تاريخ اليمن العاصر لم يكن سعيدا. انقلابات وقتلى ومكائد وضغائن ودسائس وانتهازيون ومتطرفون وجدوا في تقاليد المجتمع القبلي حاضنة لإفكارهم الجهادية من أجل لاشيء. ما لم يقع من الخارطة كان قد سجل انهيارا أخلاقيا شهدته عدن عام 1986 يوم اختلف الاخوة الشيوعيون على السلطة. يومها قتل الشيوعيون بعضهم البعض الآخر وما كان أمام المنتصر من بينهم سوى الاستسلام لوهم الوحدة، كونه الخيار الوحيد الذي ينهي لعنة الانشقاق. لم تكن صنعاء في تاريخها المعاصر أفضل من عدن. ولكن علي سالم البيض قرر أن يكون نائبا لرئيس تدعمه القبائل والقوى الاقليمية بدلا من أن يكون رئيسا جالسا على لغم. فشلت تجربة الوحدة وانتهى البيض لاجئا في سلطنة عمان ومن ثم انتقل إلى بيروت، هناك حيث يقيم أصدقاءه الاشتراكيون. لا يزال الرجل مؤمنا بالاشتراكية ولا يجد مشكلة في العيش تحت حماية وكلاء ايران في لبنان. اما علي عبدالله صالح وهو الذي كان يخطط لإقامة نظام وراثة يعيد اليمن إلى عصر الامامة فقد ذهب إلى بيته بعد أن تيقن أن بقاءه في السلطة صار موضع خلاف بين اليمنيين في الشوارع. لا البيض ولا صالح يمكنه أن يتحدث بصدق عن السلطة الغائبة. هناك أسرار يمنية يمكنها أن تشكل جرحا في النظام السياسي العربي. لا أحد من الطرفين يريد أن يكون عبئا على التاريخ. المهم أن اليمن اليوم لم يعد ذلك اليمن الذي كان. صار علينا أن لا نتحدث في السياسة حين نتذكر أن اليمن صار ملكا للحوثيين. مُركب عسير الفهم والتحليل من القبيلة والطائفة سيضع اليمن أمام تاريخ جديد من خلال استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء ومحاولتهم التمدد إلى المحافظاتاليمنية الأخرى، هناك حيث لا أحد يناصرهم أو يطيعهم. سيكون علينا تخيل ولادة يمن لا علاقة له بتاريخه. فهي المرة الأولى التي يضع فيها اليمن راسه على وسادة فارسية. ما هذه الجغرافيا التي تخون التاريخ؟ ما هذا التاريخ الذي يخذل الجغرافيا ليصنع منها قناعا مبتذلا؟ لقد تُرك اليمن لسعادته بعد غياب عبدالناصر ليكون بئرا للتعاسة. كان الرجل الذي دخل في ستينات القرن الماضي حربا من أجل أن يكون اليمن مخلصا لعروبته على يقين من نبوءته. الفرس يحلمون في السيطرة على باب المندب. علينا أن نعترف أنه كان محقا في الدفاع عن مصالح مصر. الآن وقد باتت عروبة اليمن مهددة هل سيكون الحديث عن خسارة عربية في اليمن سابقا لأوانه؟ أظن أن ما كان يخشاه عبدالناصر قد حدث فعلا. ففي الوقت الذي يقف فيه الايرانيون على باب المندب فان العرب بما تبقى من قوتهم يخوضون حربا ضروسا ضد تنظيم ارهابي اسمه داعش كان قد التهم جزءا من الاراضي العراقية وجزءا من الاراضي السورية ليقيم عليها دولة الخلافة التي تسعى الى التمدد في المنطقة. السؤال المصيري الآن: ما الذي يمكن أن نربحه لو انتصرنا على داعش وخسرنا اليمن؟ كما أرى فان النظام السياسي العربي وقد صار يتبع الوقائع لاهثا من غير أن يكون مسيطرا على قراره لن يكون في إمكانه الاجابة على سؤال معقد ومحير من هذا النوع. إنها حرب متعددة الجبهات ولا رأس لها. حرب يمكنها أن تأخذ العالم العربي كله إلى المستنقع. وهو ما يعني أن نهاية العالم العربي باتت قريبة. أبهذه البساطة تبدو قراءة التاريخ ممكنة؟ لقد بدأ تارخ العرب في اليمن فكان لزاما أن ينتهي ذلك التاريخ فيها. ما يمكن أن نقوله في هذا المجال إن اليمن وقد تخلى عنها العرب ستكون سببا في مقتلهم.