خروفي العزيز: أكتب إليك هذه السطور وقد مضى من الليل أكثره.. وقلبي يتقطع حسرةً كلما مرَّت على مسمعي ترددات ثغائك المتتابع الذي لم يتوقف مُذ أنزلتك من السيارة.. حتى أنت يا خروفي المسكين تشعر بالغربة.. لقد ظلموك فزعموا أنك بهيمة ليست لها مشاعر!.. صوتك المبحوح يشي بأنك تبكي.. تندب حظّك.. وكأني بك تقول: أين مني النعاجُ؟ أين الحظيرة؟ = أين مرعايَ في الشِّعابِ الخضيرة؟ أين نور الصباح؟ أغدو فأرعى = وأناغي النسيمَ عند الظَّهيرة.. هل أرى رُفقتي.. وقد صرت فيهم = - وأنا الكبشُ – قائدًا للمسيرة؟! لا تثريبَ عليك إن بكيتَ يا ابن الجبال الشُّمِّ.. قبل ساعاتٍ كنتَ هناك.. بجوار نعجاتك لا تذوق للبؤس طعمًا.. تغدو عليك أمي وتروح بدلوها ولفافات العلف، وأنت في بحبوحة من العيش وكرم من المعاملة.. كنتَ هناك في أحبِّ بقعةٍ إلى قلبي.. عند مسقط رأسي ومهد طفولتي ومرابع صباي ومراتع شبابي.. تلك الأرض الطيبة علمتْكَ حُبَّ الحرية كما علَّمَتْني.. فلم تعرف القيد ولا السوط ولا العصا.. تسرح كل صباح إلى مرعاك الواسع في شعاب وادينا الأخضر.. وأنت واثق الخُطى و حولك أمك وخالاتك وإخوتك وأخواتك... ترعى العُشب طريًّا كما صنعه الخالق.. وتمتص منه حبات الندى في بواكير الصباح – وإن لم تُحسِّن من صوتك مع الأسف - ... إن لَفَحتك الشمس بوهجها تأوي إلى ظل صخرة فتربض تحتها.. وإن عطشتَ وردتَ نبع الماء فتشربه صفوًا سلسلًا ويشربه غيرك كدرًا وطينًا.. حتى إذا جمع النهار متاعه للرحيل، وضيَّفتِ الشمس للغروب رجعتَ أدراجك لا تُلْهِبك عصًا، ولا تُرْهِبُك سطواتُ الزمان، ولا يسوقك سائق إلا الله.. فتجد الماءَ الممزوج بالطحين عند باب حظيرتك.. وتلقى المأوى الآمن والحياة الهادئة.. أمَا وقد فقدتَ الليلة أهلك.. ونأيت عنهم مسافة بعيدة.. وعذَّبتْك آلام السفر بالسيارة.. وأثّر الحبل في ساقك النحيلة.. وأنت الذي ما عرف الحبل يومًا.. فمن حقِّك أن تصيح.. وأن تعاقبني أنا وأولادي بالسهر حتى الصباح.. خروفي العزيز: نحن بني البشر قساة متوحشون.. لم يرحم بعضنا بعضًا.. كلما اتسعت علومنا ومعارفنا تأنَّقْنا في وسائل القتل والدمار، وتفنَّنا في أساليب التعذيب والإبادة... أفترانا نرحمك؟!... أنا وأنت أبناء مكان واحد.. ولدتَ حيث ولدتُ، ونشأتَ حيث نشأتُ، ولعبتَ حيث لعبتُ، أفترى لو كنتَ في مكاني وكنتُ في مكانك هل ستذبحني؟!... لا أنتظر منك جوابًا.. فنظراتك البريئة تنطق عنك وتثير فيّ الشفقة.. أنت لا تعلم أنه لم تبقَ من حياتك القصيرة الجميلة سوى سويعاتٍ ثم تتحول إلى (طعام) يُنصَب على المائدة.. إن صغاري الذين يلعبون حولك الآن هم من سيأكلك.. ولا أجد لك مكانًا أطيب ولا أعزّ على قلبي من بطون أولادي –حفظهم الله-.. وما أذبحك إلا لأن خالقي وخالقك أمرني بذبحك تقربًا إليه، وأحلّ لي أكلك، وسخّر لي ولأبناء جنسي جميع أبناء جنسك.. فنم مطمئنًا حيًّا وميتًا.. ويكفيك يا صديقي أنك لن ترى رهبة القبر التي يراها أبناء جنسي.. ولن تذوق عاقبة الظالمين يوم يقوم الحساب.. صديقك المحب... عدن – ليلة الأربعاء 7 ذي الحجة 1435ه