المتابع للتغطية الإعلامية الرسمية والمعارضة لأحداث الصراع في مدينة عدن التي شهدتها منذ عشية أهم المناسبات الديمقراطية في اليمن 21 فبراير مهما اختلفنا حول الآليات، يذهل بحجم الصراع وتطرف الأطراف السياسية في اليمن بطريقة توضح مسبقاً نتائج مؤتمر الحوار الذي سينعقد في 18 مارس القادم، فمن حق أنصار التجمع اليمني للإصلاح أن يقيموا مهرجاناتهم في أي مدينة لهم فيها أنصار وبأي مناسبة، فما بالنا إذا كانت لترسيخ مفهوم الوحدة اليمنية ومؤازرة أنصارها، بالإضافة إلى أن ذكرى تسليم السلطة مهما كانت الآلية غريبة، ومهما اختلفنا وعانينا من سياسة الرئيس هادي والحكام الجدد التي قد تبدو أسوأ ممن سبقوهم، لكنه يوم يحمل معنى قيمياً مهماً. ومن حق أنصار الحراك الجنوبي والمطالبين ب"الانفصال" ومن عانوا من إدارات اليمن الموحد سياسياً واقتصادياً، أن يرفضوا الرئيس هادي والحكام الجدد أيضاً ويحتفلوا بيوم الأسير الجنوبي، كما أن هناك حقاً إنسانياً يتزامن مع هذا اليوم، فالجنوبيون والمناطق الوسطى يتم التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية ويتعرضون للاعتقالات على أقل الأسباب، في الوقت الذي يكافأ المسلحون الشماليون الذين اعتدوا على الجيش والأمن والمؤسسات الحكومية بأولوية الشهيد!! لكن "الجريمة التاريخية" تكمن في أن تتحول الحكومة ومؤسسات الدولة وإعلامها إلى أدوات بيد طرف ضد الآخر مستخدمة العنف والعقوبات الجماعية على أبناء الجنوب.. متجاوزة حتى الظرف الخاص الذي يعانونه منذ حرب 94م وكذلك فترة التحضير للحوار والتهدئة!! لا يعني هذا أنه كان على الإصلاح أن يلغي المهرجان أو حتى يغير محافظة انعقاده، فهناك وحدويون أسعدتهم أعلام الوحدة المرفوعة.. لكن أن يتعرض الحراكيون وخاصة قياداتهم السياسية والدينية للاعتقالات ومداهمة منازلهم، كما حدث للمناضلين قاسم عسكر وحسين شعيب، وكذلك إطلاق النار على مواكبهم، ومنعهم من الدخول إلى عدن، كما حدث للمناضل حسن باعوم فهو أمر يعد تحريضاً على الانفصال ويفاقم من الكراهية، وتعقيد الوضع في الجنوب بل إن إطفاء الكهرباء على مدينة عدن واستخدام الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع والضرب المميت للمعارضين من قبل أجهزة الدولة يعد (بلطجة) رسمية على أبناء الجنوب، فما ذنب أبناء عدن أن يقتلوا ويجرحوا ويضربوا ويصابوا في محافظتهم، لمجرد أننا نختلف معهم!! وليست فقط هذه الجرائم التي استخدمت ضدهم بل طريقة تعامل الإعلام الرسمي والإصلاحي، مع هذا الاختلاف العنيف في الجنوب.. فصحيفتا الثورة والجمهورية الرسميتان وخاصة الأولى تنشر وتغطي هذه الأحداث بتحيز لصالح (الإصلاح) وبتجاوز للمهنية والمصداقية، تنشر آراء ووجهة نظر الإصلاحيين وتغض الطرف عن أخبار مهمة حول ضحايا أنصار الحراك.. تخيلوا أن خبر تكريم اللواء محسن يأتي بالمقدمة وبمساحة أكبر في صحيفة الثورة الصفحة الأولى، وتحته مباشرة خبر القتلى والجرحى كضحايا لاعتداء أنصار الحراك على الإصلاحيين!! أعتقد أن وحدوية الإصلاح وحكومة الوفاق التي أرادوا أن يؤكدوها بمحافظة عدن وبآليات تنتهك الدستور وتسخر من الجيش والأمن والدولة لطرف سياسي أصبحت مدمرة وسبباً آخر مقنعاً لبقية الجنوبيين بفك الارتباط! والأسوأ من ذلك صمت ومباركة الرئيس هادي لذلك!.