لعل الانهيار الكبير للقاعدة في معاقلها وأماكن تحصيناتها وما اعتبرتها ملاذات آمنة ومنطلقات استراتيجية لنشاطها في بقية دول الجزيرة كان نتاجاً للثقة الزائدة من أنها أصبحت في مأمن عن الدولة الغائبة في الفترة الماضية، ولذا فقد ظهرت لأول مرة للعلن وشرعت ترسي كياناً بديلاً متكاملاً للنظام في صنعاء بما في ذلك قوام قوتها، ومخالبها واذرعها العسكرية.. وهذا مما ساعد وحدات الجيش والأمن على مواجهتها عياناً وتطويقها مكاناً. بخلاف معارك الدولة سابقا والتي كانت تتبع فلول عصابات في الوديان و الجبال والآكام.. كما ساعدت على ذلك يقظة مواطني تلك المناطق والذين هبوا لنجدة جيشنا الباسل بقيادته الشجاعة والحكيمة. إن التقييمات والاستخلاصات التي تجمعت لأول وهلة فضلاً عن الوثائق التي خلفتها القاعدة إثر انهيار تحصيناتها وملاذاتها لتؤكد بما لا يقبل قطعياً ما كان يتردد أنها بعد أن كانت هِبَة الراعي الوحيد الذي تأتمر بأمره، إذ هي في السنوات الأخيرة هِبَة بنفسها، يأتمر الرعاة والحلفاء القدماء والجدد أن الكُثُر من السياسيين ومن في السلطة يأتمرون بأمرها، ويحرصون على تنفيذ إشاراتها ويفتحون لها المدارس والكليات والمعاهد والجامعات، فضلاً عن خلق المناسبات وإشهار رجالها وفرسانها، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات تتعلق بأماكن تواجدها وميادين صولاتها وجولاتها وأنشطتها على مستوى البلاد.. بما في ذلك مواقع المسؤولية. بعد أن اشتد عودها وقويت شوكتها وسُّلمت لها مخازن السلاح والمواقع والجمل بما حمل.. أصبح الكثير يخطب ودها عندما دخلت في تحالفات داخلية وخارجية. وبالطبع فإن لكل منهم هدفه ومقصده.. لكن ما يجمعهم على اختلافهم هو الوصول إلى السُدة.. أو الانفراد بالكعكة!! ولهذا فقد هبوا إلى نصرة القاعدة خوفاً عليها من الانهيار الكامل وذلك بتجييشهم للقوى التقليدية في محاولة مستميتة لتخفيف الضغط الكائن عليها من قبل الجيش والأمن، خوفاً عليها وتجنيبا للانهيارات المتتالية التي تحيق بالقاعدة في كل تحصيناتها وملاذاتها.. ولإرباك النظام العام في صنعاء بما في ذلك الهدف التكتيكي المتضمن الهروب من تنفيذ استحقاقات مخرجات الحوار الوطني الشامل، فضلاً عن محاولة قلب الطاولة وخلط الأوراق على أمل حلم العودة إلى المربع الأول.. بما في ذلك عدم السماح أن يخرج الرئيس هادي من هذه المعركة المصيرية ناجحاً، وأن يكون في وضع الصدارة والقيادة.. والتي ستكون أولى مهماته إن تم له ذلك أن لا يبقي البلاد والعباد رهينة رغبات ذاتية أو مختطفة من قلة تسعى لتحقيق مصالحها الضيقة على حساب الشعب الذي انتخبه ووثق فيه وخرج مصوتاً له بنسبة فاقت كل التوقعات. وعموما فحجم الأسلحة والعتاد والمخازن والأنفاق التي قادت إلى مصانع الأسلحة لسيارات مفخخة وأحزمة ناسفة والتي تكشفت بشكل كبير عقب تهاوي معاقل وتحصينات تلك الجماعات الإرهابية الظلامية أمام اكتساح وحدات الجيش والأمن وتساقط إماراتها..!!، لم تكن مفاجِئة للكثير من المتابعين.. منذ قررت القاعدة أن تتخذ اليمن مقراً لها، ومرتكزاً لنشاطها وانطلاقتها إلى بقية دول الجزيرة والعالم عندما أعلن على الملأ فصيلاها اليمني والسعودي قبيل حلول الربيع العربي وثورة الشباب.. بتوحيد نشاط القاعدة واتخاذ اليمن منطلقا لها..!! ولكن الشيء المفاجئ وغير القابل للتفسير هو ذلك السكوت المطبق إزاء نمو وتوسع نشاط القاعدة منذ ذلك الحين، سواء على مستوى حكومة بلادنا أو حكومات الدول الخليجية.. ربما أن الكثير كان يعتقد أنها جزء من ملهاة وتحايل من القيادة السابقة للحصول على السلاح والمال الغربي والدعم الأمريكي على وجه الخصوص.. أو بسبب انشغال دول المنطقة بمواجهة ثورات الشباب بحلول الربيع العربي. غير أن المستجدات والتطورات التي حدثت مؤخراً أوضحت بما لا يقبل الشك أن مسألة القاعدة إنما هي لعبة كبيرة تمتد لها أذرع طويلة نافذة تقدم لها الرعاية وتتبادل معها في المصالح المشتركة، وأن هناك رعاة محليين وإقليميين في السلطة وخارجها ضالعون عضوياً كمسألة حياة وسلطة ومال..! وإذا لم تتكاتف دول الإقليم مع القيادة اليمنية الجديدة فإن أي حرب على القاعدة لن يكون حاسماً نهائياً بقدر دخولها في تحديات ومواجهات قد تمتد وقتاً طويلاً وقد تتضخم خارج نفوذ الدولة لتنشط عبر الحدود اليمنية كما هو هدفها المنشود على كل حال، باعتبار أن الثروة في آخر المطاف هي بيت القصيد ولو بالابتزاز ومقايضة السلام مقابل المال.. وكله في فتاواها حلال.. عند ذلك الوقت سنشهد تغريدات مغايرة للشيخ خلفان حول تفسيره لأسباب عدم الاستقرار في اليمن والتي عزاها إلى أن الله سبحانه وتعالى قد تقبل دعاء أهل اليمن عندما طلبوا بأن يباعد بين أسفارهم.