بعد عامين ونصف من جريان سيول الأزمة تذكر أحدهم أنه بحاجة إلى تسجيل موقف وإعلان اصطفاف مع أحد الجمعين, مائلاً إلى حيث مالت الريح أو هكذا حسم أمره وقراره أخيرا. يعتقد مروان الخالد أنه فعل شيئا يحسب له في طاولة قمار سادة المرحلة الجديدة. أسوأ وأرخص البطولات الفقاعية هي التي تجيء عن بذل باهض ونزال غير محترم بأسلحة غير محترمة. الشتائم والسباب وقاذورات الكلام الرديء لا تصنع بطلا على كل حال. صارت موضة... لنيل رضا الأشياخ واستلفاتهم: امتدحهم ولو من طريق مهاجمة صالح وأقاربه. مروان لم يهاجم حتى... وزع شتائم وكلمات نابية من قبيل نعت الناس وأنصار صالح بأوصاف غير التي خلقهم الله عليها, وليس غريبا أن يلجأ الخالد إلى "الكلاب" ليصف بها طائفة من البشر. فقبله فعل بعضهم ورفعها يافطة في الحصبة. وشبه الشيئ منجذب إليه, كما يقال. فلا غرابة.
كتب الأستاذ فيصل الصوفي قبل بضعة اسابيع عن "أخلاق سائسي الكلاب". تعليقا على يافطة الحصبة. يجدر أن نحفظ المصطلح جيدا فعلى ما يبدو أن الأعداد تتزايد كل يوم. وسنحتاج إليه بصفة مستمرة.
اصطنع مروان مناسبة لتسجيل موقف متأخر كثيرا. كان يكفيه أن يرفع "حيا بهم حيا بهم" كسابقيه. أو أن يشيد بقادة وحماة الثورة ومشايخها الرعاة. أي شيء من هذا كان سيكفيه مشقة الانتكاسة الأدبية والخوض في غمار منتن وادعاء ما ليس له من تحجير وتحقير واستهزاء بمواقف ومشاعر الناس وعواطفهم.
مروان يبني مقاربته الصبيانية على التمسح بالشيخ صادق والمستشار محسن. يكشف مذيع النشرات, مثلاً أن من حق صادق ومحسن أن يحصلا من الرئيس هادي على آلاف الحراس من جنود الدولة. أما لماذا؟ فلأنهما برأيه "لا يزالان في الحكم والسلطة"!
لكن المذيع المتأنق يفسد على نفسه وسامعيه المتعة وينسى أن يخبرهم عن الموقغ الرسمي الذي يشغله صادق الأحمر في السلطة والحكم؟؟ نعم هو يحكم بطريقة أو بأخرى لكن لا صفة رسمية له كالتي منحه إياها تكرما مذيع النشرات الأنيق. حسنا, الخالد وهو ينظِّر للدولة المدنية بإقرار حق الشيخ في تملك جنود الدولة كمرافقين وعكفة. قال إن صادق رجل سلطة وحكم وأن هذا الحق من لوازم وظيفته ومنصبه. مروان وحده, وبخبرة مراسل قناة أمريكية وأعمال إعلامية أخرى, يدافع عن امتيازات وحقوق موقع الشيخ في الحكم ووظيفته الرسمية في السلطة.
وليس مهما حتى, أن الشيخ صادق نفسه لا يعرف موقعه ووظيفته الرسمية في الهيكل الإداري والقيادي لمسئولي الدولة ومؤسسة الحكم. مروان أدرى من الشيخ. أليس مذيعا ومراسلا؟ إذا لا بد وأن لديه مصادر خاصة يتكتم عليها وليس للشيخ أن يعرفها أو أن يعرف ما هي صفته الرسمية في رأس ورئاسة الدولة!!
في المقابل مروان يشغب ويصرخ منددا ومستنكرا أن يكون لعلي عبدالله الصالح, الرئيس السابق ورئيس حزب شريك في الحكم والحكومة ورئيس الرئيس في الحزب, أنصارا ومحبين يعرضون خدماتهم طوعا كأفراد حراسة عوضا عن الذين خصمهم هادي من حراسة الرئيس السابق. يجد نفسه (مروان) خصما وعدوا لدودا حد الفجور في الخصومة لهؤلاء. لماذا؟ لا أحد يعرف. لكن ربما لديه نظرية لم يكشفها بعد أو أنها تختمر في الأثناء.
يتقيأ الأنيق الذي فقد أناقته ولياقته حد التبذل, فيشغب تجاه هؤلاء.. ويصف "كلاب حراسة"؟؟!! إذا لم يكن أحد قد أخبره يوما بأن البذاءة والسفاهة "عيب" فإن الأسوأ عليه هو أن يجد من يروج لهكذا رداءة وكأنها آية في الشجاعة والبطولة. دائما يجب أن نتذكر أرخص أنواع البطولات وأكثرها انهزاما.
ليس احد في صدد دفاع عن صالح. مروان هذا ليس أهلا لأن يُخاض معه جدل يكون صالح هو موضوعه ومادته. ثم إن أعوام ثلاثة تقريبا من الأزمة والتحريض والتحشيد والعداء والتثوير العارم والشامل ضد صالح قد أفهمت من يكون وكم يكون. جاء الخالد متأخرا جدا وقض انفض السوق. وحتى هنا وهو يتوخى تصدير أو تصوير موقف يلحقه بالحماة البغاة الرعاة الولاة الفتات الجباة, صدر وصور قرفا لا موقف فيه. إلا إذا كانت الشتائم وما يسميه الأستاذ فيصل الصوفي "أخلاق سائسي الكلاب" سوف يعتبرها البعض "موقفا", فهذا رأي شاذ ولا يقره العقلاء من قومنا.
في السياق أيضا يتصدى الخالد لسرد رواية من مكنوز ذاكرته الخاصة عن لقاء عابر جمعه بنجل صالح - السفير أحمد- قبل أشهر في مقيل عابر وأنه سأل سؤالا فأجابه ومن هناك انفتحت أمام المذيع ابواب المعارف والكشوفات فكون حكما وتقييما شاملا للرجل, واهتدى من ذلك إلى نظريته الخاصة التي تقول إن أحمد علي لا يعجبه, كما يعجبه شيخ الحصبة مثلا. ويسترسل إلى أن قائد قوات الحرس الجمهوري والخاصة- يومها- ليست لديه "خبرة".
اين كان مروان خلال العامين الفارطين من الأزمة وقد شهدت محكا صعبا امتحن قدرات الرجال وخبرات القادة والفارق بين القيادة والتهور.. بين الشجاعة والتهور.. بين الهدرة والخبرة؟ وما هي الخبرة والمؤهل الذي يقيسه وعليه مروان؟؟
على ذكر الخبرة والمؤهل أتذكر أن أحدهم همس ناصحا لمروان في موضع ما من فيسبوك: "لمصلحتك دع حكاية "المؤهلات" جانباً."! وفي صدد حديثه يذكر مروان اشياء عن "الذكاء والقدرات". هو تصرف بقوله كمحلل نفسي ومن سؤال وجواب عرف وقيم وشخص القائد – يومها- واستخلص مقياسا للذكاء. هو مثلا لا يرى أحمد ذكيا, بقدر الشيخ الذي راق لمروان ذكاؤه وقدراته ومؤهلاته!
على كل حال لا أحد يشكك في رواية مروان عن مقيله العابر. إنما الرواية نفسها لا تقول أكثر من أنها مشكوك فيها جملة واحدة.
وعلى افتراض صحة المقابلة العابرة من يكون مروان في الخبرة العسكرية إلى جانب قائد عسكري متمرس ومجرب ومشهود له بالتخصص والمهنية؟ ليس في خلاصة ما جاء به مروان سوى خلاصة يتيمة وناصعة مفادها: "هيا بنا نمتطي الثورة" ولو متأخرا بعض الشيء.
** (أحمقُ الحمقِ أن تصيرَ الكراها .... تُ تُراثاً, أو يستَحِلنَ عَقائد) - عبدالله البردوني