على أبناء تعز المسكونين بحلم الدولة المدنية أن يبدأوا بتدشين مهرجانات احتفاء، وأن يخرجوا عن بكرة أبيهم إلى شوارعها غير الآمنة مبتهجين, فإعلان وزارة الداخلية عن تربُّع تعز على عرش المدن المنفلتة واستحواذها على أعلى معدلات جرائم القتل خلال العام الماضي ليس بالأمر الهيّن كما يؤكد نشطاء منظمات المجتمع المدني, ولا شيء سوى الخذلان من يدفع هؤلاء النشطاء إلى توسيع نطاق الفشل. تقول وزارة الداخلية إن الجهات المختصة في تعز قامت بمهمتها على أكمل وجه خلال العام الماضي، ورصدت وقوع 180 جريمة قتل عمدي كانت هي الإحصائية الأعلى من 1190 جريمة تم رصدها في معظم مدن البلاد, غير أن الوزارة ربما لم تدرك حتى الآن أن العصابات المسلحة مازالت تعشعش في معظم شوارع المدينة وأسواقها، وأن السحب التي تمطرها بالموت بشكل شبه يومي مازالت تخبّئ في جوفها الكثير.
ظهر يوم أمس الأول تحوّل سوق عصيفرة المركزي المكتظ بأجساد المئات من مرتاديه إلى مسرح دامٍ، حيث أمطرته عصابات مسلحة بوابل من الرصاص عقب خلافات شخصية - بحسب ما أكده مصدر أمني - تطوّرت إلى مواجهات مسلحة خلّفت خمسة جرحى بينهم فتاة.
يؤكد الكثيرون من البائعين أن أسواق المدينة أصبحت غير آمنة، وأنهم يفكّرون في مغادرتها إلى أن تلتفت إليهم الجهات المختصة وتخلّصهم من العصابات المسلحة, ويشير أولئك الباعة إلى أن الأسواق تشهد بشكل شبه يومي مواجهات مسلحة؛ وغالباً ما تخلّف ضحايا أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل بالإضافة إلى ما تمارسه العصابات من عمليات ابتزاز أحياناً تفقدهم كل الأموال والبضائع حسب قولهم.
أسواق تعز ليست وحدها المسكونة بالرعب والموت، فالعصابات المسلحة تتخذ الكثير من أحيائها وشوارعها مأوى كلما أفسح لها المجال وغاب رجال الأمن.
يؤكد مواطنو الحصب وحذران والمطار القديم وعصيفرة ووادي جديد والحوبان أن العصابات المسلحة سرقت من قلوبهم الطمأنينة وألقمتهم الرعب, وأن مواجهات مسلحة وتقطُّعات هو كل ما يأنسوا به بشكل شبه يومي, وأشاروا إلى أن كل محاولاتهم في استجداء الجهات المعنية باءت بالفشل.
يبدو أن قيادة السلطة المحلية لا تأبه لكل هذا الخراب الذي يسكن المدينة الحالمة، وبحسب الكثيرين من النشطاء فإن مشاهد الموت التي تتكرر كل يوم وتدفع بتعز إلى أعلى القائمة في ارتكاب القتل ليست بعيدة عن أعينهم، وتساءلوا: هل ستدفع تعز مزيداً من الدماء ضريبة لحلمها, أم أن أعين الجهات المعنية مازالت تحملق في الضياع؟!.
قبل أيام قامت الأجهزة الأمنية بمحاولات لضبط الانفلات الأمني وضبط المسلحين؛ غير أنها عادت أدراجها قبل أن يشعر المواطنون بأثر تلك المحاولات على الأرض، ويؤكد مصدر أمني في المحافظة أن قلة الإمكانات لم تسعفهم لاستكمال المهمة.
ويعزّز ذلك ما كشفه مدير أمن المحافظة الحالي العميد محمد صالح الشاعري عن ضياع قوة كبيرة من أمن المحافظة ولم يعد لها أثر, وقال في حوار نشرته صحيفة «26 سبتمبر»: أنا جئت إلى أمن محافظة تعز وأفاجأ أن هناك عُهداً منذ تم تأسيس الأمن لم يتم إخلاؤها، يتغيّر المدير ويشل بيده ما يشل ما أحد يحاسبه!.
وضرب مثلاً: أنا تفاجأت، القوة في تعز 60 طقماً والموجودة 5 أطقم، كذلك قوة بشرية قوامها 5500 غير موجودين, وتساءل: أين ذهبوا؟! ولا أحد يجيب!!.