أكتب هذا التقرير وأنا جالس على أحد المقاعد الصلبة بقاعة المحكمة، في نهاية أسبوع فريد من نوعه من الدراما والدموع والمواجهة. وتجلس أسرة العداء الجنوب أفريقي أوسكار بيستوريوس في الصف الذي أمامي، ولم يكن من الصعب متابعة ما يجري في القاعة من ردود أفعال الأسرة كلما بكى أحدهم أو توتر.
وعلى يميني ببضعة خطوات، تجلس جيون، والدة الضحية ريفا ستينكامب، تحملق لفترات إلى الرجل الذي قتل ابنتها، وكأنها مريض يصحو من غيبوبته بين الحين والآخر.
وسرعان ما غابت ذكرى مشهد الدموع التي ذرفها بيستوريوس في قاعة المحكمة بداية هذا الأسبوع، على الأقل من وجهة نظري، ليحل مكانها مشهد احتداد ممثل الادعاء، غيري نيل، أثناء استجواب الشهود، والصدمة التي أحدثتها صور رأس الضحية بعد إصابتها، ويعرض تحليلا مقنعا لتفاصيل ليلة الحادث.
والآن، أستطيع أن أستنتج عمومًا أن تلك الأيام القليلة الماضية كادت أن تكون بمثابة كارثة لبيستوريوس.
دعونا للحظة ننحي جانبا مسألة الرصاصات الأربع التي أطلقت عبر باب الحمام، وندقق في التهم الثلاث الأخرى المرتبطة بحيازة سلاح ناري، والتي قرر الرياضي مواجهتها في المحاكمة ذاتها. فذلك هو القرار الذي يجب أن يكون بالتأكيد هو الشغل الشاغل لبيستوريوس وفريق دفاعه.
وتمثلت إحدى هذه التهم التي تبدو ثانوية في حيازته بعض الذخيرة الخاصة بوالده في المنزل.
وحاول السيد بيستوريوس أثناء وقوفه على منصة الاستجواب أن يجادل ممثل الادعاء جدالا متحذلقا، كما لو كنت تشاهد تلميذا مغرورا وهو يحاول تسجيل النقاط ضد أستاذ جامعي، لكنه فشل.
وكانت التهمة الثانية، وهي إطلاق أعيرة نارية من تحت منضدة المطعم بمدينة جوهانسبرغ، أسوأ من سابقتها.
"الرصاصة المعجزة!" فبدلا من أن يعترف بأنه أطلق تلك الأعيرة عن طريق الخطإ، حاول بيستوريوس أن يقول إن زناد البندقية انضغط بنفسه، وإنه لم يكن مسؤولا بشكل مباشر عن إطلاق النار، لذا فقد سخر ممثل الادعاء، السيد نيل، مما سماه "الرصاصة المعجزة"، وأيضًا من تهرب بيستوريوس من الاعتراف بتحمل المسؤولية.
وبدا للكثيريين أن السيد بيستوريوس كان قد ارتكب خطأً، لكن تحايله ذلك لم ينطل على أحد، ولا حتى رغبته في أن تظل القضية بعيدة عن وسائل الإعلام، إذ كان يجب عليه بالتأكيد أن يكون أكثر قلقا إزاء الإجابة على أسئلة الشرطة بشأن هذا الجرم الخطير.
وجاءت بعد ذلك واقعة إطلاق الأعيرة النارية من داخل السيارة المكشوفة، وحفلة زوارق نهاية الأسبوع والتي اعترف حولها الرياضي بأنه كان يحمل فيها مسدسا معمرا بالطلقات.
وكانت سامانثا تيلور، صديقة بيستوريوس في ذلك الوقت وصديقه السابق دارين فريسكو، قد شهدا أمام المحكمة مؤخرا بأن بيستوريوس أطلق النار ذات مرة من داخل السيارة بعد مشادة وقعت بينه وبين شرطي مرور عندما لاحظ الأخير وجود المسدس الخاص ببيستوريوس في المقعد المجاور للسائق، وقام بالتقاطه.
وجاء انتقاد بيستوريوس لغياب "لباقة" الشرطي و"حرفيته في العمل" ليثير التساؤلات حول تصرفاته تجاه السلطات في جنوب أفريقيا، وهي البلد التي لا يزال بعض الأشخاص من البيض لا يظهرون فيها دائما احترامهم لقضايا التمييز العنصري الحساسة في هذا البلد.
لكن إصرار الرياضي على أن صديقَيْه قد "لفقا" دليلا ضده، كان أكثر شيء صدمني خلال تلك الجلسات.
وإذا ما دققت في سجلات الجلسات، فسترى أن السيد بيستوريوس لم ينف أبدا إطلاق النار. لكنني اهتديت إلى تفسير لذلك، وهو أن الرياضي يجادل من أجل إقناع الجميع بأنه فعل ذلك في يوم مختلف وفي ظروف مختلفة. إذن، لماذا لا يعترف بيستوريوس بذلك، ويتحمل المسؤولية؟
والسؤال الحقيقي، بالطبع، هو لماذا أطلق الرياضي أربع طلقات عبر باب الحمّام؟
ممثل الادعاء، غيري نيل، الذي يظهر في الصورة، سخر من تهرب بيستوريوس من الاعتراف بتحمل المسؤولية
كان السيد بيسوريوس قد قال الأربعاء الماضي إنه أطلق النار "بصورة عفوية غير مقصودة". وهذه الكلمة غاية في الأهمية، لكنه بدا مريبا وهو يحاول توضيح ما حدث على منصة الاستجواب في المحكمة.
وعلى السيد بيستوريوس أن يعلم أنه إذا اعترف بأنه أطلق الرصاص عمدًا باتجاه الباب، بغض النظر عما إذا كان يعتقد أن من وراء الباب صديقته أو عصابة مسلحة من اللصوص، فهو كاد أن يعترف على نحو خطير بأنه كان يعتزم قتل شخص ما، وهو ما سيجعل الأمر سهلا على الادعاء في إثبات أن الحادث كان جريمة قتل عمد أو على أقل تقدير قتل خطإ.
وفي النهاية، تعتمد استراتيجية بيستوريوس في هذه المحاكمة على تبرئته من جميع التهم المنسوبة إليه.
ولا تزال أمامنا، كما ذكرت آنفا، طريق طويلة في إجراءات تلك المحاكمة. ولا أظن أن يقدم فريق الدفاع عن بيستوريوس مزيدا من الخبراء والشهود لافساد القضية، وجرها بعيدا عن القتل مع سبق الإصرار.
إلا أن تلك القضية لا تزال تثير الفضول، ليس فيما يتعلق بمن ارتكب الجريمة بل في الدوافع وراء ارتكابها، ولا يزال أمام السيد بيستوريوس حقل ألغام، وخصم صعب يحاول بشتى الطرق الإيقاع به.