لا أنكر أني ولدت في قرية العسلي عزلة البريهة مديرية جبل حبشي محافظة تعز، وأعيش منذ أكثر من أربعين سنة في العاصمة صنعاء. فأنا وفقا لهذه المعايير من سكان شمال اليمن. ولكني يمني فكل من يسكن في أي بقعة يمنية فهو يمني. هذه المقدمة ضرورية لإزالة أي لبس حول العنوان. فأنا في هذا المقال أخاطب أهلي في الجنوباليمني لا لأميز بين يمني الجنوب والشمال، وإنما لأرسل رسالة خاصة وواضحة لأهلي في جنوباليمن. فالشمال يعاني من مشاكل، ولكن مشاكله مختلفة عن مشاكل الجنوب. يا أهلي في الجنوباليمني، تعالوا إلى كلمة سواء. فاعترفوا بمشاكلكم وعالجوها بما يتناسب معها، ولا تصدقوا من يحاول أن يجركم إلى مصيدة تحميل الآخرين مسئولية هذه المشاكل، فإن ذلك لن يقدم ولن يؤخر، وإنما يعتبر خداعا للنفس. يا أهلي في الجنوباليمني، لقد كنتم دائما جزءاً من اليمن يشهد بذلك التاريخ والجغرافيا والخصائص السكانية والقوانين الاقتصادية والعادات والتقاليد وكل شيء. صحيح أنه كان هناك تنازع على السلطة بين مختلف مكونات اليمن شماله وجنوبه، ترتب عليه تعدد الحكام سواء لليمن بكامله أو في بعض مناطقه، لكن ذلك لم يعمل على محو الهوية اليمنية الجامعة، أو على خلق أي هوية جديدة. يا أهلي في الجنوباليمني، لقد ترتب على احتلال بريطانيا العظمى لعدن، وسلخها من اليمن، أن شجعت كل المناطق المجاورة لعدن للانسلاخ عن اليمن أيضا. لكنها لم تنجح في خلق هوية جديدة لهذه المناطق، لأن الهوية اليمنية الراسخة في الوعي الجمعي لأبناء الجنوب منعت ذلك. لكن الاحتلال البريطاني نجح في خلق هويات فرعية تتصارع مع نفسها، أولا فيما أطلق عليه محميات الجنون اليمني، وبينها بين اليمن الأم ثانيا، الذي أطلق عليها شمال اليمن. يجب الاعتراف بذلك. فالجنوباليمني يعاني من مشكلة حادة منذ خضوعه للاحتلال البريطاني وحتى اليوم. تتمثل هذه المشكلة في تصارع الهوية الفرعية مع بعضها البعض، ومن ثم تصارعها مع الهوية اليمنية الجامعة. فإن كان هناك ما يمكن أن يطلق عليه القضية الجنوبية، فإنها يمكن أن تصدق على تصارع الهويات الفرعية التي خلقها الاستعمار، والتي لازالت تزعزع الاستقرار في الجنوباليمني وحتى الوقت الحاضر. أقول لكم يا أهلي في الجنوباليمني، لقد ارتكبتم أخطاء جسيمة في حق أنفسكم قبل 22 مايو 1990 وبعد ذلك. ذلكم أنكم لم تتعاملوا مع الصراعات المحتدمة بين الهويات الفرعية قبل الاستقلال وبعده، بل إنه كان يتم التعامل مع ذلك من خلال إدارة هذه الصراعات بشكل آني، وذلك من خلال أما الهروب إلى الإمام من خلال استدعاء الهوية اليمنية، وأما الهرب إلى الخلف من خلال استدعاء الاحتلال. وكل ذلك لم ينجح في الحد أو التقليل من الصراعات الفرعية. ويمكن القول بأن الجنوب والشمال قد شارك بذلك بشكل أو بآخر، ولكن الذي اكتوى بنار هذه الصراعات هم أبناء الجنوباليمني. ولم يتم التفات إلى هذه الحقائق، لعدم القدرة على مواجهتها بالشجاعة والصرامة المطلوبة. كان يجب على الشطرين في عام 1990 أن يعالجا ما ترتب على الصراعات بين الهويات الفرعية والهوية الجامعة قبل الوحدة، أو في مراحلها الأولى، ولكن للأسف فإن ذلك لم يحدث، ولذلك فإن هذه الصراعات لا زالت تعبر عن نفسها حتى الآن. وما أحداث في عام 1994 وما سبقه إلا انعكاس حقيقي لذلك، وما يحدث في الوقت الحاضر ما هو إلا استمرار لذلك، لكني أجزم أن أخطاء بعض الشماليين في عام 1994 كانت أكبر من أخطاء بعض الجنوبيين، وفي نفس الوقت فإني أجزم أن أخطاء بعض الجنوبيين في الوقت الحاضر أكبر من أخطاء الشماليين. لذلك فإني أوجه هذا النداء إلى أهلي في الجنوب أن يقروا بذلك، فمقابلة الخطاء بالخطاء يؤدي إلى الوقوع بدورة الأخطاء إلى ما لا نهاية. ينبغي أن يعترف من كل ارتكب الأخطاء في عام 1994 بها، سواء كان من الشمال أو من الجنوب، ويجب كذلك أن يتوقف كل من يرتكب الأخطاء في الوقت الحاضر، سواء كان من الشمال أو من الجنوب. لكن لا قيمة لأي اعتراف بأي خطأ إذا سمح لمن يمارسها أن يستمر في ممارستها. وبما أن من يرتكب الأخطاء أكثر في الوقت الحاضر هم من الجنوب، فإن مسؤولية إخواننا في الجنوب في إيقافهم هي أكبر. يا أهلي في الجنوب لقد أثبتت الأحداث أن ما يعانيه اليمن اليوم من أزمات هي بسبب عدم الوقوف بصرامة وصدق أمام القلة التي أعطت لنفسها حق الحديث والتصرف إما باسم الجنوبيين أو باسم الشماليين أو باسم اليمن، وهم ليسوا مخولين بذلك من أحد. يا هلي في الجنوباليمني، لقد كان الانتهازيون في الجنوب ويستغلون ولا يزالون المعاناة الحقيقية لكم من أجل المتاجرة بها لتحقيق تطلعاتهم الخاصة غير المشروعة. فهم الذي أوصلوكم إلى هذه المعانات قبل 22 من مايو 1990، وهم الذين أوصلوكم إلى هذه المعانات قبل 1994، وهم الذين أوصلوكم إلى هذه المعانات في الوقت الحاضر. هم الذين أوهموكم بأن الوحدة كانت الحل وأن الانفصال الآن هو الحل. يا أهلي في الجنوب، فكما أن الارتماء في أحضان المعسكر الاشتراكي لم يكن حلا لمشاكلكم ومعاناتكم، وكما أن الهروب إلى الوحدة بدون أسس لم يكن حلا لمشاكلكم ومعاناتكم، وكما أن الهروب إلى تبني شعار فك الارتباط لم يكن حلا لمشاكلكم ومعاناتكم، فإن استدعاء الاحتلال الخارجي لن يكون إلا أسوأ من ذلك كله. فالاحتلال البريطاني هو الذي قسمكم وفرقكم، وهل يعقل أن الاحتلال السعودي أو الإماراتي أو السوداني أو الكولومبي أو غير ذلك سيعمل على توحدكم وحل مشاكلكم؟ بالتأكيد لا.. فلن يكونوا أفضل لكم من إخوانكم من أبناء الشمال. لن يحل مشاكلكم ومعاناتكم إلا أنتم، ولذلك فإني أدعو أهلي في الجنوب إلى كلمة سواء، فبدلا من رمي كل مشاكلكم على الشمال، وبالتالي استغلال كل الظروف من أجل التحريض على العداء معهم، حتى ولو تطلب الأمر أن تتعاونون مع أعدائكم وأعداء الشمال، لن يؤدي فقط إلا إلى استمرار مشاكلكم، بل وإلى خلق مشاكل جديدة لكم.. اعترفوا بمشاكلكم الحقيقة وابحثوا عن حلول لها، فإن عجزتم عن ذلك فلن ينفعكم لا دول الخليج ولا مرتزقتها ولا أحد غيركم. فإن كانت القوة لا تحقق الوحدة الحقيقية، وبالتالي التعايش والسلام، فإن الانفصال بالقوة لا يحقق ذلك. لقد أدرك أهلكم بالشمال الحقيقة الأولى، واعترفوا بها، فإني أتمنى عليكم أن تدركوا الحقيقة الثانية وتعترفوا بها. فعلى أبناء الجنوب أن يعترفوا أنه ليس من مصلحتهم ومصلحة اليمن أن يتم فرض الانفصال بالقوة. فالحرب سواء كانت من أجل الوحدة أو من أجل الانفصال هي الحرب القذرة التي تدمر المجتمع في الشمال والجنوب. يا أهلي في الجنوباليمني إن أكبر مشكلة تواجهكم هي توحدكم على كلمة سواء. فإن لم تنجحوا في ذلك فإن تستقروا لا في الجنوب ولن تستقر الأوضاع في الشمال. فلن تستطيعوا أن تحافظوا على حقوقكم المشروعة لا في ظل الوحدة بينكم أولا وبينكم وبين إخوانكم في الشمال. أما في ظل الانفصال وفي ظل الاحتلال ستشتعل الحروب في كل مكان. ستغرقون في الجنوب في المناطقية والفئوية. وسيترتب على ذلك تدمير الجنوب قبل الشمال. يا أهلي في الجنوباليمني.. لن تتوحدوا في الجنوب إلا إذا تحاورتم فيما بينكم وقدمتم التنازلات لبعضكم البعض من أجل وحدة الجنوب. ستنجحون في ذلك فقط إذا لم تسمحوا للخارج ومرتزقته في زرع بذور الفتنة بينكم. وذا نجحتم في تحقيق ذلك فما الذي يمنع أن تتحاوروا مع الشمال بنفس الأسس والمعايير، فإن رفض الشمال التحاور فستكونون حصنتم أنفسكم من مشاكلكم ومن مشاكل الشمال. ولن تحتاجوا إلى القبول بالاحتلال أو الهروب إلى الوحدة أو رفع شعار الانفصال مرة أخرى. وإن قبل الشمال بالحوار بنفس المعاير فإنكم ستطورون أنفسكم والشمال واليمن كله، ولا أعتقد أن أبناء الشمال سيرفضون ذلك. يا أهلي في الجنوب اعزلوا كل من يرفض الحوار والتنازل بين الجنوبيين وبين الجنوبيين والشماليين ثانيا، ويسعى إلى السيطرة والهيمنة والاستقواء المناطقي أو بالخارج، فمن يرفض كل محاولات الحوار من قبل البعض في الجنوب مع أبناء الجنوب، سيرفض حتما التحاور والتنازل من أبناء الشمال! أليس ذلك تعصب وهوى؟ أو ليس ذلك هو الذي يصعد الأمر في الوقت الحاضر في كل من الشمال والجنوب، أو ليس ذلك هو الذي يسيء للجنوب وللشمال ولليمن. يا أهلي في الجنوباليمني إن أسس الحوار بين أبناء الجنوب هي العدل والمواطنة المتساوية النظام والقانون والتسامح والتعايش. وما من شك لدي أن هذه الأسس هي نفسها التي يجب اتباعها للحوار بين الشمال والجنوب لاحقا. فإذا توحدت الأسس فإن ذلك لا شك سيفضي إلى وحدة اليمن. إنني أدعو أهلي في الجنوب أن يفكروا بذلك، وأن يسعوا إلى ذلك، وأعتقد أن أي حل لمشاكل الجنوب والشمال لن يكون ممكنا وقابلا للاستمرار، إلا إذا تم على أساس ذلك. أسأل الله أن يشرح صدور العقلاء من أهلي في الجنوب لأن يدركوا ذلك وأن يطرحوه للحوار والنقاش فيما بينهم أولا، وفيما بين مختلف الفئات والمكونات في الجنوب.