الدموع التي لا تُنسى ليست التي نراها تنهمر من عيون نجوم «التراجيديا» أمثال يوسف وهبي وأمينة رزق وحسين رياض وعبد الوارث عسر وغيرهم، ولكنها تلك التي رأيناها على الشاشة أو عرفناها بعيدا عن الشاشة لنجوم الكوميديا، هؤلاء الذين يملأون الدنيا ضحكا وفجأة تفيض عيونهم بالبكاء. هل يستطيع أحد أن ينسى مثلا أستاذ حمام أقصد نجيب الريحاني في فيلم «غزل البنات» وهو يبكي عندما يستمع إلى محمد عبد الوهاب يغني «ضحيت هنايا فداه وحاعيش على ذكراه- وعشق الروح مالوش آخر لكن عشق الجسد فاني». نجم الكوميديا حتى بعيدا عن الكاميرا يتوقع منه البعض أن يمنحهم البهجة والسعادة في كل لحظة مهما كان يعيش في مأساة. مثلا إسماعيل يس عندما مات لم يكن لديه في البنك أي رصيد بل كانت مصلحة الضرائب تطارده وتطالبه بآلاف الجنيهات بينما هو «يا مولاي كما خلقتني»، ورغم ذلك كانت الناس تنتظر منه لو التقوه في الشارع أن يروي لهم آخر نكتة. عدد كبير من نجوم الكوميديا كانت نهاياتهم حزينة مثل عبد الفتاح القصري صاحب الجملة الشهيرة «كلمتي مش حتنزل الأرض أبدا»، وبعد ثوان تنزل لسابع أرض. عبد السلام النابلسي، وحسن فايق، وزينات صدقي، ويونس شلبي، وسعيد صالح، وغيرهم عندما رحلوا كانت الأضواء والنجومية قد غادرتهم، والأموال قد تبخرت من أياديهم، ولم يعد لديهم سوى الحسرة والبكاء على زمن كانوا هم فيه عنوان الضحك والسعادة. صورهم الأخيرة التي باتت الآن تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد تلك المأساة، نهاد قلعي الفنان الكوميديان السوري رفيق درب دريد لحام أقعده المرض قبل رحيله، وهو أيضا ما يعانيه الآن جورج سيدهم رفيق سمير غانم. لا يوجد كوميديان يعيش 24 ساعة في حالة قهقهة، بل هم الأقرب للبكاء، كان مثلا فؤاد المهندس دمعته قريبة، عبد المنعم مدبولي عندما يؤدي دورا تراجيديا أو يغني مثل سائق الحنطور في فيلم «مولد يا دنيا» وهو يردد «ليه يا زمان العبر سوق الحلاوة جبر- واحنا اللي كانوا الحبايب بيسافروا بينا القمر» يثير دموعنا. نجيب محفوظ روى أنه في جلسة كان الجميع فيها يتلهفون على مجيء بيرم التونسي الزجال وصاحب أشهر المجلات الفنية الضاحكة من أجل أن يُمطرهم بقفشات ونوادر، فاكتشفوا أن «باب النجار مخلع» فهو لا يَضحك ولا يُضحك. صلاح جاهين سريع البديهة وفنان الكاريكاتير والزجال والشاعر خفيف الظل مات مكتئبا، وهي نفس النهاية التي انتهى إليها مؤخرا فنان الكوميديا العالمي روبين ويليامز. وتروي أم كلثوم في مذكراتها أنها عندما شاهدت نجيب الريحاني لأول مرة وجها لوجه في نهاية الأربعينات، لم تستطع أن توقف ضحكاتها فما كان من نجيب الريحاني سوى أن أشاح بوجهه وانصرف غاضبا، ولم يتم التعارف بين قمتي الغناء والكوميديا في مصر؟! الانطباعات المبدئية عن الفنان تخلق عنه صورة ذهنية تبتعد تماما عن الحقيقة، إنه الارتباط الشرطي كما يطلق عليه علماء النفس، رأت أم كلثوم نجيب الريحاني فانفجرت ضاحكة بينما انفجر هو غاضبا، عندما شاهدته تذكرت أدواره التي أضحكتها مثل «أبو حلموس» و«سلامة في خير»، و«سي عمر» و«أستاذ حمام»، بينما هو ليس واحدا من كل هؤلاء، إنه الإنسان نجيب الريحاني الذي من الممكن أن يبكي بينما الناس بمجرد رؤيته لا تملك إلا الضحك!!