في محافظة عدن ، لم يخطئ من أطلق تسمية الثغر الباسم عليها، بل أصاب كبد الحقيقة ، وعدن اسم على مسمى ، فهي من أروع المدن في المنطقة جمالاً و تاريخاً وأهمها موقعاً ، حباها الله طبيعة ساحرة وشواطئ خلابة يجد الناس فيها مكاناً مناسباً لقضاء أوقات سعيدة وممتعة ليس في فصل الشتاء فحسب ، ولكن أيضاً في فصل الصيف الطويل الممتد من نهاية إبريل حتى سبتمبر من كل عام ، وأيضاً في كل المواسم والإجازات الأسبوعية والدينية والوطنية وإجازات المدارس والجامعات. مشهد رائع :
من على رمال شاطئ الساحل الذهبي (جولد مور) كانت بداية الاستطلاع ، ففي تمام الساعة الرابعة من عصر يوم جمعة ، وطأت قدماي رمال هذا الساحل الجميل وشاهدت ما لم أكن أتوقع رؤيته في تلك المساحة الواقعة بين البحر والجبل، وعلى وجه الخصوص في الواجهة البحرية ، فقد كان ازدحام المصطافين على أشده ، جاءوا من كل أنحاء عدن تقريباً ومن كثير من المحافظات القريبة والبعيدة .. وعندما يجول بصرك هنا وهناك تشاهد منظراً وكأنه ، كرنفال رائع ، ممتد على طول الشريط الساحلي .
وبالرغم من مهمتي التي جئت من أجلها المتمثلة بإعداد استطلاع صحفي ، إلا أن هذا المشهد دفعني إلى أن أكون واحداً من المصطافين الذين يمارسون هواية السباحة ، وكذلك الذين يمارسون رياضات شتى ، وحبذت ممارسة رياضتي المفضلة السباحة والتمتع بالمياه الدافئة، وأيضاً رياضة المشي الطويل ، وخاصة في هذا المكان الجميل .
لذلك دلفت إلى جوف مياه البحر مع الأخذ بعين الاعتبار تحذيرات مصلحة خفر السواحل بعدم التهور في السباحة في الأماكن البعيدة عن الساحل أو العمق .
رحلة بحرية :
بعد نحو أربعين دقيقة ، خرجت من البحر وارتديت ملابسي وبدأت ممارسة رياضة المشي على طول الساحل الرملي . كنت أشاهد الأطفال وهم يفترشون الأرض ، ويبنون قصوراً رملية ويلعبون ويمرحون في ملاعبهم المنتصبة المتناثرة على امتداد الساحل وشاهدت الشباب الذين يتبارون كرة القدم والكرة الطائرة وغيرها من الألعاب الرياضية والترفيهية وسمعت مايتغنى به البعض من الأهازيج المختلطة بأصوات الطبول وكأننا في حفل فرائحي بهيج .
أثناء السير توقفت عند موقع رسو القوارب المخصصة للركاب الراغبين في القيام برحلات بحرية تطوف بهم مياه البحر للتنزه وتعيدهم إلى نقطة الانطلاق .. وكانت أسرة مكونة من عدد من الرجال والنساء والأطفال قد عادت للتو من رحلة بحرية على ظهر قارب طاف بهم في مياه البحر للاستمتاع بنسائمه علاوة على جولة حول جزيرة ( دنافة ) الصغيرة الرائعة التي قيل إنها رائعة الجمال ولو وجدت اهتماماً جاداً وتوفرت فيها مقومات السياحة من فنادق وغيرها من مرافق البنية التحتية لأصبحت مزاراً للسياح من الداخل ومن كل مكان في العالم . آراء وسط الزحام : وسط الزحام التقيت الشاب عبدالقادر حسين أحد القادمين مع بعض أفراد أسرته من محافظة حجة ، فقال : عدن جميلة بطبيعتها وأهلها , وبالنسبة لي شخصياً سبق وأن زرتها مرتين مع عدد من أصدقائي فأعجبتني كثيراً لذا أحضرت معي هذه المرة عائلتي وأطفالي وبالذات إلى هذا الساحل الجميل ,والذى تجد فيه متعة السباحة بالإضافة إلى منظر الطبيعة والناس الطيبين . وأضاف : نحن نقضي معظم وقتنا هنا منذ وصولنا قبل يومين لكننا زرنا خلالهما مناطق "صيرة" و" الصهاريج" وتسوقنا في عدن مول وحسب برنامجنا سنعود إلى حجة بعد يومين لنروي ما شاهدناه ونعرض ما صورناه بالكاميرا، ونحن متأكدون أن من يسمعنا ويرى الصور سيتشوق لمشاهدة ذلك بنفسه .
ومن محافظة إب الخضراء كان هناك شابان تحدثا عن رحلتهما ،فقال أحدهما ويدعى علي محمد جعشان : قررت وزميلي محمد الصريمي ، زيارة عدن مدة أسبوع قبل انتهاء الإجازة المدرسية ,, وبالمناسبة أنا أول مرة أزورها وكنت أسمع بعض الأقارب يصفونها لكنني وجدت أنها أجمل من الوصف الذي سمعته ، واليوم نحن هنا نمارس هواية السباحة التي نحبها وغداً إن شاء الله نزور بعض المعالم السياحية والأسواق الشعبية . عبدالعزيز الكبسي ، من صنعاء ، جاء بصحبة أبنائه في إجازتهم الصيفية لقضاء بعض الأيام ، حيث قال : هذا العام جئنا إلى عدن ، وكنا في العام الماضي في الحديدة ، لكن الأولاد أعجبتهم عدن كثيراً . في الاستراحة : في إحدى الاستراحات الشاطئية المحاذية للساحل حيث تسمع نغمات الموسيقى الهادئة والصاخبة ، وفي ركن بعيد عن الصخب والضجيج قعدت على طاولة ارتشف عصيراً بارداً أطفئ به عطشي ، وبينما أنا أتهيأ للاستماع إلى مسجلتي الصغيرة الخاصة بعملي الصحفي إذا بي أواجه في طاولة قريبة الصديق والزميل الوفي عبد الحميد نعمان جاء من مدينة باجل حيث يقيم والذي لم أره منذ سنوات بعيدة ، فهب كل منا يحتضن الآخر ونتبادل قبلات المحبة والإخاء وجلس إلى جانبي نستعرض شريطاً طويلاً من الذكريات ، ثم طلبت منه الإدلاء بدلوه ورأيه فيما صار إليه ساحل " جولدمور" وكان حديثه مطابقاً لما قاله الآخرون ، لكنه أضاف إضافة مهمة ، وهي ضرورة الاهتمام بالتشجير والتوسع في المساحات الخضراء في المنطقة الواقعة على جانبي طريق الاسفلت ، وخاصة على طول امتداد الشاطئ من النفق الصغير حتى النفق الكبير , وضرورة قيام السلطة المحلية بجلب الرمال من الصحراء لدفن الصخور التي ظهرت في أجزاء من ساحل جولد مور وتتسبب بإصابات وبمضايقات للسباحين والمصطافين وخاصة الأطفال . وقبل أن يودعني لانشغاله اتفقنا على الالتقاء في الليلة نفسها في مكان كنا نلتقي فيه بمنطقة التواهي منذ مايزيد عن 30 عاماً لاستعادة شريط طويل من الذكريات . بعد توديع صاحبي على أمل اللقاء تناولت قلمي لأكتب في صفحات دفتري ما سجلته على شريط الكاسيت من أحاديث وانطباعات وما رأيته من مشاهدات .