منذ أعوام اتخذت بعض الدول "الشقيقة" إجراءات مشددة لمنع دخول اليمنيين إلى أراضيها. فقامت الشقيقة "التي يسميها البعض الجارة الكبرى بينما يفضل آخرون - من بينهم أنا وصديقي الرائع صاحب الاقتراح محمد المقبلي - تسميتها بالجارة «الكوبرا» بإنشاء جدار عازل على حدودها لمنع تسللنا إلى نعيمها!!. كما اتخذت شقيقة أخرى، أكثر تطوراً وحداثة، إجراءات صارمة لمنع دخول اليمنيين لأي سبب كان (حتى لو كان ذلك اليمني "مريش" وقال يشتي يعمل له "نفخة" لا عندهم)..كل ذلك الحجر والمنع كان بحجة أن اليمنيين يهاجرون الى تلك البلدان بغرض التسول!!. أن يتحول اليمنيين الى شعب من الشحاذين في مدن الأغراب – أقصد الأشقاء- فذلك شيء مهين لكرامتي كيمني، وقبل ذلك مهين لإنسانيتي وللإنسانية جمعاء. ولكنا لم نكن كذلك بالفعل فنحن لسنا شعب من الشحاذين، كنا فقط نبحث عن فرصة للحياة خارج هذا "الفرن" الذي كان اسمه اليمن السعيد. لم يكن قرار تلك الدولتين وغيرهما من الشقيقات بغرض مكافحة التسول بقدر ما كان خطوة أخرى في طريق "مكافحة اليمنيين" المستمر منذ زمن طويل. والذي بسببه توقفت حياة آلاف الشباب الباحثين عن ثغرة ينفذون منها الى الحياة ، وعادوا يجترون القات ،كما أحلامهم، هنا في مقايل الموت المجاني في ظل حكم نظام باع كرامته على موائد أولئك "المنتفخة كروشهم بكل نفايات العالم". نعرف أنه من حق أي دولة أن تتخذ ما تراه مناسبا لمنع دخول الآخرين إلى أراضيها ولكن ما نشير إليه هنا هو ان ذلك الإجراء كان بمثابة عقاب جماعي بحق الشعب اليمني، الذي رأى أشقاؤه الأغنياء أن وجهة المرهق البائس لم يعد مناسبا للظهور في شوارع مدنهم ومتاجرهم العملاقة، وان وجوده يذكرهم بماضيهم البائس لأنه في أغلب الأحيان لا يمتلك سوى بساطته ولغته العربية "حتى وان كانت بلكنة خليجية" وهو ما ينتقص ممن شعورهم بالمفارقة وأنهم صاروا جزءاً من العالم "الآخر" المتحضر!! مثل ذلك الموقف صدمة لمعظم اليمنيين الذين كانوا يتساءلون ببراءة بطعم المر، لماذا يذهب أشقاؤنا بعيدا لاستقدام كل أنواع العمالة. ألسنا أحق بخيراتهم من الأجانب الذين يدمرون هويتهم؟..ثم إذا كنا بهذه الدرجة من السوء فلماذا لا يساعدنا أشقاؤنا على إيجاد فرصة للعيش هنا في بلدنا بدل من أن تتبخر ملياراتهم في أزمات البورصة العالمية؟..وغيرها الكثير من التساؤلات. كم كنتم بريئين يا بني قومي..فالأمر لم يتوقف هنا لقد أستخدمت الجارة الكوبرا ، وبناتها، جزءاً من تلك الأموال، التي تمنع عنكم فتاتها، في استنبات فكرها المتخلف على أرضنا ثم أرسلت لنا "الشهري ورفاقه" ليقيموا قاعدة إرهابهم هنا على ما تبقى لنا من هياكل عظمية ،غير متماسكة، وهي الفكرة التي أيقظها النظام باعتبارها فرصة لحلب أموالهم من أجل تدعيم قوة عائلته عسكريا في مواجهة شعب منهك (لكنه قد ينتفض يوما). ومن بعدها – يا أعزائي- لم نعد متسولين فقط، صرنا كذلك إرهابيين، وأصبحنا المعنيين بمصطلح "مكافحة الإرهاب"!!، فأنضم العالم كله ل"مكافحة اليمنيين" فأغلقت الحدود والمطارات في وجوهنا. وكان آخر ما أستجد في هذا الموضوع قرار المملكة المتحدة قبل أيام بضرورة حصول اليمنيين على تأشيرة دخول حتى لمجرد التوقف في أحد مطاراتها. وبعد أن أغلق الأشقاء والأصدقاء حدودهم ومطاراتهم علينا وفي ظل وطن يحتضر..صار الجنس اليمني مهدد بالانقراض، وكان الموت الذي يباع على أرصفة الطرقات، هو الوصفة الوحيدة التي لا زال بإمكان اليمن تناولها في أي وقت.. وحده الموت بقي رءوف بحالنا حيث أتاح لنا العديد من خياراته، فتوزعنا الموت على عدة جبهات.. كان بإمكاننا الموت عطشا في متاهة صحراء ، كانت ذات يوم يمانية ولكنها بقدرة "غادر" تحولت إلى سعودية ، تقضم أجزائنا، تماما كما يفعل حاكموها. أو الموت حرقى في مكبات النفاية على الحدود على يد رجال الشرطة السعودية. أو الموت "كإرهابي" بصاروخ من طائرة أمريكية بدون طيار. أو الموت جنونياً، أو انتحاراً على ناصية طريق ترابي في بلد يحكمه "طائر الخراب". كم هي كثيرة خيارات الموت التي منحتمونا إياها أيها النبلاء..يا سادة الزمن القبيح. أشقاؤنا المترفين.. سنعترف لكم..نعم كان بيننا الكثير من المتسولين في معظم أزقة وإنعطافات وجولات شوارعنا..وأمام أبواب المساجد ومحلات الصرافة و المؤسسات العامة والخاصة..وفي معظم الأماكن. بل ونعرف أيضا أن التسول صار مهنة وسوقا رائجا له مؤسساته التي تتبع أطراف نافذة في النظام، الذي لم يكن يتورع عن المتاجرة بأي شيء يخصنا حتى آلامنا وبؤسنا..فإن كان قد وصلكم شر ذلك الفعل اللاإنساني فإننا نعتذر لكم الآن.. وانتم يا سادة النظام العالمي الجديد.. سنعترف كلم بأنه كان بيننا إرهابيين، كانوا يحسدونكم على ما تنعمون به في أوطانكم من الحرية والكرامة فأرادوا تقاسم التعاسة معكم ليصير العالم أكثر عدلا!!. كانت هذه رؤيتهم، وحين أرادوا الوصول إليكم فرشوا جثثنا - نحن الرافضون لهذا الجنون- طريقا إليكم، ولكنهم لم يصلوكم ( إلا حينما كنتم تريدون ذلك كما يردد معظم المقهورين هنا). إليكم جميعا (سادة ومستهلكين).. كان كل ذلك موجودا ولكنكم، أو على الأقل البعض منكم، تدركون أن هذا كان من صنع نظام لم يترك لنا غير ذلك.نظام عائلي، سادي، بشع انتهك كل ذرة حق لنا في الحياة، وحاول تحويلنا إلى كائنات ممسوخة الآدمية تحترف التسول والإرهاب والجنون..ويستأثر هو وحفنة من أقربائه وأزلامه بكل ما يخصنا من مقومات الحياة. ولكن ما تبقى لنا من آدمية جعلنا الآن ننتفض من اجل استعادة حقنا في الحياة، والانعتاق من كل هذا القبح الذي كان يكتم أنفاسنا.. انتفضنا من أجل أن نخلص أنفسنا، ونخلصكم ، من عبثية التسلل، والتسول ، والإرهاب. وفي سبيل ذلك قدمنا الكثير من دمائنا ومما تبقى لنا من وسائل للحياة، وفي سبيله أيضا قدمنا نموذجا فريدا لم يكن التاريخ يتخيل انه سيسطر على صفحته مثله. ولكنكم آثرتم إلا أن تبقوا هناك..حيث كان القبح تكافحون حق اليمنيين في الحياة والكرامة من خلال استمراركم في دعم ومساندة بقايا نظام على وشك الفناء. اعلموا أنكم لن تستمروا كذلك لأن الشعب عندما يريد..فلا شيء يقف في وجهه. أشقاؤنا..أصدقاؤنا لا نريدكم ان تنشئوا لأجلنا "وكالة غوث" جديدة تقدمون لنا من خلالها النفط والقمح (الذي لا يصلنا أصلا).ولكنا نطلب منكم فقط أن تعودوا الآن وتغلقون حدودكم ومطاراتكم عليكم وتتركوننا وشأننا، فنحن أدرى كيف نتدبر أمورنا..