من المتعارف عليه أن الحروب والصراعات تفتح فرصا إضافية للعمل أمام الصحفيين ووسائل الإعلام، إلا أن ما يحدث في اليمن منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة التي توجد فيها أغلب وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ومراسلو وسائل الإعلام الدولية كان خلاف ذلك حيث أغلقت المحطات الإذاعية التلفزيونية والصحف الخاصة، كما تمت السيطرة على كبار المؤسسات الحكومية وتغيير قياداتها. الإجراءات القمعية التي انتهجها الحوثيون أجبرت وسائل الإعلام المستقلة والمعارضة على إغلاق أبوابها بسبب عدم توافقها مع سياسية هؤلاء وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، كما أن معظم مراسلي وسائل الإعلام الخارجية وهي في الغالب مملوكة لدول الخليج اضطرت إلى مغادرة البلاد خوفا من الاعتقال والمطاردة، كما احتمى العاملون في مواقع الكترونية أو صحف محلية في الأرياف هربا من الملاحقة والاعتقال. أكثر من ألفي صحفي وغيرهم كثير من الإعلاميين فقدوا وظائفهم بسبب إغلاق الصحف ومحطات الإذاعة والصحف والمواقع الإلكترونية أو نتيجة الخوف من القمع والتعذيب، واستقرت مجموعة من هؤلاء في العاصمة السعودية أو في العاصمتين المصرية والقطرية لكنهم لا يمتلكون مصدرا للدخل إذ أن غالبيتهم يعملون لدى وسائل إعلام خاصة أغلقت أبوابها وتركتهم يواجهون مأساة الواقع منفردين. الوضع المأساوي للصحفيين اليمنيين دفع الاتحاد الدولي للصحفيين إلى تبني حملة دولية بغرض رفع الوعي على المستوى العالمي بالتدهور الكبير لسلامة هؤلاء وأطلق الدعوة إلى للإفراج الفوري عن المحتجزين منهم بشكل غير قانوني، وبناء شبكة إعلامية دولية لدعم الصحفيين وأسرهم. في اجتماع عقد قبل أيام في العاصمة البلجيكية كرس لمناقشة وضع الصحفيين في اليمن عبر الاتحاد عن قلقه الشديد على سلامة المخطوفين منهم والذين يتعرضون للتعذيب، كما عبر عن قلقه على حياة الذين يحاولون مغادرة البلاد خوفا على سلامتهم، وكذلك الذين تم طردهم أو منعهم من العمل، وبالتالي حرمانهم من أي دخل لتغطية نفقاتهم. اللقاء انتهى ببيان عبر فيه الاتحاد الدولي عن قلقه من تدهور سلامة الصحفيين في اليمن منذ بداية عام 2015 وخاصة بعد اندلاع الحرب بين الحوثيين وقوات التحالف الذي تقوده المملكة السعودية. وقال إنه ومنذ شهر أبريل نيسان الماضي اتضح ضرورة اتخاد تدابير عاجلة في أعقاب اقتحام قوات الحوثيين مقرات وسائل الإعلام في صنعاء، مما وضع الصحفيين أمام خيارين إما الطرد أو تأييد الخط التحريري المفروض عليهم. هذه الأوضاع المأسوية وغير المسبوقة جعلت جيم بوملحة، رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين، يتعهد بمواصلة دعم الصحفيين في اليمن الذين وصفهم بأنهم الأبطال الحقيقيين الذين يواجهون الحرب والذين يمكن أن يتعرضوا للاستهداف في أي وقت". وفي غياب أي استجابة من الحوثيين وقوات صالح للدعوات الدولية لوقف القمع الذي يتعرض له الصحفيون أعلن الاتحاد الدولي إنشاء صندوق تضامن مع الصحفيين في اليمن لجمع تبرعات من حول العالم لمساندة احتياجات السلامة الفورية والعلاج وناشد الجميع الاستجابة لهذا النداء، لتقديم المساعدات المالية والإنسانية للصحفيين وأسرهم. ما هو مؤكد حتى الآن هو أن معظم الصحفيين قد اضطروا لمغادرة صنعاء إثر تزايد المخاطر من تعرضهم للاعتداءات أو الاعتقال والتعذيب، وهؤلاء يعيشون في ظروف اقتصادية صعبه بعد أن فقدوا أعمالهم حتى أصبحت العاصمة اليمنية مدينة خالية من الصحفيين. نقابة الصحفيين التي تحاول عاجزة مواجهه هذه الأوضاع كانت سجلت 200 حالة انتهاك لحرية الصحافة ، بما في ذلك مقتل عشرة صحفيين، وسجن 14 آخرين، تسعة منهم تعرضوا للتعذيب الوحشي من قبل الحوثيين بالإضافة إلى إغلاق معظم مقار وسائل الإعلام أو الاستيلاء عليها. النقابة أكدت أن لديها أدلة على أن صحفيين معتقلين يتعرضون للتعذيب، وأن من تبقى يمكن أن يقبض عليه في أي وقت، وقالت إن 55 صحفيا تعرضوا للاعتقال والحجز والاختطاف والملاحقة وهناك حتى اليوم ما لا يقل عن عشرة صحفيين رهن الاعتقال، وسجلت 48 حالة اقتحام لمؤسسات إعلامية وإذاعات ومنازل صحفيين. وحجب 33 موقعا الكترونيا ومحرك بحث و9 حالات إغلاق لمكاتب قنوات تلفزيونية وصحف. وقالت إن 21 صحفيا تعرضوا لحالات تهديد ومضايقات وحملات تشهير على خلفية تغطياتهم الصحفية أو التعبير عن آرائهم. وفي حال توقفت الحرب كما تشير إلى ذلك تصريحات المسؤولين في السعودية والدول التي ترعى التسوية في اليمن فإن تداعيات هذه الأزمة والأضرار التي لحقت بالمؤسسات الإعلامية تجعل من المستحيل على هؤلاء استعادة وظائفهم بسهولة، ما يعني أننا أمام مأساة غير مسبوقة تتطلب التزاما واضحا من طرفي الحرب بمعالجة آثار هذه الممارسات التي تسببت في تدمير تجربة إعلامية متفردة في منطقة الخليج والجزيرة العربية.