هناك من ليس مع العدوان، ولكنه يساوي بينه وبين "الميليشيات الحوثية" وكأنه طرف محايد، كما يحاول أن يُفهم نفسه، خذوا القضية بجدية فهي لا تحتمل المناكفات السياسية، والسؤال اليوم ليس من أوصلنا لهذه النقطة، السؤال: ماذا بعد؟ ويجب أن نحدد أين سنقف بهذه اللحظة التاريخية الفارقة.. أتفق معكم أن "سُلطة الميليشيات" كما تسمونها أنتم و"سلطة اللجان الثورية" كما أسميها أنا، مرفوض بقاؤها إلى الأبد، ونحتاج إلى سُلطة توافقية جديدة وانتخابية في ما بعد حسب مخرجات الحوار. ولكن أين يجب أن نقف اليوم؟ طبيعة هذا العدوان هي من تحدد أين يجب أن نقف؛ العدوان ليس على ميليشيات خصم سياسي، بل على مُقدرات الجيش اليمني ككل. إن كان الجيش غير مؤسسي كما ينبغي وكان له ولاءات غير دستورية، ولكننا بنفس الوقت نؤمن بأن مُقدراته العسكرية، بنيته التحتية، مطاراته، كلياته، وسلاحه وذخيرته.... إلخ هي ملك الشعب اليمني لا ملك شخص (صالح أو الحوثي) أو أياً كان من يُسيطر عليها. جنود هذا الجيش بكل مساوئه هم يمنيون، من الطبقة الشعبية، يستلمون أجورهم من الدولة، وليسوا مرتزقة مع أحد، والحل هو إصلاح جهاز الجيش تنظيمياً، مؤسسياً وعقائدياً وطنياً، كما جاء في مخرجات الحوار وليس تدميره. فهذا العدوان يستهدف بنية الجيش ومقدراته، كما اُستهدف الجيش العراقي والليبي والسوري والجزائري من قبل، فالعدوان لم يأتِ رداً على تحركات الحوثيين كما فهم البعض، أو لإنقاذ الشعب اليمني و"شرعية هادي".. كانت هذه ذريعة، لتنفيذ مشروع أمريكي مُعد مُسبقاً، وهو تدمير كل الدول التي تسليحها روسي وكانت جمهورية ومستقلة، والنماذج ماثلة أمامنا. والهدف الثاني إعادة اليمن للحظيرة السعودية بعد أن تحررت منها، وبعد أن عجزت أدوات السعودية في الداخل عن إعادة اليمن للهيمنة السعودية الذي دام منذ اغتيال الرئيس الحمدي. اليوم يحتم علينا أن نقف بجانب هذه الميليشيات، التي نرفضها داخلياً، ما دامت مع الجيش اليمني ضد العدوان الخارجي المباشر وألَّا نرى في العدوان شيئاً يخدمهم ويرمم صورته كما يفكر البعض، يجب أن نتعامل بالمنظور لا بالنوايا، والوقوف ضدها يجعلنا بصف العدوان وإن كنا غير مُرحبين به، لنؤجل الخلافات الداخلية لوقت آخر ولو وصلت لحد الاقتتال في ما بيننا، فالتناقض الرئيسي اليوم مع عدوان خارجي ماثل يستهدف البنية التحتية المدنية والعسكرية، والخلاف مع الميليشيات لأجل مدنية الدولة هو خلاف ثانوي، فالدولة اليوم ككلّ يعتدى عليها؛ العدوان مستمر ولا يحتمل منا أن ننتظر الدولة المرسومة في مخرجات الحوار لتدافع عن نفسها، الشيء القليل من مؤسسات الدولة الموجودة حالياً يجب أن ندافع به، وأن نُدافع عنه. من يُشكك بوطنية أنصار الله ويعتقد بحلفهم مع صالح جريمة، فهل من المعقول أن يتخلى عن وطنيته ويقبل العدوان الخليجي الأمريكي، لأن هناك طرفاً غير وطني يدين هذا العدوان كما يفترض! وحتى إن لم يناهض أنصار الله العدوان؛ فيجب أن نكون نحن وطنيين ونقاومه.. اليوم كل وطني يجب أن يعرف أن عدوه الرئيسي هو الحلف العدواني السعودي الأمريكي، وأن الصراع الرئيسي معه لا مع شقيقه في الوطن، وأن خلافه مع خصمه الداخلي إن كان وصلياً فلا يجب أن يصل إلى الاستعانة بالخارج، بل يجب أن يؤجل حتى وقت آخر، وأنه من غير المعقول الوقوف ضد الميليشيات والعدوان الخارجي بوقت واحد وبمسيراتٍ سلمية والطائرات تقصف، أي قوة في اليمن تستطيع أن تهزم هذه الحركة لهدف وطني وترد العدوان الخارجي بنفس الوقت، إنه الواقع فلمَ نقفز عليه نظرياً.. ومن النذالة التخلي اليوم عن الوطن والقضية الوطنية في المقاومة لأجل الحقد والتعصب لقضايا داخلية، ما دامت وطنية يُمكن أن تُحل بالسلم والحوار.