السلوك المقصود والمعني في عنوان مقالنا هذا يدور حول مبادرة حضارية من قبل شباب جامعة إب حين قاموا بحملة تنظيف لمدينتهم وإعادة جمالها ورونقها من آثار الأزمة التي مرت بها البلاد خلال الأشهر المنصرمة. يا حبذا لو يتكرر هذا السلوك الحضاري في بقية محافظات الجمهورية التي تحولت جدرانها البديعة إلى خربشات وشوارعها المتناسقة إلى متاريس معيقة لحركة الناس وتحركاتهم وقضاء حاجياتهم وأمور حياتهم. لقد سبق شباب الثورة في مصر شباب جامعة إب في مبادرة تجميل وتزيين وترميم شارع التحرير بالقاهرة وتنظيفه وإعادة رصفه أجمل مما كان عليه في السابق. وكانت محافظة عدن في دورة خليجي 20 زهرة المدائن العربية وصارت اليوم مدينة يرثى لها وتنادي من ينتشلها من عملية التشويه المتعمد أو الممنهج وكأن هناك من يريد لها هذا القبح والدمار والبشاعة وأن تظل هكذا بعيدة عن أداء دورها الريادي كأشهر ميناء تجاري ومدينة العلم والفن والتجارة والمدنية والتحضر. إن النضال السلمي والحضاري لاستعادة الحقوق والثورة ضد الظلم والاستبداد والفساد والتسلط لا يكون بتشويه جدران المدن وأزقتها وتقطيع سبلها وشوارعها وطرقها وإفساد حاراتها التي نعيش فيها. إن هذا السلوك لا يرجع الحقوق إلى أصحابها وليس هو من أهداف الثورات ولا يقضي على الظلم والفساد والتسلط والاستبداد ولم نسمع في يوم من الأيام بأن القبح والفساد والبشاعة كانت من الأهداف والإستراتيجيات التي تفتخر بها أي ثورة شعبية تنتهج الأسلوب السلمي في نضالها من أجل التغيير إلى الأفضل والأحسن، والخطأ لا يعالج بخطأ أفدح منه والفساد لا يعالج بفساد أكبر منه والتشويه لا يعالج بتشويه أقبح منه. إن بث البشاعة والقبح والفوضى والخراب في كل شيء وفي كل مكان داخل مدننا يعكس مدى هبوط مستوى أذواقنا وخواء وجفاف جمال أنفسنا وأنه قد أصاب هذه الأنفس مرض التوحش وافتقدنا التآلف والتناغم والتناسق والنظام والانتظام مع من حولنا من بيئة جميلة وخلابة وطبيعة ساحرة وأصبحنا ننفر من كل ما هو جميل وحسن وحضاري ونميل إلى كل ما هو قبيح وبشع وفاسد وهذا يعود لافتقارنا للانسجام مع أنفسنا ومع فطرتنا السوية التي خلقنا الله عليها، ويعود أيضاً إلى إشكالية وعينا وإدراكنا المغيب عن فهم تناقضاتنا فالإحساس بهذا التناقض هو الذي يجعلنا نميز بين القبح والجمال والخير والشر والحق والباطل والصالح والفاسد، من أجل ذلك لم نعد نحب وطننا الكبير القوي الموحد ولم نعد نحافظ على جمال ورونق مدننا التي نعيش فيها ولم نحافظ على أحيائنا وشوارعنا وأزقتنا الرائعة وتحولنا إلى كائنات عبثية لا يهمها أي شيء جميل وحسن في حياة الناس والمجتمع وعملنا على تدمير كل منجز وجد لخدمة الجميع وأصبح حالنا كالذي خرب عشه بيده.