ليس غبياً من يفكر بافتراضات وقف العدوان، بمجرد وصول وزير خارجية أمريكا جون كيري إلى المنطقة، وبالمقابل ليس ذكياً ما لم يستحضر تاريخ أمريكا الجدلي، في صناعة الأحداث عربياً ودولياً، وتأجيجها المستمر لقضايا الصراع العربي العربي، أو الصراع العربي الدولي مع الإرادات الماسونية، وأقصد صراع الدول العربية غير الخاضعة للرغبة الإمبريالية، وإن كانت هذه الدول بعدد أصابع قدم البط، ولكن ينبغي الجزم أن زيارة كيري جاءت تحمل عدة احتمالات، أولها الشماتة بالملوك والأمراء السعوديين من باب أنهم عبيد لإدارة بلاده، وإحصاء الخسائر التي منيت بها السعودية، وخاصة الاقتصادية والسياسية، حيث لا يهم الأمريكان سوى استمرار الحرب، واستتباب العدوان ليس إلا، والأهم من ذلك بالنسبة للأمريكيين استمرار تدفق المال النفطي، على نفقات الحرب من جهة، وعلى الريع الأمريكي العائد لإدارة أوباما من جهة أخرى. الأمريكان يعرفون أن السعودية لم تنتصر عبر التاريخ، في أي قضية من القضايا السياسية على المستويين العربي والدولي، فهناك فجور وانصياع تام لأوامر واشنطن، لأن خطط الأخيرة لا تخرج عن كونها مناورة في إطار الصراع مع تكتل روسيا والصين وإيران وملفاتها المنظورة من الهيئات الأممية، إضافة إلى محاولات كيري لإقامة توازنات إزاء التحركات الدبلوماسية الروسية في خضم الحرب على اليمن، ولذلك أعتقد أن كيري حضر لتدبير سياسات مضادة باتجاه الإجراءات السياسية الناجحة في اليمن، وتبعاتها من إعلان وتأسيس المجلس السياسي وما لحقه من دعم تمثل في عقد جلسات مجلس النواب واقتراب موعد تشكيل حكومة، في ظل استلاب مقابل لدى السعودية، التي تواجه هزائم في معارك الحدود ويتفرج عليها الأمريكيون بتلذذ ومتعة . المرتزقة في الجانب الآخر، ينسحقون في معارك الجبهات الداخلية، دون الإدراك أن هذا فعلاً هو ما تريده واشنطن، طبقاً لسياسة توم وجيري، القائمة على منطلقات إبقاء فتيل الحرب مشتعلاً بدون غالب أو مغلوب، ويعزز هذا الاتجاه الكلام الأخير، الذي أدلى به معارض سعودي كبير بحجم الوليد بن طلال، الذي أكد أن السعودية تجازف في معارك خاسرة على كل الصعد، ما يهدد بدنو نهاية نظام حكم أخطأ كثيراً، ومؤكداً أن من يدفع السعودي لهذه النهايات "والكلام مازال للوليد بن طلال" هي القوى الواقفة خلفها لإطالة أمد العدوان على اليمن، دون أي نتيجة، فيما تفسح زيارة كيري المجال لتثقيل حجم ملفات الجرائم الإنسانية بحق الشعب اليمني، ومن باب الابتزاز الأممي والدولي للمال النفطي المدرار والهادر في تنفيذ الرغبات الأمريكية. ولو أن السعودية توقف العدوان فجأة، لإثارة الأمريكيين، وهذا غير وارد، فهي لا تمتلك القرار، لرأينا على الأقل تحركاً سعودياً يريد الخروج من الورطة، ويكشف ويستشف ما وراء الخطوات الأمريكية، ورؤيتها للمصير الذي سيلف المنطقة والجزيرة العربية، ولو حدث ذلك، أقول لو حدث ذلك، فعلينا انتظار أي تحوّل كيدي تآمري جديد على العرب والمسلمين بفعل مستجدات تحدث في البيت الأبيض أسلوباً فقط، لأن السياسة الأمريكية ثابتة. في اليمن سيخسر الجميع.. الأمريكان سياسياً، وستخسر السعودية وتحالفها عسكرياً، لأن المجلس السياسي سد الفراغ في الحكم بطريقة دستورية، وهذا أمر محبط للجميع، علاوةً على أن المجلس السياسي أعلن مؤخراً التعاطي مع أي مبادرة تقوم على إيقاف العدوان أولاً.. وذلك يعني أننا نحارب قوى العدوان ومن يقفون وراءه بذات سلاح أمريكا الزاعم دعم الشرعية.. وهاهي الشرعية عادت إلى صنعاء من باب المؤسسات الدستورية الأحق بأن تُسيّر شؤون البلاد.