سياسيون ونشطاء: تراخي الأمم المتحدة شجع المليشيا لاستغلال ملف قحطان للابتزاز    المنتخب الوطني للشباب يواجه نظيره السعودي وديا منتصف يونيو استعدادا لبطولة غرب آسيا    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    أكاديمي اقتصادي: فكرة البنك المركزي للحد من تدهور الريال اليمني لن تنجح!    انهيار مرعب للريال اليمني.. ووصول أسعار صرف الدولار والريال السعودي إلى أعلى مستوى    المشاط يدافع عن المبيدات الإسرائيلية وينفي علاقتها بالسرطان ويشيد بموردها لليمن    العليمي يطلب دعمًا لبسط سيطرة الشرعية على كامل التراب اليمني    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    رئيس برلمانية الإصلاح يتلقى العزاء في وفاة والده من قيادات الدولة والأحزاب والشخصيات    ذكرى إعلان فك الارتباط.. جدار جنوبي راسخ لفظ الوحدة المشؤومة    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    خاصموا الانتقالي بود وأختلفوا معه بشرف    شراكة الانتقالي وتفاقم الازمات الاقتصادية في الجنوب    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    صراعات داخل مليشيا الحوثي: قنبلة موقوتة على وشك الانفجار    "يقظة أمن عدن تُفشل مخططًا إجراميًا... القبض على ثلاثه متهمين قاموا بهذا الأمر الخطير    ناشطون يطالبون الجهات المعنية بضبط شاب اعتدى على فتاة امام الناس    شاهد :صور اليوتيوبر "جو حطاب" في حضرموت تشعل مواقع التواصل الاجتماعي    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    اللجنة الوطنية للمرأة تناقش أهمية التمكين والمشاركة السياسة للنساء مميز    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسر ملك الفرس في مأرب
هذا هو تاريخ اليمن (الإرهاص)
نشر في الجمهورية يوم 10 - 11 - 2006


عبد الله علي الكميم
وهناك نص آخر يرويه صاحب التاج يقول: قال أبو محمد ثم إن ابرهة ذا المنار جمع الجموع العظيمة وسار يريد المغرب أرض بابليون فأرسل إليه أمرئ القيس عملاق بن عمرو بن امرئ القيس بن عمرو بن بابليون بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود النبي صلى الله عليه وسلم وعمرو بن بابليون بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وعمرو بن بابليون هو فرعون إبراهيم بمصر ص138. وهكذا تكون مساعي التوحيد مشتركة بين الزعماء اليمنيين المقيمين بمصر، واليمن معا، ولعل الأبحاث العلمية التاريخية القادمة تكشف لنا المزيد من هذه الأعمال العظيمة، والصور المشرقة لتلك الأعمال المشتركة العظيمة بين ضفتي البحر الأحمر ورجال التوحيد العظام.
لقد ظلت العلاقة بين سكان شبه الجزيرة العربية وأطرافها وثيقة، طوال الأزمنة التاريخية، حيث كانت تجري هجرات متعددة، من داخل الجزيرة إلى أطرافها تحمل عدداً كبيراً من الناس إلى بلاد الهلال الخصيب وأبرز هذه الهجرات الكبيرة هي:
1- هجرة الأكاديين الذي استوطنوا العراق حوالي سنة 3500ق.م. وكونوا الدولة الأكادية التي استطاعت في عهد ملكها سرجون الأول أن توحد العراق وتمد نفوذها إلى أعالي دجلة.
2- هجرة العموريين إلى العراق، والكنعانيين والفينيقيين إلى سوريا حوالي سنة 2200ق.م
3- هجرة الآراميين الذين انتشروا في سوريا، وفلسطين، وشمال العراق حوالي سنة1500ق.م. وكان من ضمنهم العبرانيون(وجهة نظر).
4- هجرة الأنباط والتدمريين حوالي سنة500ق.م.
5- الموجة الإسلامية في القرن السابع الميلادي وما بعده) (1).
وعن علاقة الإيرانيين بالعرب قال صاحب (الشاهنامة):
(العرب هم في الشاهنامة يمثلون الساميين كلهم ففي أخبارهم ذكر الدول السامية القديمة وذكر ما كان بين الفرس والعرب من بعد عصر الإسلام.
ويضيف: في الكتب العربية والفارسية كثير من لبس تاريخ الإيرانيين وأساطيرهم بأساطير الساميين وتاريخهم كالذي يروى في نسب أدم وأبنائه.
ونسب كيومرت أبي البشر عند الفرس وأبنائه . كما يرى من الشبه بين نوح وأولاده وأفريدون وأبنائه. وكما يروى أن إبراهيم زرادشت .وأن الأبستاق هي صحف إبراهيم ويروى أن العرب قد ورثوا في الضحاك(قائد يمني) عداوة الإيرانيين، والساميين العداوة التي بقيت ذكرى للحادثات القديمة بين الأمتين.والتي سجل بعضها تاريخ الأشوريين .
ويظن أن حدود إيران الغربية كلها كانت عرضة لغارات الساميين أيام الآشوريين . وقد حارب هنالك سلمنا صر الثاني (858-833ق.م.).
وملوك بعده إلى أسر حدون الأول (681-668ق.م) الذي حاول فتح إيران، فهذه الحادثات وما كان بعدها من العرب وغيرهم من الأمم المصاقبة لإيران من الغرب تركت أثراً في أساطير إيران. وكان منها أسطورة الضحاك. وهو ابن ملك عربي اسمة مرداس .. استبد بالأمر وعظم شأنه ثم استنجد به الإيرانيون ليدفع عنهم عتو جمشيد فأستولى على إيران وحكم (1000سنة).
والأبستاق (صحف إبراهيم) تجعل مستقر الضحاك بوري، وهي بابل والشاهنامة جعلت مستقره بيت المقدس . وفي هذا دليل على أنه ذكرى الساميين لا العرب وحدهم)(1).
ويستمر الفردوسي في ذكر العلاقات التي كانت قائمة بين اليمنيين والإيرانيين في الألف الأول ق.م. وعن مصاهرتهم فيقول: على أن نسبة الضحاك إلى العرب أدت إلى نتيجة بينة في الكتاب . ولكن لا تبين اهتمام الرواة بها كثيراً، واشادتهم بها ذلك أن مهراب ملك كابل يجعل من نسل الضحاك وبنته روذابة (تسمى المخدرة العربية) وروذابة هي أم رستم بطل الأبطال فالعرب أخوال فارس .
ومثل هذا تزويج أبناء (أفريدون الثلاثة من ثلاث بنات لملك اليمن سرو فقد جعل العرب أخوال بني أفريدون جميعاً.وهم ملوك إيران وتوران والروم ولكن قصص الشاهنامة تذكر هذا الزواج ثم تنقل نتائجه فلا تذكرها.
ويسترسل: (ومن الحوادث العظيمة بين الإيرانيين، والعرب غزو كيكاوس بلاد اليمن، ووقوعه في أسر ملكها، وتسمى اليمن في هذه القصة (هاما وران)، وقد بينت في التعليق عليها أنها (حمير)، وهي الواقعة التي يفخر بها أبو نواس في قصيدته القحطانية المعروفة:
وفاض قابوس في سلاسلنا
سنين سبعاً وفت لحسابها(1)
ولهذا القول ما يؤيده في التراث اليمني إذ ورد فيه أن ملكا حميريا كان يعيش في مأرب تمكن من اسر احد ملوك الفرس وأنه حبسه في إحدى الآبار حتى تشفعت له بنت الملك فأطلق سراحه.
وأنه لمما يدل دلالة قاطعة على هيمنة اليمنيين على كل المناطق المحيطة، وعلى مدى متانة علاقة اليمن بمصر الفرعونية أن هذا الضحاك الذي ورد ذكره في الشاهنامة، وهي التي تعتبر ملحمة الفرس الشعرية الأولى كالإلياذة لدى الأغريق كان له أخ يحكم مصر. في نفس الوقت بل إن هذا الفرعون كان عاملاً لأخيه الضحاك على مصر(2).
قال صاحب الحضور اليماني في تاريخ الشرق الأدنى: (ذكر بعض أهل التواريخ أن فرعون مصر هذا (سبق له أن ذكره) كان أخاً للضحاك الملك المشهور بالظلم وكان عاملاً لأخيه على مصر، ويقال: كان اسمه (سنان ابن علوان بن لاوذ بن سام بن نوح).
وأخيراً إن عاداً أهم أولئك القوم الذين أنشأوا أول وأعظم حضارة على الأرض، وفي منطقة حددها القرآن الكريم وهي الأحقاف التي تشمل معظم صحراء الربع الخالي، وأجزاء من عمان، وتمتد على حدود مأرب والجوف، وسواحل عدن وهم قد عرفوا بهذا الاسم الذي قد يعني اسم القوم الذين أسسوا هذه الحضارة العظيمة أو اسم الجد الذي ينتمون إليه، وأشار القرآن إلى ضخامة أجسامهم ونير عقولهم وعظمة إنجازاتهم في كافة المجالات المكونة لحضارة الإنسان.
ولا غرابة أن يكون هؤلاء القوم هم الذين اخترعوا الخط واستأنسوا الحيوان واستنبتوا الحبوب وبنوا القصور في كل (رِيع) وبنوا المدن العظيمة التي وصفها القرآن هكذا {ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد}.
وقد بنيت بأنواع المعادن، والجواهر، وأجريت إليها، الأنهار وعاش
العاديون عيشة ترف، وازدهار ورخاء لم يشهده شعب آخر من الشعوب
{أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا
بطشتم بطشتم جبارين، فاتقوا الله و أطيعون، واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين، وجنات وعيون}[الشعراء:
وقد نشأت هذه الحضارة العظيمة في الفترة الواقعة بين الألف السابع والألف الثالث عشر ق.م. وانتقلت الحضارة من عاد الأولى إلى الثانية ثم إلى قوم ثمود وبعدهم إلى قحطان وبنيه.
وأما نبيهم فقد كان (هوداً)عليه السلام، وكان نبي ثمود صالحاً (عليه السلام)على أن القرآن يشير إلى أن هنالك أنبياء غيرهما قد أرسلوا إليهم ولكنه لم يحدد أسماء ولا أعداد هؤلاء الرسل والأنبياء.
نرجو الله القدير أن يكشف عن معجزات قوم عاد، وثمود ومن بعدهم بفضل جهود علماء اليمن، وغيرهم من الحريصين على حضارة الإنسان والمهتمين بالإطلاع على أولى صفحات تاريخ الإنسان. وما هذا على الله بعزيز.
الباب الرابع
البراهين الدامغة
هذه مقتطفات مما نشرته الصحف عن بشائر المكتشفات الآثارية الأخيرة في اليمن خلال السنوات القليلة الماضية التي شهدت نشاطاً علمياً ميدانياً ومختبرياً ملموساً في بعض مواقع الحضارات اليمنية.
قبل أن أستعرض بعض النصوص التي جمعتها مما نشرته الصحف والمجلات: أو ما صدر عن بعض المؤسسات المعنية. بالأبحاث الميدانية والتنقيبات الآثارية التي جرت خلال العقدين الماضيين (أواخر القرن العشرين)ولا تزال تجري إلى اليوم، والتي نأمل أن تستمر وبوتائر أعلى وأن يصاحب هذا النشاط بناء الكوادر اليمنية المؤهلة كما وكيفا وإعداد الأجهزة المتخصصة لاستيعاب الكم الكبير من القطع الأثرية المتمثلة في التماثيل والأعمدة المكتوبة والمزخرفة وفي اللوحات الرائعة المكتوبة بالمسند الجميل وغيره من الخطوط اليمنية والمتمثلة كذلك في السيوف والحلي والأواني والطنافس المختلفة وفي الأسلحة والملابس والجثث المحنطة واللقى المختلفة حتى لا تتعرض كنوزنا العظيمة للضياع أو التلف أو السطو.
على أنه لابد من توفير الحماية الكافية لكل المواقع المكشوفة وعدم كشف مواقع جديدة إلا في حدود إمكانيات الحماية والدراسة حتى يزاح الستار، وينفض الغبار عن معظم كنوز الحضارات اليمنية العظيمة حضارات الساميين والعرب، بل والإنسان بشكل عام.
إنا نؤمن بأن اليمن تحتفظ بسر أسرار الإنسان، وأنها تخزن كنوز الأرض. والشواهد الآن صارت بين أيدينا وفي متناول الجميع والمفاجآت المذهلة لا تزال تتوالى.
أقول قبل هذا لابد من محاولة الإجابة على الأسئلة التالية:
أولها: لماذا سلكت طريقاً غير مطروق سلفا؟ أعني به البحث في ما لم يكتب فيه الآخرون من تاريخ اليمن، وهو تاريخ العرب والساميين بل والإنسان بعامة . وهو ما يمثل حوالي 90%من تاريخ الإنسان.
ثانيها: ما الأسباب والعوامل التي دفعتني إلى ذلك؟
وثالثها: ما النتائج التي توصلت إليها؟وهل تتطابق أو على الأقل تتقارب مع ما كان في ذهني من تصورات ؟ ثم هل تتواءم مع نتائج الأبحاث العلمية والميدانية والدراسات والأبحاث التاريخية والأركيولوجية الجديدة؟
وبالتالي هل تتساوى النتائج التي توصلت إليها مع الجهود المضنية التي بذلت في سبيلها؟
وللإجابات على هذه التساؤلات أقول أن الإجابة على التساؤل الأول تتمثل في أنني بعد أن عشت التاريخ، وتعايشت مع التاريخ اليمني نحو سبع وثلاثين سنة، منها خمس عشرة سنة متفرغاً تفرغاً كاملاً قضيت منها أربع سنوات في القرآءة وجمع المصادر والمعلومات والمراجع واللقاءات، والزيارات الميدانية.
ولشد ما أدهشتني وأفزعتني بحق تلك النتائج التي خرجت بها، والحصيلة التي حصلت عليها من قراءاتي للمراجع التاريخية العامة وكتب السير والأدب العربي وبالذات في عهد ما قبل الإسلام وكذلك المعاجم وكتب القصص، وفي مقدمتها قصص الأنبياء والرسل عليهم السلام. والسير والتفاسير والأحاديث في عصر صدر الإسلام وما بعده.
وحتى لا أطيل على القارئ أسوق إليه النتائج التي وصلت إليها:
1- أن معظم الكتب القديمة والوسيطة والحديثة العربية والأجنبية شبه مجمعة على أن التاريخ القديم أو كما سماه بعضهم تاريخ الشرق، وبعضهم سماه تاريخ الشرق الأدنى، يتمثل في تاريخ بلاد الرافدين، تاريخ السومريين وما بعدهم، وتاريخ وادي النيل وبالذات تاريخ الفراعنة، وتاريخ بلاد الشام، وكلهم تقريباً يرجعون بدء هذه الحضارات إلى الألف الرابع ق.م. أما اليمن فليست جزءا من هذا التاريخ ولا تدخل في دائرة اهتمامات معظمهم.
2- أنه في حالة ذكر عاد وثمود وطسم وحديس ...إلخ، فإنما قد تذكر ولكن باعتبارها مع غيرها من هذه الأمم بائدة، وذكرها للعظة والعبرة والحقيقة تتناقض مع هذا التوجه على طول الخط بنصوص القرآن، وقد بينت هذا أكثر من مرة ليعيه من له عقل أو (ألقى السمع وهو شهيد).
3- أن الكثير من هذه المصادر حينما تتعرض لتاريخ اليمن القديم تدمغه بالخيال والأساطير والأوهام.
4- أن المصدر الوحيد والأعظم والأصدق الذي احتفظ بتاريخ اليمن واستوعبه وأعطاه ما يستحق من الإطراء والتضخيم هو القرآن الكريم وكفانا شرفاً ومجداً، وأكسب تاريخنا يقيناً وصدقاً..
5- أن تلك التي تسمى ب(كتب تاريخ اليمن) بمختلف مصادرها ومؤلفيها ليست بأحسن حالاً من تلك المشار إليها في البنود الثلاثة الأولى وإنما هي انعكاسات لها وترداد لبعض نصوصها. بل إن بعض اليمنيين وبالذات المحدثين منهم أكثر إيغالاً في السذاجة وبعداً عن حقائق التاريخ، وأكثر استعداداً للتنازل عن تاريخ اليمن - زماناً. مكاناً، وقائع، معالم، تراثاً عاماً!!.
لذلك فقد خرجت بعد القراءات مشتت الفكر مرتبكاً تائها غير قادر على رسم خط أسير عليه أو خطة أعمل في ضوئها!!.
فالأسئلة الحائرة التي كانت تدور بخلدي لم أجد لها جواباً شافياً، كافياً، وذلك الغموض الذي كان ولايرزال يكتنف التاريخ اليمني ازداد قتامة، وتلك الشروخ والتشوهات والتثلمات ازدادت اتساعاً وبشاعة.. وكانت الحسنة الوحيدة التي خرجت بها بعد هذا الاطلاع هي: ازدياد الإيمان وزيادة الإصرار على متابعة السير في هذاالطريق الوعر والمظلم والمليء بالأشواك والمخاطر. وكنت هنا أمام خيارين لا ثالث لهما:
1. إما أن أبدأ بإعادة قراءة وكتابة ما هو مكتوب وهو لا يساوي زمناً وكما إلا حوالي10% من تاريخ اليمن - والعرب والساميين - والإنسانية من وجهة نظري.
2. أو أن أبدأ بالقراءة والكتابة عن ذلك التاريخ العظيم الخالد الذي خلده القرآن الكريم والذي لم يكتب بعد. وتبلغ مساحته زماناً ومكاناً إلا حوالي 90% من مساحة تاريخ العرب تقريباً !.
ولكن كيف؟ ومن أين أبدأ؟ ومن أين آتي بهذا التاريخ في ظل هذا الفقر المدقع من المراجع؟ وإن وجدت (لماماً)فهي بغرض التشويه والتحقير لا كتاريخ أمة كريمة وحضارة عظيمة! أن تاريخ اليمن يشبه إلى حد كبير فسيفساء ضخمة رائعة تحطمت وتجزأت إلى إلى عشرات الآلاف من القطع ثم نثرت فوق صحراء الرُبع الخالي فطلب من واحد إعادة جمع هذه القطع و إعادة بناء اللوحة!، إنه تاريخ اليمن القديم وإنه عمل شاق ولكنه مجيد.
وقد قررت بعد تفكير عميق أن أبدأ من الأساس لعلي آتي بالجديد، وحتى لا أقع فيما وقع فيه الكثير من أولئك الذين كتبوا هذا الذي يطلق عليه تجاوزاً تاريخ اليمن وهو عن التاريخ الحقيقي لليمن أكثر ما يكون من البعد والهزال.
أما الإجابة على السؤال الثاني فإنه إضافة إلى ما سبق (أعني النتائج التي توصلت إليها)قد كانت من ضمن العوامل التي دفعتني إلى الإصرار على كتابة هذا الكتاب عله يكون حجراً في أساس متين إن شاء الله لتاريخ حضاراتنا العظيمة التي هي بحق أول وأعظم الحضارات الإنسانية على هذه الأرض .
واعتبر أن واجباً على كل مثقف يمني، وعالم قادر بل وعلى كل عربي ومسلم وكل إنسان منصف أن يسهم في بناء هذا الصرح العظيم، لأنه يعني تحقيق إرادة الله المتمثلة في آياته التي اشتملت على تاريخ قوم عاد وثمود ومن بعدهم على هذه الأرض للنظر والتفكير والاعتبار..والإفادة من تجاربهم وأعمالهم الكبيرة وفي نفس الوقت. وضع الأمور في نصابها الصحيح وإعادة الاعتبار للتاريخ اليمني، والعربي والإنساني ككل. ومن أجل تكذيب ودحض مؤامرات اليهود، والمتعصبين من الأقوام الأخرى، والرد، على مزاعم أولئك الجهلة والمتعصبين من أبناء جلدتنا.
وإنه من المخجل أن نظل جاهلين تاريخنا القديم هذا الجهل المطبق رغم الإشادات العظيمة به في القرآن الكريم الذي أورد اسم عاد مباشرة 24 مرة وثمود 26 مرة بينما أشار إلى سبأ مرتين فقط.وسبأ هذه لم يحدد زمانها إذ أنها ليست تلك التي عاشت في أوائل الألف الأول ق.م. ونقول عنها غسق التاريخ اليمني وفجره (صح النوم!!)إنها عصره وليست غسقه لأنها آخر حلقة من حلقات الحضارات اليمنية العظيمة، أما سبأ المقصودة فقد نشأت قبل أربعة آلاف عام ق.م. وقد عرفت بدولة حمير، واستمرت حتى آخر المشوار.
وللإجابة على التساؤل الثالث أقول: أنه رغم النتائج المخيبة للآمال التي توصلت إليها من القراءات الواسعة إلا أنها كانت أكبر دافع لي على الاستمرارية والمثابرة من أجل إنجاز ما أمكنني إنجازه حتى الآن ..وهنا لا بد من القول أنني كلما أوغلت في القراءة والكتابة كلما اتسعت أمامي الآفاق وتفتحت أبواب جديدة. ولا أبالغ إذا ما قلت إنني كما لو كنت على موعد مع القدر والحظ العظيمين. فقد خَرَجَت إلى العَلَن الكثير من الكتب والأبحاث والدراسات العلمية والنظرية والميدانية. وكان للمكتشفات الآثارية الأخيرة الفضل الكبير في دعم توجهي وإجبار أولئك الذين كانوا قد كتبوا ما كتبوه عن تاريخ اليمن وفق رؤية تقليدية على إعادة النظر فيما كتبوه.
لقد تابعت أعمال الحفر والتنقيب عن الآثار في مناطق عديدة كما تابعت ما نشرته الصحف عن هذه الأعمال، وعن تلك المكتشفات التي تتم صدفة عن طريق الأهالي. وتعرض بعضها مع الأسف الشديد للعبث والتكسير والنهب. ولم تسلم من العبث الكبير إلا تلك الكهوف التي لم يتجرأ المتطفلون على اقتحامها إما لظلامها أو لوعورتها أو لروائحها أو لسعتها وتشعبها أو لصدور وأصوات غريبة من داخلها أو لوجود حشرات وأفاعي تحرسها.
وهي كلها تحوي جثثاً وأشلاء (حيوانية وبشرية وتماثيل وزخارف وأدوات مختلفة وأسلحة ...إلخ).
رأيت إيراد ما أمكنني إيراده هنا مما نشرته الصحف والمجلات لتأكيد ما نرنو إليه من مشروعنا هذا. على أنني هنا أحذر من مغبة الاستمرار في الاعتماد على الأجانب في عمليات الحفر والتنقيب وجمع المكتشفات من اللوحات والتماثيل والأواني واللقى الآثارية المختلفة أو ترك هذه المعالم عرضة للصوص، والمتاجرين بهذه الكنوز. دونما حراسة شديدة وسرعة في جمع كل ما يتم الحصول عليه إلى أماكن آمنة تحت حراسة مشددة والركون بعد ذلك على العلماء اليمانيين مع الاستعانة بالأجانب في عمليات التصنيف والترتيب والترجمة. إلى لغات أخرى غير العربية وبالتالي وضعها في أماكن العرض التي ستستقر فيها أخيراً.
كما أطالب بأن لا يستمر عقد المؤتمرات والندوات حول تاريخ وأثار اليمن وتراثها الخالد، وما عملة أولئك العظماء الأقدمون تحت هيمنة السفارات الأجنبية دون إشراك المختصين اليمنيين من علماء التاريخ واللغات والجيولوجيا والجغرافيا. والمفكرين، والكتاب. فقد كان المؤتمر الثالث لتاريخ وآثار اليمن وصمة خزي! فقد انعقد في صنعاء أواخر تسعينيات القرن العشرين الذي لم نسمع عنه إلا عبر وسائل الإعلام. حاولنا الحصول على وثائقه دونما جدوى إلى الآن وحينما سألنا عن الأسباب قيل لنا أن بعض السفارات الأجنبية هي التي أعدت له وأن الخبراء الأجانب مع مندوبي السفارات هم الذين حضروا هذا المؤتمر، وهم الذين درسوا الوثائق وناقشوها، وأصدروا القرارات والتوصيات!! وانتقلت كل الوثائق والنتائج إلى ألمانيا لتنقل إلى العربية!! ولم يتدخل إلا رئيس هيئة الآثار حينها. وبضعة أشخاص من اليمنيين كمترجمين وشهود زور!!
كما أن المؤتمر الرابع قد عقد على غرار عقد الثالث وبعد الرابع عقد المؤتمر الخامس في جامعة صنعاء ولم يختلف كثيراً عن سابقيه في حين أن الدول التي لا تمتلك حتى 10% مما تمثله اليمن من التراث العظيم تستمر تُعِد لمؤتمرات التاريخ والتراث سنين عديدة ونحشد كل إمكانيات البلاد لذلك وتعتمد في الإعداد لهذه المؤتمرات على كفاءاتها الوطنية بالدرجة الأولى سواء من حيث إعداد الأبحاث والدراسات الميدانية والعلمية أو من حيث حضور المؤتمرات والنقاشات وصياغة الأفكار والتوصيات والقرارات والاحتفاظ بالنتائج وتطبيقها. والترويج للتراث بشكل عام وهكذا يجب أن يكون لدينا.
وفي الوقت الذي أراجع فيه هذه الوريقات المطبوعة على الكمبيوتر للمرة الرابعة أو الخامسة! نشرت صحيفة الميثاق في عددها رقم (1257) وفي الصفحة (17) خبراً أورده الدكتور يوسف محمد عبد الله أشهر العلماء اليمانيين في التاريخ القديم مفاده: أن مؤتمراً دولياً عقد في بيروت وفي الجامعة الأميركية بالتحديد عن (التاريخ الاجتماعي والاقتصادي لجزيرة العرب قبل الإسلام) أو كما أسماه كعنوان هكذا (المؤتمر الدولي لأحوال الجزيرة العربية واليمن قبل الإسلام) في الفترة من 13-15 ديسمبر 2005م وكان اليمن تابعة وليست الأصل، وكأنها ليست من الجزيرة العربية!!.
إن الاستهتار بتاريخ اليمن العظيم وتراث هذا الشعب الخالد يعني الاستهتار بسيادة. وكرامة هذا الشعب والاستهانة به ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.ولا يجوز أن يتحكم بتاريخ اليمن وكنوزه التي تعتبر بحق كنوز الدنيا فرد أوشلة أو أسرة مهما كان مستوى هؤلاء من الفهم والعلم والجاه أو المكانة الاجتماعية، وإنما يجب أن تشكل إضافة إلى الهيئة كجهاز إداري هيئات ولجان علمية متخصصة تخطط وتشرف وتتابع، وتسن التشريعات بالتعاون مع الجهات المعنية.
والخلاصة أنني ظللت أتابع ما تنشره الصحف والمجلات وخرجت فيما له علاقة بتاريخ اليمن بالآتي:
البرهان الأول
حول العمق الزمني لتاريخ اليمن
في تاريخ 25/9/1994م. نشرت صحيفة الثورة مقالاً للكاتب النابه محمد حسين الفرح الذي يكاد أن يكون الثاني بعد المرحوم الشماحي اللذين ينظران إلى امتداد تاريخ اليمن في عمق الزمن وهو صاحب المقولة المشهورة عن الذين يكتبون تاريخ اليمن (أصحاب أو كتاب التاريخ السائد)ويعني بهم قصارى النظر الذين لا يمدون نظرهم إلى ما قبل الألف قبل الميلاد. ووضعوا أو وضع لهم سقف فولاذي وعجزوا عن تجاوزه!!.
وقد كان مقاله تحت عنوان (من معالم الجديد في تاريخ اليمن الحضاري)أكد أن حضارة اليمن عمرها 7000سنة. يجتزئ منه بتصرف ما يلى:
1. تؤكد نتائج التنقيبات الأثرية في العديد من المواقع الأثرية في اليمن أن الإنسان عاش في أرجاء اليمن منذ مئات الآلاف من السنين.
* لقد عثرت بعثة دراسة الإنسان الأمريكية على بقايا إنسانية وآثار في منطقة الجوبه مأرب. وتم فحصها في مختبرات فرجينيا بالولايات المتحدة، وجاء في رسالة البعثة بتاريخ 14/8/1985م. أن منها ما يعود إلى ستمائة ألف سنة، وتكتسب أهمية بالغة لمعرفة تاريخ المنطقة.
كذلك قامت بعثة أثرية سوفيتية بكشف عشرات المواقع الأثرية في ريبون حضرموت- لحج عام 1983-1985م. ويقول تقرير البعثة أن هذه الآثار تعطينا اليقين الأساسي بأن الإنسان عاش على أرض اليمن منذ مليون سنة.
ويضيف قائلاً: وقد صدر عن (دار التقدم)في سكو عام 1988م. كتاب عن نتائج التنقيبات في اليمن و.... أن الأدوات الأثرية التي ثم العثور عليها تشمل عصور التاليوليتك منذ سبعمائة ألف سنة ثم منذ مائة وعشرين ألف سنة إلى الألف الثامن ق.م.
كما عثرت بعثة فرنسية في عدة مواقع أثرية في عدة مواقع أثرية في المحافظات الجنوبية، وموقعين في المحافظات الشمالية على أدوات وفؤوس تعود إلى مائة ألف سنة، في موقع جبل تلع وعدة مواقع أخرى، كما عثرت بعثات أمريكية على أدوات أثرية يمتد زمنها إلى ما قبل سبعين ألف سنة في نجران وعسير، وفي منطقة الحمم بساحل عسير على البحر الأحمر. كما أسفرت تنقيبات البعثة الأثرية الإيطالية في مواقع جهران والحدا، وخولان من العثور على آثار وأدوات تؤكد حياة الإنسان في هذه المناطق منذ أكثر من مائة وعشرين ألف سنة، ومنذ سبعين ألف سنة.
2. ويسترسل هنا فيقول: يمكن القول على ضوء ذلك كله أن حياة الإنسان في اليمن بدأت منذ سبعمائنة ألف سنة. ثم انقطعت بعد زمن طويل لا نعرف عنه شيئاً، وتواصلت مرة أخرى قبل نحو سبعين ألف سنة كما تؤكد الدراسات أنه كان يسود اليمن مناخ كثير الأمطار وكانت بعض الوديان كالأنهار، بينما الغابات والحيوانات البرية موجودة بشكل كثيف.
3. ويحاول وضع تصور لكيفية عيش ذلك المجتمع اليمني الذي عاش خلال العشرين ألف سنة الماضية فيقول:
(كانت معالم حياة أولئك اليمانيين الساميين الأوائل حتى الألف العشرين قبل الميلاد أي ما قبل أكثر من عشرين ألف سنة تتلخص في التالي:
أ. كانوا يسكنون في الكهوف وفي أعالي الجبال وكان من أسباب ذلك الخوف من الحيوانات الضارية.
ب. كانوا يصنعون أدوات من الأحجار بما في ذلك الفؤوس والآلات الحادة لصيد وسلخ الحيوانات فكانوا يأكلون الحيوانات ويصنعون من جلودها ثياباً يلبسونها، (كانت حالة عامة للمجتمعات التي كانت تعيش نفس المرحلة من التطور. ولكن اليمن كانت الأسبق وشعبها كان الرائد بلا منازع لأسباب طبيعية، وموضوعية، واجتماعية) وكانوا يجمعون بعض الثمار البرية التي تنبت تلقائياً، ويتخذون منها طعاماً.
وقد تم العثور على خمسة آلاف قطعة من الأدوات الحجرية التي استعملها اليمانيون في ذلك الزمن.
4. منذ عشرين ألف سنة مضت أضافوا إلى تلك الحياة ابتكارات عديدة كان أهمها:
أ. إبتكار الزراعة فقد أصبحوا يزرعون.
ب. تربية المواشي . فقد تمكنوا من استئناس ومن تأليف الحيوانات بما فيها الجاموس.
ج. صناعة الأدوات ولأواني من الفخار إلى جانب الأدوات الحجرية سالفة الذكر.
د. الانتقال التدريجي من الكهوف إلى التجمعات السكانية الزراعية وتأسيس القرى.
ه. الإنتقال من حياة القنص، والصيد إلى حياة الزراعة والاستقرار.
5. في الألف السابع قبل الميلاد عام 7000ق.م. كان ذلك قد أصبح واقع الحياة في اليمن غالباً. لقد كانت تلك الحضارة في أقدم صورها.ونرى أن حضارة عاد بلغت ذروة ازدهارها آنذاك، وربما نهايتها أيضاً (لعل الكلمة الأخيرة هي الأصح فقد كان الألف السابع ق.م. يعني نهاية حضارة عاد تقريباً،
وفقاً للدراسة الواسعة المدعمة بالشواهد والحقائق، والوقائع العلمية
التي قد مناها).
ويضيف: فواصلت بقية قبائل وعشائر البلاد(إنها شعوب في لغة اليمانيين)ومنها القبائل التي انحدرت من قحطان مسيرة الحياة والتطور. وقد انحدرت من قحطان كما جاء في سفر التكوين بالتوراة ثلاث عشرة قبيلة قحطانية انتشرت في أرجاء اليمن منها حضرموت بن قحطان، أو فير بن قحطان (وهم المعافر)، مود بن قحطان (وهم ثمود وبقية قبائل قحطان).
البرهان الثاني
عن اكتشاف مقابر صخرية وجثث محنطة من عصر ما قبل التاريخ في محافظة المحويت.
في عددها رقم(799) بتاريخ 16/4/1998م. نشرت صحيفة 26سبتمبر تصريحاً للدكتور يوسف محمد عبد الله رئيس الهيئة العامة للآثار (آنذاك) عن اكتشافات آثارية تمت في محافظة المحويت الواقعة غرب صنعاء، قال فيه: إن اكتشاف عدة مواقع لمقابر صخرية في منطقة الخدرة محافظة المحويت دلت في مؤشرات أولية حولها أن المنطقة التي تقع ضمنها هذه المقابر، كانت منطقة سكانية آهلة بالسكان منذ عصور ما قبل التاريخ(وإذا كانت صور ما قبل التاريخ تعني عصور ما قبل اختراع الكتابة فإن هذا يعني بالنسبة لليمن قبل ما يقرب من عشرة آلاف عام، لأن الكتابة ابتكرت في عهد عاد التي عاشت بين 7-13ألف سنة ق.م.).
ويضيف في تصريحه ل(26ستمبر) قائلاً: أن السنوات الأخيرة شهدت اكتشاف عدد من المقابر الصخرية في جبال محافظة المحويت، والتي تكون في مناطق جبلية وعرة، وضمن تجويفات لينة نوعاً ما، مما يدل على أن سكان المنطقة قديماً كانوا يعنون بتحنيط موتاهم(1) وخاصة من علية القوم. ويقومون بدفنهم في جروف من العصور الحجرية لفترات ما قبل التاريخ لكهوف كان يسكنها إنسان العصر الحجري ويستخدمها في تلك الفترة. ونوه الدكتور يوسف إلى أن هذا الاكتشاف سيفتح صفحة جديدة في تاريخ منطقة المحويت، وتقوم هيئة الآثار حالياً بعمل رصد شامل للمقابر الصخرية في مختلف مناطق المحافظة، وذلك بالتعاون مع السلطة المحلية بالمحافظة، حيث قامت البعثة التي زارت المنطقة بالالتقاء مع المواطنين، وشرح أهمية الحفاظ والاطلاع على آخر ما تم العثور عليه في هذه المواقع، وما تعرض منها للعبث من قبل البعض، والذين كانوا يعتقدون أن هذه المقابر تحتوي على كنوز، مشيراً في ختام تصريحه إلى أن الهيئة العامة للآثار تسعى للإتفاق مع فرق أثرية وعلمية متخصصة ممن ألمانيا أو فرنسا من تملك خبرة في الموميات لاكتشاف ودراسة ما تبقى منها، وكذا وضع الأساليب العملية لكيفية الحفاظ عليها كون هذا الاكتشاف يشير إلى أن اليمن كانت من أول (بل هي أول)البلدان القديمة القليلة في العالم التي عرف أهلها التحنيط وأسرار التحنيط قبل حوالي ثلاثة آلاف سنة ق.م. على الأقل(والحقيقة أن التحنيط كان قبل هذا التاريخ بكثير). (انظر الشكر رقم (12) ضمن الملحقات حيث ترى إحدى الجثث المحنطة منذ آلاف السنين).
البرهان الثالث
عن اكتشاف أقدم بناية في الأردن وأنها كانت في عهد عاد، وعن أقدم بناية معمارية في العالم حسب وصف صحيفة الثورة اليمنية قالت في عددها رقم(11320)بتاريخ 9/11/1995م.
(تم في الأردن اكتشاف أقدم بناية معمارية في العالم تعود للحضارة الناطوفية قبل 12ألف سنة، وذلك في (يبلا) وهي المنطقة المحيطة بطبقة فحل في غور الأردن الشمالي.
وقالت الدكتورة باميلا واطسون مساعدة مدير المعهد البريطاني للآثار في عمان الذي يشرف على عملية المسح الأثري في منطقة طبقة
?حل الأثرية، أنه تم أيضاً اكتشاف تحصينات دفاعية وبقايا أبراج دفاعية
تعود للعصر البرونزي . وأضافت واطسون في حديث لصحيفة الدستور الأردنية أن (يبلا)فريدة ومميزة عن باقي المواقع كون الحياة فيها لم تنقطع. ولوجود آثار فيها تعود إلى جميع العصور مشيرة إلى أن القليل من المواقع الأثرية في العالم يوجد التسلسل الزمني في آثارها).
وقد يسأل البعض هنا: ما علاقة هذا بما نحن بصدده ؟! أو ما علاقة اليمن بالأردن فأبادر إلى الجواب هكذا! لقد أردت من إيراد هذا المثال الآتي:
1- أن الإنسان عاش في هذا المكان(جزيرة العرب)منذ وقت مبكر عمره أكثر من اثني عشر ألف سنة وهذا الاكتشاف يؤكد هذا الإصرار والتوجه.
2- أن هذا يدعم التوجه الذي أذهب إليه عن حضارة عاد وأن اليمن كانت وقتها تعج بالقصور التي غطت ربوعها في هذا الوقت بالذات أي في حدود 12 ألف سنة وأكثر.
3- أنه كذلك يثبت وحدة حضارة المنطقة، وقدم هجرات الساميين من اليمن إلى أرض الشام.
4- إن الآيات الكريمات: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين} قد تتخذ بعدها المكاني وتجد مدلوله. فحضارة عاد قد لا تكون قاصرة على جنوب الجزيرة بل ربما تجاوزته إلى تخومها.
البرهان الرابع
عن اكتشاف خط الزبور وقصيدة شعر بالخط المسند(ترنيمة الشمس) أجرت صحيفة26 سبتمب? في يوم الخميس الموافق 7/12/1995م. العدد (680)مقابلة مع الدكتور يوسف محمد عبدالله رئيس هيئة الآثار آنذاك حول النشاطات الأخيرة عن عالم الاستكشافات الآثارية في اليمن، ومدى أهمية المكتشفات الأخيرة وتوقعاته المستقبلية.
وقد قدم من قام بالحوار لموضوعه فقال: الآثار في أي بلد ثروة قومية، وذاكرة التاريخ، ووعاء الحضارة، وسبيل الرقي والنماء إلى غد أفضل . والآثار في بلادنا تحمل قيماً مضاعفة، ودلالات متمايزة نظراً لعمق الأثر الإنساني لها وكذا لحالة الإهدار المستمر لتلك الثروة، سواء بقصد أو بدون قصد. فالآثار اليمنية تتعرض لقرصنة خطيرة محلياً ودولياً، وإذا ما استمر الحال فإن علماء الآثار يحذرون من إفراغ اليمن من آثارها المهمة..(المكتشف منها طبعا وقد لا يساوي أكثر من 1%)!
وقد اخترت من هذا الحوار آخر سؤال مع الإجابة عليه كونه ذا مساس بموضعنا.
السؤال جاء تحت عنوان (قيمة آثار اليمن)
س: برأيكم كعالم آثار ما هي قيمة آثار اليمن عالمياً؟
ج: لن تكتمل حلقات البحث العلمي في مجال تاريخ الشرق القديم، أو في مجال التاريخ الإسلامي، إلا باكتشاف التاريخ اليمني، والتراث اليمني، وهو وإن كان كامناً إلا أنه لابد من إخراجه إلى حيز الوجود، حتى يصبح تراثاً معلوماً، فبقاع الحضارة كانت في جنوب غرب آسيا، وكانت بالذات في الجزيرة العربية وأطرافها، واليمن جزء من الجزيرة العربية، وطرف من أطرافها، وبقعة من بقاع لحضارات القديمة(بل أهمها جميعاً كما ثبت علمياً) وهذا قبل الإسلام بل إن اليمن وأهلها كانوا حملة الإسلام، وهم الذين نشروا الدعوة، وخدموا الإسلام واللغة العربية خدمات جليلة.
وذكر أن باحثة عربية تعمل حالياً إستاذة للثقافة الإسلامية في جامعة شيكاغو، وحائزة على جائزة الملك فيصل، درست أديباً يمنياً ناثراً توفي في القرن الثالث الهجري، وأثبتت أن أدبه ونثره لا يقل مستوى عن الجاحظ فقال: مع أنه سبقه تاريخياً وهو (بشر بن أبي كبار البلوي).
إن اكتشاف النقوش الخشبية وخط الزبور اليماني، يعتبر ثورة في عالم الكتابة في الشرق القديم، وما نشر منه يثبت ذلك، وكذا اكتشاف أقدم قصيدة شعرية(قد لا تكون أقدم وإنما واحدة من القصائد الشعرية المكتوبة بالخط المسند وبلغة أهل اليمن (هي لغة العرب) لدليل على ذلك . كما أن اكتشاف البعثتين الأثريتين الروسية، والأمريكية للعصور الحجرية الأقدم أي قبل مليون سنة لدليل على قدم السكنة للإنسان (بعد البشر) على هذه الأرض، وربما من أقدم المستوطنات في الأرض، ولاسيما ما وجدوا في كهوف وادي حضرموت، وأخيراً ما عثر عليه في كهف مقبنة م/تعز (العَرَفَة) واحتمال عبور الإنسان الأول من إفريقيا إلى آسيا عبر باب المندب، وليس عبر صحراء سيناء.
إن ما عثر عليه وما سيعثر عليه في اليمن، سيعيد باستمرار رسم الخريطة الأثرية، ليس لليمن فحسب وإنما للجزيرة والوطن العربي بل للتاريخ الإنساني كله، ولا نقول ذلك إدعاءاً وإنما كما قال شاعرنا القديم . (هذا كلام خطير يغير النهج السابق جذرياً).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.