافقة أو الرفض لمشروع الدستور، فضلاً عن مخاوفهم من النتائج العكسية لتأييد أو رفض هذه المسودة، للدرجة التي جعلتهم يؤكدون لبعضهم أنهم يحبسون أنفاسهم ليس فقط لنتائج المرحلة الأولى، ولكن لنتائج التصويت على الاستفتاء بجولتيه . والمؤكد أن حالة التباين السياسي وانعكاساته على الأرض باشتباكات المؤيدين والمعارضين لمشروع الدستور، كانت سبباً في تشتت وحيرة الناخبين، وهم يصطفون في طوابير الانتظار للإدلاء بأصواتهم فمنهم من كان يرى أن "نعم" ستؤدي إلى تحقيق الاستقرار وإعادة بناء مؤسسات الدولة، غير أنه سرعان ما يتذكر أن "نعم" للتعديلات الدستورية التي جرت خلال شهر مارس/ آذار من العام الماضي، لم تحقق له الاستقرار الذي كان يتم الحديث عنه وقتها، ليعيد توجيه بوصلته للتصويت ب"لا" فيتذكر أنها يمكن أن تعوق مسار المرحلة الانتقالية وتزيد من سخونة الاشتباكات التي تشهدها بعض المحافظات منذ أكثر من ثلاثة أسابيع . اتجاهات الناخبين هذه جاءت تحليلاً لما يوصف في مصر بالأغلبية الصامتة، والتي تعول عليها القوى السياسية المختلفة، وهم من غير التوجهات الفكرية، التي تعد الرهان الأبرز الذي يتم التعويل عليه لحسم جدلية الصندوق الانتخابي، للدرجة التي جعلت المراقبين يرون صعوبة حسم نتيجة الاستفتاء وفق مؤشراته التي ظهر عليها طوال يوم أمس، استناداً إلى الحيرة التي صارت عليها هذه الأغلبية، على خلاف الأخرى المؤيدة أو المعارضة التي خرجت وهي تتوجه إلى صناديق الاقتراع، وقد حسمت قرارها، ولم يكن لديها فائض وقت للتفكير في العدول عن رأيها سواء بالموافقة أو الرفض . لذلك ينظر إلى أهمية نتائج الجولة الأولى من الاستفتاء، أمس، ليقاس عليها اتجاهات الأخيرة منه، خاصة أن الناخبين في المرحلة الأولى تكاد تتوازن أعدادهم في كتلتهم التصويتية مع الناخبين في الثانية، غير أن الاتجاه الانتخابي للأولى يمكن أن يكون دافعاً لذات الاتجاه يوم السبت المقبل، ومقياساً يمكن بموجبه قراءة نتيجة الاستفتاء حتى قبل أن تحل جولته الأخيرة .