بعد رفض الحوثي للمبادرات المتلاحقة والازدياد المضطرد في سقف المطالب التي يطالب بها فان المشهد في اليمن ينذر بكارثة كبرى لاتبقي ولاتذر ان لم يحضر العقل وتحضر معه الحكمة اليمانيةلتفاديها . في الشمال الحوثي بعد ان حشد انصاره في الميادين والساحات في صنعاء ومدن اخرى, وهدد بخطوات تصعيدية وصفها "بالمؤلمة" و"المزعجة" للنظام بدءها بالمطالبة باسقاط الحكومة واسقاط الجرعة التي اتخذتها الحكومة مؤخرا برفع الدعم عن المشتقات النفطية واعتبرتها خطوة نحو ماقالت عنها اصلاحات اقتصادية لتفادي الانهيار. وهناك قوى سياسية اخرى تحشد انصارها في حشود شعبية تسميها "اصطفاف وطني" وتؤكد مساندتها للرئيس هادي. وكل يجمع انصاره و مؤيديه ليظهر بهم على شاشات التلفزة, وغيرها بانه صاحب الحض الاوفر من التاييد الشعبي. وهناك خذلان للرئيس هادى من كل القوى السياسية في اليمن حتى من حزبه السياسي حزب المؤتمر الشعبي العام الذي تحالف مع الحوثيين لعدة اسباب منها : اولا الصراع الذي جرى ومازال يجري بين الاحمريين صالح من طرف, واولاد الاحمر ومعهم علي محسن من طرف حيث يتهم الاول الخيرين بدبير حادثة "النهدين" التي استهدفت "صالح" وكبار معاونيه. وثانيا الصراع على السلطة والنفوذ بين قيادات الاصلاح والمؤتمر. وثالثها - وهو الاهم - الصراع الطائفي "المذهبي" الازلي بين الشوافع في جنوب الشمال, والزيود في شمال الشمال . اما في الجنوب فان الواقع اكثر تعقيدا واشد خطورة; فهناك الغياب شبه التام لسلطات النظام, وهو ماسهل التواجد الملحوظ لعناصر تنظيم القاعدة المحضور دوليا والذي وجد الفراغ في الجنوب بسبب غياب سلطات الدولة الا من نهب الثروات والسيطرة عليها, وكذا عدم قدرة الحراك الجنوبي على تنظيم نفسه للاسهام في الحفاظ على الامن والاستقرار والسكينة العامة في مناطق الجنوب. مع انها بدات في ابين خطوات بصدد تشكيل لجان شعبية تبنتها بعض قيادات الحراك الجنوبي مع بداية ماسميت بثورة الشباب في الشمال في العام 2011م الا ان سلطات صنعاء شرعت في خطوة استباقية الى تسليم المحافظة الى عناصر "انصار الشريعة" التابع لتنظيم القاعدة, كما عملت بعض عناصر النظام على دعم بعض القيادات المجتمعية وتكليفها بتشكيل لجان شعبية تابعه لها وقدمت لها الدعم السخي من المال والسلاح, في الوقت الذي كان بامكانها, وماهو ايضا لزاما عليها, ان تقدم الدعم لمؤسساتها الامنية والرسمية الاخرى التي غالبا مايكون افرادها من ابناء المجتمع نفسه, اي من ابناء المديريات نفسها, ومع هذا وقف الجميع, الحراك الجنوبي وقياداته وتلك اللجان, وقفوا جميعهم صفا واحدا الى جانب الاحرار والمخلصين من الجيش اليمني في مواجهة عناصر تنظيم القاعدة (انصار الشريعة) في لودر وسطروا جميعهم اروع الملاحم البطولية وقدموا العديد من الشهداء والجرحى, وتمكنوا جميعهم من صد تلك العناصر ومنعهم من الدخول الى المدينة وضمها الى امارتهم التي اعلنوها في ابين بعد ان سلمتها لهم السلطات التابعة لصنعاء, وبعد ان تم صدهم ومنعهم من الدخول الى مدينة لودر في العام2012م وتكبيدهم الخسائر في الارواح والعتاد, تمت ملاحقتهم الى مناطق اخرى تمكن بعدها الجيش, تحت قيادة قيادات جنوبية, من مواصلة الحرب على "القاعدة" وتطهير كافة المناطق التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة في ابين وشبوة الجنوبيتين, ومازالت الحرب ضد "القاعدة مستمرة في حضرموت تحت اشراف مباشر من وزير الدفاع (جنوبي) اللواء محمد ناصر احمد . هذا المشهد المعقد في اليمن ينذر, وبما لايدع مجالا للشك, بدخول البلاد شمالا وجنوبا على السواء, في صراعات لا اول لها ولا آخر, وحروب مدمرة تاكل الاخضر واليابس, وتقضي على مايمكن القول انه تم بناءه من توافق سياسي في مؤتمر الحوار الوطني بحضور وتوافق كل القوى السياسية في الشمال يقابله مقاطة ورفض اغلب القوى السياسية في الجنوب . ان التعقيدات المتعددة للمشهد السياسي في اليمن من حشود و اصطفافات وخذلان في الشمال يقابلها في الجنوب عدم تنظيم وانقسامات قوى الحراك الجنوبي, وحروب الجيش مع القاعدة الذي يسعى تنظيمها الى التمدد والسيطرة على الكثير من المناطق والمدن في الجنوب, ولايمكن لاحد ان يستبعد ذلك بعد ان اعلن جلال بلعيد امير الجماعة مؤخرا البيعة لما يسمى "تنظيم الدولة الاسلامية" المسمى "داعش" سابقا, كل ذلك من التعقيدات, في اعتقادي, يحتم على الرئيس هادي, من اجل الاستفادة من الدعم الدولي والاقليمي, البحث عن تحالفات جديدة في الجنوب مع قوى الحراك الجنوبي الحقيقية, وهو مايتطلب استمرار الدعم الدولي والاقليمي للرئيس هادي من خلال العمل الجاد لتوحيد الصف القيادي الجنوبي, والعمل على تقريب وجهات النظر بين "هادي" والقيادات الجنوبية في الداخل والخارج. التحالفات بين الرئيس هادي وقوى الحراك الجنوبي, في تقديري, ستكون اهم العوامل لمواجهة اسوء الاحتمالات امام المشهد اليمني في حال تمكن الحوثيون من السيطرة الكاملة على صنعاء او استمرت حالة الارباك امام عملية التحول السياسي في اليمن, وستعمل تلك التحالفات على تخفيف حالة التوتر الدائر في صنعاء, وستجبر "الاخوة الاعداء" في الشمال على تقديم التنازلات لبعضهم في سبيل مواجهة التحالف الجديد, وهو ماسيخلق التوازن المطلوب بين القوى المطلوب حضورها وتشاركها في المشهد لضمان نجاح عملية التحول السياسي في اليمن ..