عدن (عدن الغد) استطلاع / الخضر عبدالله شوقي سعيد ثابت كان نسيم الهواء العليل يداعب وجهها البديء صباحاً ومساءً .. رمال الساحل الذهبي تفصل بينهما وبين البحر ، حيث تتشكل لوحة رائعة من لوحات الرحمن على الأرض .
هناك ((العريش)) امتداد لأجيال تلو أجيال .. لم يتغير شيء سوى ان يد الإنسان العابثة لم تترك لجمال الطبيعة موقعاً ووقعاًً في القلب والوجدان ، أما المنطقة ذاتها فقد بقيت كما هي ، عنواناً للمعاناة والإهمال .. أنها منطقة من مناطق العاصمة الاقتصادية والتجارية وعروس البحر الأحمر ، منطقة طالما حدقت بنظرها نحو جبل شمسان وطالما عانقت قلعة صيرة عبر أمواجها ، والحديث عن ومعاناة أهلها كثيرة .. وتحركت الأنامل لتسطر همومها بحبر القلم على وجوه ورق الصحف ..
((العريش)) إحدى المناطق الشعبية في محافظة عدن وعلى وجه الخصوص في مديرية خور مكسر وواجهة المحافظة من الجهة الشرقية وبوابتها .. فقد سلب جمال الطبيعة التي زودها بها الرحمن عبر السطو على أراضيها .. حتى انقطع الهواء النقي الذي كان يتدفق من أمواج شواطئها إلى نوافذ أكواخها المتواضعة "الخرسانات الإسمنتية" التي ماثلت ناطحات السحاب وعلو جبل شمسان الشامخ .
تخلى عنها المسئولون جميعاً ولم يولوها أي اهتمام أو لفت نظر ، فقد نفضوا أيديهم عنها وكأنها مصابة بمرض معد وتركوها ((جرباء)) تفتقد إلى ابسط مقومات الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية ، وكأنها ليست من عدن .. ولا تنتمي إليها .. قيادة تلو القيادة ومحافظ بعد محافظ ومنطقة ((العريش)) اليوم مثل الأمس والحاضر كالماضي والمستقبل هو الماضي بذاته وزمانه ..
لا صحة ولا مجاري :
تنشر القمامة والأمراض والأوبئة وكثرة البعوض في ((العريش)) ومع ذلك لا يوجد بها مركز صحي واحد أسوة بغيرها من المناطق الشعبية في المحافظة ورغم أن المناشدات صعدت من أهالي الحي وعبر المجلس المحلي في مديرية خورمكسر التي تنتمي إليها المنطقة إلا أن لا حياة لمن تنادي فقد بحت الحناجر وهم يطالبون ببناء مركز صحي ولو غرفة بسيطة يتم فيها إعطاء العلاجات الضرورية لأبناء الحي الذين أصبحوا يائسين من الحياة جراء إهمال طلباتهم الحياتية .. ليس هذا فحسب حتى المجاري ما زالت موجودة فقط على صفائح الورق وحجر الأساس ولم تنفذ حتى يومنا هذا حيث أن المشاريع تبدأ في ورقة ولا تنتهي على الواقع .. دون معرفة أسباب التعثر ..
مدرسة واحدة لا تكفي : اتساع هائل وارتفاع مذهل في عدد السكان بمنطقة "العريش" كثافة سكانية عالية لكن لا يوجد فيها سوى مدرسة واحدة وقد تم بناؤها على نفقة مجموعة ((هائل سعيد انعم)) شركائه .. أي أنها ليست من صنع الدولة .. وهي لا تستطيع ان تستوعب التزايد المستمر في عدد الطلاب على الرغم من أنها تعمل على مدى فترتين ((صباحية ومسائية)) وهي أيضا لمستوى دراسي معين وهو (الصف ثامن فقط ) من التعليم الأساسي .. أي يعني أن من يتجاوز هذه المرحلة ((الصف الثامن)) علية الانتقال إلى إحدى المدارس في مديرية ((خور مكسر)) التي تكلف وتقل كاهل المواطن البسيط من أبناء تلك المنطقة سواء من مصاريف "ذهاب وإياب" أو مصاريف ضرورية أخرى .. فمن كان مستور الحال ويتحمل النفقات يستمر ومن لم يكن كذلك فعليه ترك الدراسة والتعليم بشكل نهائي خاصة الفتيات بدرجة أولى .. حتى وان تحمل الأهالي نفقات التعليم الأساسي .. فعلى الثانوية "السلام" .. أليس من حق سكان العريش ان ينال أولادهم التعليم الأساسي والثانوي والجامعي ، وان يتوفر لهم التعليم الأساسي والثانوي في منطقتهم (( العريش)) بدلاً من دفن الأحلام والمستقبل في رمال شواطئها ..؟!
تعويضات مع وقف التنفيذ : مكتوب على سكان ((العريش)) البسطاء الطيبين ، التعب والركض كثيراً إلى جانب التنكيل بهم في لقمة عيشهم التي يمتلكونها ، حيث كان لدى البعض أكشاك وبقالات تجارية صغيرة على خط ساحل أبين و"عشش" قديمة لبعض الصيادين على الشريط الساحلي الكبير ، وقد تم إزالتها جميعاً في سبيل المصلحة العامة كما قيل ، لتوسعة الطريق إلى( عدنأبين) بناء على توجيهات المحافظ الأسبق الدكتور "يحيى الشعبي" ، وتم تعويضهم ولكن ما هو هذا التعويض . تعويض من نوع أخر وفريد لم يحصل .. عوضوا مسئولين من خارج العريش ، والسكان الحقيقيون الذين كانوا يملكون الأكشاك والبقالات و"عشش" الصيادين لهم الله ، أعطوهم التعب والتعويض المناسب ذهب لمصلحة "الكبار" أما المعوضون الاساسيون فقد صرفت لبعضهم بقع صغيرة وافقوا على قبولها على طريقة ((خذ من الظالم حجراً)) والبعض الأخر لم يتم تعويضهم نهائياً .. فعكست هذه التصرفات مدى قيمة أبناء "حي العريش" لدى المسئولين الذي يتلاعبون حتى في أرزاق المواطنين البسطاء .
سيجف القلم : في الأخير من يتحدث عن منطقة "العريش" سيجف صبر قلمه وهو يتحدث عن هذه المنطقة التي أصبحت أشبه بل أفضل منها منطقة نائية في قرية ريفية في ريف الوطن الواسع .. وهي المقابل تقع في مدينة راقية تمتلك مقومات اقتصادية كبيرة .. الغريب أيضا أن هذه المنطقة أيضا قريبة من مطار عدن الدولي أي أن الواصلين والمغادرين يشاهدون تلك المباني الفقيرة والعشش البسيطة وهم على الجو .. والطامة الكبرى أنها تقع على بوابة العاصمة الاقتصادية التجارية "عدن" والدولة بكل مسئوليها تتجاهلها وتغض عينيها عن رؤيتها .. تصم إذنيها عن انفيها .. فالعريش دمعة أحرقت خد العذراء عدن ووضعت على الخد علامة سيتذكرها الغافلون كثيراً وسيصحو النائمون على قلوب أصابها الألم على منطقة متردية وأوضاع أردى من الردى ورصاصات تصيب القلب وتستقر فيه .. فوق لوحة أجمل لوحات الرحمن على ضفاف شواطئ "عدن" الحبيبة .
تناقض رهيب ..
عند زيارتك لتلك المنطقة .. تشاهد تناقض كبير وهو وجود فندق كبير بمدخل الحي من الجهة الساحلية .. اللافت أن الفندق بجانبه عشش وبيوت صغيرة لمواطنين فقراء عكست تلك اللوحة تناقضات وتساؤلات كثيرة .. كان مفادها كيف يتم بناء ذلك الفندق الكبير في ظل تدهور أوضاع المنطقة .. وهل هناك هدف من بنائه بجوار مساكن المواطنين البسطاء ؟ ولماذا تم إيصال كافة الخدمات إليه رغم أن بعضها ممنوع عن المواطنين في تلك المنطقة ؟ وهذا يثير حفيظة المواطنين من بناء مساكن فاخرة بالقرب من مساكنهم البسيطة .. فأين أنتم يا مسئولون من هذا كله .