اليوم، ومن مفارقات الأقدار التي نؤمن بخيرها وشرها، يتجمع شذاذ ا?فاق، ممن طالتهم لعنة (ارحل) فرحلوا جميعاً، غير مأسوف عليهم، بعد أن لفظهم وطن الإيمان والحكمة، و(كنسهم) إلى مزبلة التاريخ، من كل حدب وصوب على صعيد واحد في عاصمة (العسيري)، أولئك الذين كانوا بالأمس القريب ينعقون وينبحون ضد النظام الحاكم السابق في (الشقيقة) الكبرى، متباكين نائحين بصدورهم (العارية) وعقولهم المبرمجة في كل وقت وحين، بحسب (الدفع المسبق) على الفروض الشرعية (الحدودية) الخمسة المهدرة (بزعمهم) آنذاك عن طريق (عفاش) حينما تم التوقيع على تجديد معاهدة الحدود مع (الجارة) الكبرى. اليوم، ووفقاً للمصالح الشخصية والمطامع والأهواء تتحرك وتتجمع تلك الطفيليات وتعيد تموضعها مجدداً، فتتحلق حول (الشقيقة) وهي أحد أنواع الصداع المزمن الذي بات من المحتم استئصاله عاجلاً أم آجلاً، خصوصاً وقد صارت تلك (الجارة) تجور اليوم بظلم مبين بنسف كل أواصر القربى وعلاقات حسن الجوار المنصوص عليها في المعاهدات المبرمة بين البلدين (الجارين)، والتي صارت هباءً منثوراً تحت أقدام ونعال اليمانيين، إذ لم يعد لتلك المعاهدات اليوم أي مشروعية قانونية أو سياسية على الإطلاق بفعل ذلك التحالف العشري الذي تتزعمه (الجارة) و(الشقيقة الكبرى) بالعدوان الأسطوري الغاشم. أولئك المتعامون من فاقدي البصيرة والبصر بفعل تذوقهم لحلاوة دولارات وريالات سادتهم المقذوفة إليهم من نعالهم، مكافأة لهم على خيانتهم وعمالتهم وارتهانهم المطلق دون قيد أو شرط لإرادتهم، يعتقدون اليوم وهم مازالوا في غيهم يعمهون أنه قد آن أوان عودتهم لوطن باعوه بثمن بخسٍ ودراهم معدوداتٍ، وجعلوه بضاعةً رخيصةً تتكالب عليها النفوس الطامحة لتدنيس تربتها الطاهرة لتحقيق مآرب شتى ومطامع متباينة.. وطن كان يوماً ما مسقطاً لرؤوسهم يوم كانوا رُضَّعاً، بلا حول لهم ولا قوة، وقد شاءت الأقدار أن تتسرب إلى رئاتهم لأول مرة عند لحظة ميلادهم نسائم هواء عليل ما له مثيل، ليس فقط في كوكب الأرض بل وفي كل ما خلق الله في العالمين، أولئك (الراحلون) (الملفوظون) (الملوثون) (الواهمون) هيهات لهم أن يحلموا مجرد الحلم بإمكانية تدنيسهم مجدداً لتربة وطنهم المقدسة، مهما تعاظم وتعالى فحيحهم وغثاؤهم ونعيقهم، فلم يعد لهم فيه موضع قدم، ولا حتى في أحلامهم في يقظتهم أو في منامهم، حتى لو أنهم اقتلعوا جلودهم واستبدلوا أقنعتهم وتطهروا ملايين المرات وليس فقط سبع مرات إحداها بالتراب، فسيظل الخزي والعار يجللهم، وستظل لعنات التاريخ تطاردهم أينما حلوا أو (رحلوا(. وإذا كان ذلك شأن الملفوظين المشمولين بلعنة (ارحل)، فإن الدور آت لا محالة لأشباه الرجال ممن لا يزال (الوطن) يئن تحت وطأة وجودهم تحت سمائه، أولئك الطاعمون المرتوون من خيراته، المستمتعون بنعمة التنفس داخل فضاءاته، لكنهم أكثر إيلاماً وغدراً من أولئك المتحالفين ا?ثمين الحالمين بنهش لحم (الوطن) دون هوادة أو ذرة من حياء، الراجين استباحة أرضه وعرضه وكل مقدساته، المتجردين من آدميتهم وحيوانيتهم على حد سواء، النازعين لأوراق التوت عن سوءاتهم لتبدو عوراتهم واضحة جلية لكل الناظرين بقلوبهم قبل أعينهم. أولئك المشرعنون المؤيدون المهللون المكبرون بكرةً وأصيلاً، أولئك الساقطون أخلاقياً وسياسياً ودينياً ومجتمعياً، المتسعة ذممهم وضمائرهم بلا رادع ولا زاجر، ممن لا يتقون الله و? يخشون نقمته ولا غضبه، ولا يتدبرون ولا يتفكرون وليسوا أصلاً من أولي الألباب، فهم كالأنعام بل أضلُّ سبيلاً، أولئك المستنفرون لإصدار الفتاوى الدينية والبيانات السياسية المرحبة المستبشرة خيراً عميماً باستمرار ضرب فلذات أكبادهم وتحويل أجسادهم الطاهرة إلى أشلاء وتمزيقها شر ممزق، لعلهم بذلك يصفون حساباتهم الشخصية، ويتمكنون من الأخذ بثاراتهم، وينتصرون لأنفسهم من بعض أبناء جلدتهم، ممن عجزوا عن التصدي لهم بأنفسهم، واستحال عليهم مجابهتهم والتصدي لهم بأيديهم، وجهاً لوجه، رغم ما يمتلكون من إمكانيات وعدة وعتاد، وبرغم كل ما أنعم به الشيطان عليهم من آيات المكر والخبث والدهاء والخديعة. وها هم اليوم كما هو حالهم بالأمس، وكما سيكون حالهم في الغد، ثابتون على تلونهم وتبدل لسان حالهم وفق مقتضيات مصالحهم وأهوائهم، يدعمون ويؤازرون ويناصرون أعداء الأمس، الذين كانوا في ما مضى يصورونهم بأنهم الشر المستطير والخطر المحدق بالأمتين العربية والإسلامية، وبأن بعضهم كان انقلابياً مغتصباً للسلطة فاقداً لمشروعية التربع على كرسي الحكم، فصاروا اليوم مسبِّحين بحمدهم، سائرين في ركابهم، حامدين لهم وشاكرين قُبح صنيعهم في وطنهم، راجين إياهم ومناشدين استمرارهم في عدوانهم وطغيانهم ووحشيتهم في انتهاك كل المحرمات والمقدسات لديهم، طالما أن ذلك وفق رؤاهم المريضة سوف يفضي في نهاية الأمر لتحقيق نصرهم الشخصي، ولهم في بني عمومتهم القدامى من يهود (بني قينقاع) و(بني النظير) و(بني قريضة)، وكذا المعاصرين منهم على شاكلة (بنيامين نتينياهو وشيمون بيريز وايهودا باراك) المثل والقدوة المقززة. وذلك ليس بجديد على أولئك، ولا مستغرب ولا مستهجن، فهم في قرارة أنفسهم لا ينكرون ذلك ولا ينفونه ولا يتبرأون منه، بل إنهم ماهرون مبدعون في ابتكار الحجج والذرائع والمبررات التي يقنعون بها أنفسهم قبل غيرهم من قواعدهم وأنصارهم بصحة وصوابية ما يذهبون إليه من سلوكيات وأقوال، مغلفين كل ذلك بأسانيد من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مفسَّرة وفق ما يخدم توجهاتهم وطروحاتهم وفتاواهم، وحينما تستجد أمور ووقائع تكشف زيفهم وبهتانهم وتنزع الأقنعة عن قبح وبشاعة وجوههم وأفئدتهم نجدهم وبمنتهى الصلف والوقاحة ينسلُّون من فتاواهم وطروحاتهم وتوجهاتهم السابقة، كما تنسلُّ الحية من جلدها، مدافعين محتجين مجدداً بالتباس فهم الآخرين لمقاصدهم وحقيقة ما كانوا عليه.. ولعل الشواهد على ذلك قريبة ومازالت حاضرة في الأذهان، ففي عمق أزمة 2011م كانوا لا يتورَّعون في طلب العون والنصرة من اليهود والنصارى ومن والاهم، حينما يظنون أن مواقفهم باتت أقرب ما تكون إليهم، فإن تشددت تلك المواقف وصارت متباينة وعلى النقيض تماماً من مراميهم انقلبوا عليهم وأوسعوهم ذماً وشتماً وقدحاً، متسترين في الحالتين خلف تعاليم الدين الإسلامي الحنيف. أما.. وحال الوطن على ما هو عليه اليوم، فإن استمرار أولئك المعتوهين الحمقى في غيِّهم وهم يعلنون جهاراً نهاراً، ودونما أدنى مسحة من الحياء تأييدهم ومباركتهم للعدوان الوحشي الظالم على وطنهم، فهو ضرب من ضروب الخيانة العظمى التي يتحتَّم معها حل التنظيم السياسي الذي ينتمون إليه، وملاحقة كلِّ من يُجاهر بتأييده لما ورد في بيانهم (الخياني) غير المسبوق في العالمين، حتى لو حاول شوقيهم (القاضي) على كل جميل في وطنه بدم بارد، وهو أحد نوائب هذا الزمان أن يتنصَّل من البيان جملةً وتفصيلاً، مدعياً أنه لم يستطع التأكد من أحد قياداته بأنه صادر بالفعل من تنظيمه السياسي، فإن عدم نفي ذلك التنظيم عبر أي وسيلة إعلامية متاحة (وما أكثرها تلك الأبواق) صلتهم بذلك البيان (العار) المنسوب إليهم، هو أكبر دليل لل(القاضي) (شوقي) على ارتكاب تنظيمه السياسي لجريمة الخيانة العظمى التي تقتضي بالضرورة اجتثاث هذا التنظيم من جذوره، فلم يعد الوقت مناسباً للمهادنة أو التلاعب بالألفاظ.