مرحباً بك أيها العيد السعيد.. عيد الصائمين القانعين.. عيد الذين استقبلوا رمضان بقلوبهم استقبال الفاتحين.. استقبلوه بالفرح والابتهاج.. حسبوا المصاريف حسبما اعتادوا أن يحسبوها كل شهر.. لكنهم في رمضان وجدوها عن حاجتهم تفيض.. وجدوا حاجتهم في شهر رمضان أقل منها فيما مضى من شهور.. لأنهم قدروا أن شهر رمضان هو شهر مبارك يتجلى فيه الله على خلقه ينظر مايصنعون.. يكتفي الانسان فيه بأيسر الطعام، الكل كان قانعاً بأيسر الطعام، الأب والأبناء وربة البيت.. كان الجميع سعداء بالبساطة والتقشف.. كان الأب والأبناء في مسجدهم معظم الأوقات وكانت الأم والبنات في معظم الأوقات في مسجد النساء فماذا يفعلن في البيت؟ إلى أن كان ذات يوم خرجت الأم«رقية» لزيارة صديقة لها اسمها سمية.. فأخذت سمية على عاتقها تحكي لها صرفيات الأسرة في رمضان ومقدار مايملكون من عقار حتى خرجت «رقية» من عند صديقتها برميل بارود قابل للانفجار في أي وقت.. فما إن عاد زوجها في وقته المعتاد، حتى هبت في وجهه، قائلة: أنت مقصر في حقنا، جالس تضحك علينا بمعسول الكلام ونحن نصدق.. تعال وشوف.. لو كنت سمعت ماسمعته من صاحبتي سمية لفقدت عقلك من الغيظ.. قال الزوج الطيب: وماذا سمعت ياعزيزتي؟ قالت ودموعها تسكب كالمطر: روح وشوف أيش يشتري من الأسواق من كل ما لذ وطاب من الطعام والخضروات والفواكه إنهم يأكلون أفخر الطعام ويلبسون أغلى الملابس.. وأنت هنا.. لاحس ولاخبر.. «مكّنتنا» القناعة والرضا بما قسم الله أفضل مايتقرب به العبد إلى ربه.. خويت رأسنا بالحديث عن الاستقامة والإخلاص لله قولاً وعملاً.. ونسيت أنك تعيش في زمان غير الأزمنة التي تقرأ عنها وتتأثر بسلوكياتها.. إصح ياأستاذ إصح.. عش مثلما يعيش الناس.. ارحمنا من هذه العيشة النكدة.. الأولاد كبروا والبنات صرن عرائس.. ونحن مازلنا في هذا الدار البائس.. لارحنا ولاجينا، لاتقدمنا خطوة في الخط المستقيم ولاصعدنا سلماً مثلما بقية الناس ماذا نفعل بنزاهتك؟ وماذا كسبنا من إخلاصك؟ بالله قل لي: بماذا هو أفضل منك«فلان الفلاني»؟ أنت متعلم أفضل منه وأقدم منه في العمل وأكثر منه فطنة وذكاء.. ومع ذلك، فانظر أين أنت وأين هو؟؟ هو في السماء وأنت في الأرض.. كان مثلك صفر اليدين بدون كرش ولارقبة معصورة كرقبة الثور أما اليوم فيده مكتنزة بالشحم وجيوبه مكتظة بالنقود وأصداغه منفوخة وصار له كرش معتبر.. بينما أنت تكاد تكون بدون كرش ورقبتك كأنها رقبة زرافة وهيئتك لاتختلف كثيراً ولاقليلاً عن هيئة المهاتما غاندي زعيم الهند الراحل.. لم يتمالك الرجل نفسه، فانفجر ضاحكاً وهو يردد: سامحك الله ياأم فيصل وأنت تصفين الرجل على هذا النحو.. هل تظنين أنك تطرينه وأنت تصفينه بصاحب كرش وله رقبة معصورة كرقبة الثور ويداه مكتنزتان بالشحم وجيوبه مكتظة بالنقود؟. إنك تشنعين به ياامرأة فيما تظنين أنك ترفعين من قدره.. استغفري الله ياأم فيصل، لاتتحملي وزر ذلك الرجل.. حملقت المرأة في وجه زوجها وهي تقول: ماقصدته هو في التشنيع، بل أنت الذي قصدت .. قال لها: ماتمنيت أن يكون لي كرش ولارقبة كالثور.. وإن ملكت الدنيا بأسرها.. فأي إطراء هذا الذي تحسبينه إطراء؟! قالت «رقية» أستغفر الله العظيم والله إنني لناقصة عقل ودين.. ثم اتجهت نحو زوجها.. وحدجته بنظرة حادة قاسية وهي تقول: إياك إياك أن تعرض بالنساء.. لاأقصد سوى نفسي.. لقد ظننت أنني أطريه حسب وصف زوجته له.. وهل كانت هي أيضاً تشنع بزوجها.. فماذا كان قصدها؟ قالت لي: كان وزنه أربعين، فصار وزنه خمساً وسبعين وكان رصيده في البنك أصفاراً على اليسار فصارت كلها على اليمين كان يسكن جحراً تحت الأرض فصار يسكن في الدور رقم سبعة في عمارته الكائنة في حي السلاطين.. ثم تأتي أنت وتقول إننا أسعد الناس بهذا العيد وإن أسرتك هي أسعد الأسر..؟! قال الزوج: مازلت أعتقد ياحبيبتي«أم العيال» أن أسرتنا هي من أسعد الأسر.. ألسنا مستورين في دارنا البسيط.. لقد جاء من يخطب البنات لكنني ارجأت ذلك إلى مابعد انتهاء الدراسة.. وبلغني أن الأولاد تم قبولهم في برنامج التعليم من أجل التوظيف.. ليس ذلك وحسب لكنني وجدت عملاً إضافياً مقابل أجر شهري يفوق راتبي الشهري فمالي أنا وأصحاب الكروش أو من كانت رقابهم معصورة تشبه عنق ثور..؟ خلينا في حالنا.. ولاتعودي لزيارة مثل هكذا صاحبة حتى لاتنغص عليك حياتك فيما تحكيه لك من أمور لانريد معرفتها، فكل إنسان له قناعاته في الحياة وله طريقته في التعامل مع الله والوظيفة والمجتمع.. ولو قدر لي أن أولد من جديد لما اخترت غير الأسلوب نفسه في الحياة.. فوجئ الزوج بزوجته تسأله: وهل كنت تختارني أيضاً من دون النساء؟.. قال: وهل سأجد مثلك؟. حتى وجدها قد ابتهجت.. أكمل جملته: مناكفة.. لكنه قالها على سبيل المداعبة.. قالت: إذن هذه بشارة العيد.. قال: بل بشارات العيد السعيد.