أطلعني مؤخراً الصديق العزيز علي أحمد الخولاني وهو واحد من المتيمين بعشق تراب هذا الوطن علي ما خطته أصابعه في مطلع هذا العام في الصفحة الأولي من عدد يوم الاثنين 7 مارس من صحيفة (اليمن اليوم) الغراء من جملة من التوقعات لما يمكن أن تؤول إليه سيناريوهات العدوان مستقبلاً، وجاء في طليعة ما طالب به آنذاك وجوب المبادرة الشعبية الواسعة لدعم البنك المركزي اليمني بكل أشكال وصور الدعم الممكنة واعتبر ذلك جُهداً وطنياً ? يقل أهمية عن ما يسطره أبطالنا الميامين في جبهات صد العدوان، ومضي في تحديد المواقع التي يري جازماً أنها ستكون أهدافاً قادمة لما تلقيه الأفاعي الجوية من مخلفات قذرة، كجامع البكيرية (أو البكيلية)، ومباني: الأمن القومي والمتحف الوطني ودار الحجر وأقسام الشرطة في صنعاء القديمة وقصر السلاح والجسور والحمامات الطبيعية، وأبدي قلقه الشديد من احتمال تعرض جامع ومتحف الصالح للاستهداف. كان ذلك مثال حي لفراسة المواطن اليمني المبنية علي حدس وبُعْدْ نظر ورؤية ثاقبة، ذلك المواطن الذي يعيش ويراقب المشهد السياسي الذي يجري من حوله، وهو أبعد ما يكون عن اللعبة السياسية ومواضع صناعة القرار في وطنه، ولعل الأيام قد أثبتت صواب معظم ما ذهب إليه الرجل، ونجد اليمنيين يمضون في سرد وتحليل المشهد السياسي في وطنهم والمحيطين الإقليمي والدولي خصوصاً بعد تنامي الوعي السياسي لديهم منذ ولوج (اليمن) العظيم في دوامة الربيع العبري والفوضى الخلاقة مطلع العام 2011م حتى اليوم. في ذات السياق، تضمن خطاب الرئيس الأسبق الصالح بمناسبة الذكري ال54 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة الكثير من العبارات اللافتة التي خاطب بها (الجائرة الكوبري) ولعل من أهمها: أصدقاؤكم اليوم هم أعداؤكم في الغد، كما كانت كلمتي: اللهم إني بلغت.. التي تكررت مرتين، من ضمن الكلمات ذات الدلالة العميقة التي ختم بها خطابه، ولم يمض أكثر من 72 ساعة تقريبا من تداول تلك الكلمات في ذلك الخطاب إلا وقد وجدت ترجمة فعلية تجسدت في أرض الواقع، ولم تعد مجرد تحذيرات، بعد أن كشر أصدقاء وحلفاء الأمس القريب عن أنيابهم وخلعوا أقنعتهم وباتوا اليوم من ألد الأعداء. فقد جن جنون (جُهَّال) آل سعود ومن يدور في فلكهم من المنضويين في تحالفهم الشيطاني في العدوان علي (اليمن) العظيم، عند إسقاط مجلس الشيوخ الأمريكي للفيتو الرئاسي، ومضيه في إقرار قانون (جاستا) الذي حول العلاقة في غمضة عين بين مملكة (الرمال) وحليفها ا?كبر عالميا من صداقة وثيقة وشهر عسل امتد لأكثر من ستة عقود اعتمد علي اتفاقية (كوينسي) التي تم إبرامها بين الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في العام 1945م لمدة 60 عاما وتم تجديدها لمدة مماثلة في العام 2005م وأهم ما تضمنته تلك الاتفاقية بين الدولتين أولوية الإمداد بالنفط مقابل أولوية التمتع بالحماية. وتسابقت القنوات الفضائية عقب إقرار (جاستا) في استضافة المحللين السياسيين الذين جرم بعضهم القانون، ووضح بعضهم آثاره الكارثية علي الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها، وكيف أن المملكة لو فكرت بسحب استثماراتها البالغة أكثر من 700 مليار دولار من الولاياتالمتحدة، لكان من شأن ذلك إحداث هزات عنيفة ستفضي في النهاية لانهيار الاقتصاد الأمريكي، وكأن المملكة تملك أصلاً أن تسحب كل تلك الاستثمارات في لمح البصر، وكأن المشرعين في الولاياتالمتحدة قد فاتهم هذا التحليل العبقري، ولم يأخذوه بعين الحسبان، وكأنني بالنظام القضائي الأمريكي سيعجز عن إصدار أوامره الفورية وبجرة قلم بموجب ذلك القانون الذي صار نافذاً بتجميد كل تلك الاستثمارات العينية والنقدية للمملكة لحين النظر بحجم التعويضات التي سيعتمدها القضاء لأهالي ضحايا برجي التوأم في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م والتي تبلغ التقديرات الأولية لها بما يزيد عن 3.3 ترليون دولار، أي ثلاثة آلاف وثلاثمائة مليار دولار، وأنه بعيداً عن تلك الاستثمارات ستكون المملكة بحكم طُغيان وقهر القوي للضعيف مُلزمة بتنفيذ الأحكام القضائية، ما لم فستكون عُرضة لإجراءات عقابية صارمة للتنفيذ القسري لها. فيما انبري محللون (عباقرة) آخرون للدفاع عن المملكة التي بدت في وضع المعتدي عليها (أخلاقياً) وقانونياً في نظرهم، وذهب أولئك إلي أن (جاستا) إنما تأتي في إطار مخطط تمزيق الأمة العربية والإسلامية، لأنها ستفضي لانهيار المملكة وتشظيتها وتجزئتها لثلاث دويلات، وكأنما يزيح أولئك العباقرة عن معلومات سرية وغير معلنة، فيما نحن نؤكد منذ خمس سنوات مضت أن خرائط الشرق الأوسط الجديد وفقاً لسيناريو الفوضى الخلاقة المنشورة في المواقع الإلكترونية توضح أنه سيتم تجزئة المملكة لثلاث دويلات طولية شرق وغرب ووسط، وأن (اليمن) العظيم سيظل وفق قاموس المصالح الدولية واحداً موحداً مهما بلغت درجات التآمر، وحينما كنا نشير إلى هذه النُقطة تحديداً كان الكثير من المتابعين يصفون ما نسرده وكأنه مجرد أمانٍ أو أضغاث أحلام يقظة موجودة فقط في عقولنا ولا أساس لها من الصحة. أثبتت (جاستا) مجدداً، أن لا مكان للصداقات الدائمة ولا للعداوات الدائمة بل إن لغة المصالح هي التي تحكم العلاقات الدولية، وأن العدالة نفسها والقواعد الأخلاقية تخضع وتُطَوَّعْ لمقتضيات تلك المصالح، أولم نؤكد في مقال سابق أنه حتى بِلُغَة المصالح... سيظل (اليمن) العظيم هو الجواد الرابح، فهل استفاق المغيبون عقلياً ووجدانياً مما كانوا فيه من نشوة الانتصار لأعدائهم، جازمين أن (اليمن) العظيم على موعد – في نظرهم – مع التركيع لا محالة، طالما كان المعتدي هي (الجائرة الكوبرى).