مع ارتفاع معدلات الفقر والجوع في اليمن حسب العديد من التقارير الدولية بسبب ما تعانيه البلد من تدني حاد في النمو الاقتصادي وانتشار الفساد والاستيلاء على المال العام وغيرها من العوامل التي أدت إلى ارتفاع نسبة الفقراء وبالتالي زادت ظاهرة التسول في مختلف المحافظات اليمنية حتى أصبحت من الظواهر البارزة في الشارع اليمني، خاصة في شهر رمضان المبارك شهر الخير والبركة والعطف على الفقراء وذوي الحاجة. وتزداد هذه الظاهرة انتشاراً في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن الرئيسية.. حيث لا يخلو مسجد أو شارع إلا وفيه العشرات من المتسولين، أما الأسواق التي تشهد هذه الأيام ازدحاماً كبيراً فينتشر فيها المتسولون بالمئات، الأمر الذي يسيء لليمن وينذر بالعديد من المشكلات الاجتماعية الخطيرة. التصدق على أهلنا في غزة الزائر للعاصمة صنعاء اليوم يلاحظ انتشار المتسولين من مختلف الأعمار في الأسواق والشوارع والمساجد حيث يكاد لا يخلو مسجد إلا وهناك العشرات من المتسولين نساءً وأطفالاً وشيوخاً، حتى إن بعض مساجد العاصمة علقت على جدرانها (ممنوع التسول داخل المسجد) وذلك للمضايقة الكبيرة التي يجدها المصلون في كل أوقات الصلاة ولا شك أن الفقر الذي يعيشه معظم أبناء اليمن هو السبب الأول في ذلك .. الجمعة الماضية حضرت لصلاة الجمعة في احد مساجد العاصمة وكان الخطيب يحث المواطنين على أهمية التصدق والتبرع لإخواننا في فلسطين أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين وهم دون شك يستحقون المساعدة والعطف من جميع المسلمين في أنحاء العالم، لكن من المفارقات العجيبة عند الخروج من المسجد كانت هناك امرأة في الخمسين من العمر تقريبا تقلب أكياس القمامة جوار بوابة المسجد علها تجد ما تنتفع به أو تقوم ببيعه كالبلاستيك أو غيره قد يساعدها في توفير كسرة خبز لها ولأطفالها. الحسناوات السوريات وإضافة إلى ما يعانيه البلد من انتشار ظاهرة التسول التي تعتبر ظاهرة عالمية تتفاوت في معظم بلدان العالم ظهرت مطلع هذا العام المتسولات السوريات في مختلف شوارع العاصمة والأسواق وعند إشارات المرور ظهرت المتسولات السوريات اللاتي يتمتعن بجمال لا بأس به وأيضاً يتميزن بلبسهن الضيق والنظيف نسبيا مقارنة بالمتسولات اليمنيات حتى إن أحد الشباب قال عند مشاهدته لإحدى المتسولات (اليوم فطرنا الله يسامحكن). يشار إلى أن المتسولات السوريات ظهرن في الكثير من البلدان العربية بسبب الأحداث والخراب الكبير الجاري في الشقيقة سوريا للعام الثالث على التوالي الأمر الذي أدى بدوره إلى تعاطف الشعب اليمني كغيره من الشعوب مع إخوانه السوريين؛ لذلك تلقى المتسولات السوريات أموالا لا بأس بها جراء تعاطف الكثير من الناس مع الشعب السوري الشقيق وأيضا بسبب جمالهن وطريقتهن في استمالة تعاطف الناس مما أثار حفيظة وغيرة المتسولات اليمنيات. قطعن أرزاقنا أم عمر من محافظة الحديدة وهي متسولة في جولة الرويشان وسط العاصمة صنعاء قالت: “المتسولات السوريات قطعن أرزاقنا وانتم يا خلق الله ما تجيبوا إلا للسوريات لأنهن حاليات وبيض واحنا لنا الله “ هكذا تقول أم عمر احتراف التسول الدكتور حمود العودي أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء يرى أن ظاهرة التسول هي عبارة عن مشكلة مصطنعة وليست حقيقية لكنها مسئولية الدولة ويقول التسول أحدى إفرازات الحالة المتعلقة بالفقر وتدني المعيشة, مشيراً إلى ضرورة البحث عن الخلل الحقيقي واستئصال المرض من خلال العدالة في المجتمع والمواطنة المتساوية والحق في العيش الكريم ووجود ضمان اجتماعي لكل الناس. منوها بأن العطف على المتسول هو الطريق إلى احتراف التسول, والذي يجب التعامل معها ليس من خلال العاطفة وإنما من خلال العدل وتنظيم توزيع الزكاة والصدقات والوصول بها إلى الهدف الاستراتيجي والغاية منها لإخراج هذه الفئة من دائرة الخطر إلى دائرة الأمن والسلام، فمستقبل اليمن مرتهن بأولئك الأطفال المتسربين من المدارس إلى جولات المرور. آفة اقتصادي الأخ إبراهيم أحمد الكبسي وهو محام يقول من جهته: لا شك أن ظاهرة التسول آفة اقتصادية تهدد المجتمع اليمني؛ المتسولون اليوم في كل مكان لا نستطيع أن نحصيهم والسبب لا شك أنه بسبب البطالة التي لم تحاول الحكومات المتعاقبة معالجتها بشكل جدي أيضا الأزمة السياسية الراهنة ساهمت بشكل مباشر في زيادة انتشار ظاهرة التسول بهذا الشكل المخيف ، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار مختلف المواد الغذائية والأساسية ارتفاعاً غير طبيعي الأمر الذي ساهم من تدهور الحالة المعيشية لشريحة واسعة من المواطنين، خاصة وأن حالة المواطن المعيشية متدنية وصعبة من سابق، كذلك القصور الواضح في أداء الجمعيات الخيرية التي تعمل بشكل حزبي وليس خيري وعدم استغلال المنح المقدمة من المانحين وعجز الدولة في وضع التصورات اللازمة للارتقاء بمعيشة المواطن ، لهذا أرى من وجهة نظري أنه بقدر ما تثير هذه الظاهرة استياء واسعاً وسط المواطنين اليمنيين بشكل عام وتهدد السلم الاجتماعي، إلا أنها تعتبر ظاهرة طبيعية للحالة التي وصل الناس إليها وللأسباب التي ذكرتها والمسئولية لا شك تقع على عاتق الدولة. الحاجة من أخرجتنا للشارع المتسولون من جانبهم يرون أن الفقر والحاجة والمرض وغيرها من الأسباب المتعددة هي من دفعتهم إلى التسول . تقول إحدى المتسولات بأن لديها سبعة أطفال وزوجها مات قبل سنتين وكان عامل وأولادها جميعهم صغار السن ولا تجد بما تسد به رمقهم غير ما تلقاه من أهل الخير في المسجد. أما أم محمد فقالت: إن وظيفتها هي من دفعتها للتسول، وتقول: لا توجد عندنا جهات تهتم بنا - صح أنه معنا ضمان اجتماعي، واحنا موظفين - وتضيف: «الذين يقولون لا نشحت إيش يريدونا نموت جوع.. إذا جلسنا في بيوتنا والله ما حد يسأل عنا». وتقول: «الشابع مش داري ما عند الجاوع ما يخرجنا إلى الشارع إلا الصدق والحاجة الماسة من أجل خمسة ريالات». وقبل أيام وجدت أحد الشبان في أحد المساجد، قام بعد صلاة الظهر يشكو حالته لأهل الخير، وذلك من أجل مساعدته وإذا بشخص كان بجانبي يحلف أيماناً مغلظة بأن العديد من المتسولين كذابون وأنهم أصحاب عمارات وأراضٍ في منطقة حزيز، وقال لي بأنه يعمل في مكتب عقارات ويعرف العديد من الشحاتين الذين أصبحوا أصحاب عقارات عديدة، ومع ذلك يستمرون في عملية التسول، خاصة أن الجهات الخاصة لا تحرك ساكناً، وقال: الفقراء حقاً هم بالبيوت وليس في الشوارع وفي المساجد والجولات والأسواق. ولا ترى أم غلاب أن الشحاتة معيبة بحقها، والعيب في نظرها هو اللجوء إلى الحرام والسرقة، لكن هذا أكل حلال. تعدد الأساليب وتتعدد أساليب التسول؛ فالبعض يلجأ إلى عرض أطفاله في الشارع بأسلوب يثير الشفقة خاصة إذا كانت في الأطفال عاهات أو مرض، والبعض يلجأ إلى بيع كتب دينية أو مناديل في الجولات ولا يختلف أسلوبه في العرض عن أسلوب المتسول، فهو يلح على المشتري أن يشتريها منه كي يشتري أكله منها. فيما يقوم البعض بعرض مجموعة الأورق يقول: إنها من أحد المستشفيات وإنه يهدف من وراء التسول جمع المال لمعالجة مرض أحد أبنائه كما يلجأ البعض من المتسولين إلى توزيع قصاصات من الأوراق يشرح فيها بشكل مختصر حالته، ويعود بعد ذلك لجمعها من جديد مع بعض المساعدات المقدمة. ويقوم البعض باستخدام مكبر صوت والتجول في شوارع المدينة وأحيائها وعرض حالته. فيما يستخدم البعض أساليب كاذبة تم اكتشافها في أكثر من مرة مثل استخدام شاشات بها قطرات حمراء على أنها دماء، بحيث يظهر المتسول وكأنه معاق مستثيراً بذلك شفقة المواطنين. ومن أساليب التسول أيضاً الذهاب إلى المنازل وطلب المساعدة ومنهم من يمارسون التسول عن طريق قراءة القرآن خاصة بين المكفوفين، كما تستخدم الفتيات في التسول في الأماكن العامة، وفي أحيان يعرض البعض رجالاً ونساء وثائق موقعة من قضاة أو عدول أو عقال حارات تؤكد أن الشخص المعني يعاني الفقر ويستحق المساعدة. دراسات اجتماعية دراسة اجتماعية للباحث حمدي عبد الناصر أشارت إلى أن اتساع نطاق البطالة والفقر في اليمن وسع من دائرة المتسولين الاجتماعية، حيث أجبر الفقر موظفين عموميين على التسول. أما اهتمام الحكومة بهذه الظاهرة فقد بدأ منذ ثمانينيات القرن الماضي من خلال إنشاء مشاريع استهدفت مواجهة الظاهرة، ومن بين أبرز المشاريع التي تنفذها الحكومة اليمنية اليوم لمكافحة الظاهرة مشروع مكافحة التسول وإعادة التأهيل الذي استهدف الحد من ظاهرة التسول لدى الأطفال وتوفير الرعاية للمتسولين وإجراء الدراسات عليهم وتصنيفهم ومن ثم إعادة توزيعهم على المراكز ودور الرعاية الاجتماعية ووضع الحلول البديلة والمناسبة التي من شأنها مساعدتهم للإقلاع عن ممارسة التسول. . وبحسب دراسات أخرى تناولت موضوع التسول فإن مما يسهم في استمرار وتزايد عدد المتسولين هو عدم وجود تصور علمي لكيفية مكافحة التسول وأيضاً القصور في إيجاد الضمانات؛ لعدم عودة الفرد المتسول إلى التسول في الشوارع، بالإضافة إلى شحة الإمكانات المادية والمالية لدى الجهات الحكومية المختصة في وزارة الشئون الاجتماعية إلى جانب عدم الجدية في تنفيذ برامج مكافحة التسول من قبل القائمين على هذه المشاريع التي أغلبها ممولة من المانحين .