ما الفرق بين الكآبة والاكتئاب؟ أقول لكم الفرق وأجرى على الله. الكآبة موجودة كل يوم وليلة مثل الهواء والأكسوجين والهيدروجين وثاني أكسيد الكربون وغاز وزارة الداخلية في التحرير والمنصورة، ومثل تصريحات مرسى، ووجوه الإخوان التي تظهر على الشاشة. هذه هي الكآبة تماما، بينما الاكتئاب أنك تشعر بوجود هذه الكآبة، تلتفت إليها، تهتمّ بها، تركِّز فيها، تؤثِّر عليك، ساعتها تكتئب. فيه فيروس كآبة هائل وثقيل ومنتشر في الجو لا شك، زاد واشتد منذ شهور مرسى، لكن خطورة الفيروس ليست في قوته بل في ضعف مناعتك تجاهه. لما تكون مناعتك أقل وأضعف تمرض وتتلقى الفيروس، فالاكتئاب من وجهة نظري هو الاستسلام للكآبة والضعف تجاهها والتأثر بها، لا أتوقع أن الحياة سوف تتغير أو تتبدل كثيرا خلال الأسابيع القادمة وكلها مسببات اكتئاب، لكن الذي نقدر أن نغيره هو مناعتنا ومقاومتنا. قال عمنا الراحل عبقري العامية المصرية صلاح جاهين: «حزين يا قمقم تحت بحر الضياع - حزين أنا زيك وإيه مستطاع؟ -الحزن ما بقالهوش جلال يا جدع - الحزن زى البرد.. زى الصداع»، صلاح جاهين قال، وأنا مصدقه، إن الحزن لم يعُد له جلال ورهبة وهيبة، بل صار عادياً يومياً طبيعياً مثل البرد ومثل الصداع فعلا، لكن السؤال: هل الحزن هو الاكتئاب؟ أيهما أصعب؟ أيهما أكبر؟ أيهما أثقل؟ ثم لماذا فعلا أصبح التعامل مع شعورنا المكتئب الحزين عادياً ولا يُقلِق أحدا كأنه من البديهي أن يكون الإنسان في هذا الزمان كئيبا؟ لكن أرجع وأقول نفس ما قاله صلاح جاهين: «لسه الطيور بتطنّ - والنحلايات بتزنّ - والطفل ضحكُه يرنّ - مع إن مش كل البشر فرحانين»، صحيح إذا كان الحزن عادياً وطبيعياً في وسط الغمّ الذي نعيشه الآن، فالاستسلام له مصيبة إضافية، فلا بد أن نقاومه ونواجهه ونتخلص منه ونهزمه، «مع إن مش كل البشر فرحانين». الحزن موجود والفرح موجود، بس الرَّك على اللي يختار، واليأس متوفر والأمل متوافر بس مين يشترى، الفرح قادر والحزن قادر لكن أنت أقدر، الحزن فيروس والفرح مناعة، وكما قال عمنا صلاح جاهين: «يأسك وصبرك بين أيديك وأنت حر - تيأس ما تيأس الحياة راح تمر - أنا دقت من ذا ومن ذا عجبي لقيت - الصبر مُرّ وبرضك اليأس مُرّ»، الحياة اختبار كما أن الحياة اختيار. المشكلة الفادحة أن يختار المصريون الآن مرة أخرى طريق الكآبة والاكتئاب، ويعودوا إلى هذا الاستسلام الكئيب الذي غطست فيه الطبقة الوسطى حتى استيقظت في 25 يناير، هذا هو نجاح الإخوان الحقيقي إن تم، أن نعود كما كنت، يأكلنا اليأس والقنوط. الوضع زى الزفت صحيح، لكن الأمل فريضة! *الوفد المصرية