لا أذكر أن عيني أدمعت منذ وقت طويل الا في تاريخ 24 أكتوبر 2014، عندما أستيقظت من النوم على الصراخ في البيت، فإذا بالخبر ينزل علينا كالصاعقة، بأن الكابتن صالح شابص، الصديق الصدوق، والأخ الوفي، توفى الى رحاب الله، في مستشفى البريهي في محافظة عدن، بعد وصوله إليه لتلقي العلاج، اثر إصابته بجلطة دماغية مفاجئة.. عندئذ هناك ماهو أكبر من الحزن وأعمق من الألم.. هذا أحساسي وأحساس كل من وجدتهم في ساحة المستشفى وممن كان يواصلنا بالتلفون، ونحن في تجمعات لا نصدق أننا في حضرة وداع رجل من أجمل وأخلص رجال ثورة 14 أكتوبر في الجنوب.. لحظة ألم شديدة إجتاحتنا، والكل كان وقتها في ساعة ذهول، عاجزين عن الكلام، لاندري من أين نبدأ الكلام؟ وكيف نتبادل الكلمات والتعازي، مهما تكلمنا أو كتبنا، سنبقى بحاجة الى مزيد من الكلمات حتى نستطيع أن نعبر عن مشاعرنا، عن أحاسيسنا، عن حزننا، برحيل الكابتن النبيل الصادق صالح شابص. إنسان وطني من الطراز الرفيع، محفور أسمه في صفحات التاريخ، كمناضل صلب ومخلص مع الشعب والوطن في الماضي وحتى وافته المنية، واحد من الكوادر الوطنية المؤهلة تأهيلاً علمياً جامعياً، حيث درس المرحلة الابتدائية في مدينة لودر في محافظة أبين، وأكمل دراسته الثانوية في مدينة الشعب في محافظة عدن، وفي عام 1968 بعث للدراسة في الكلية البحرية في مدينة باكو في الأتحاد السوفيتي من ضمن أول دفعة أرسلت بعد أستقلال الجنوب. وأكمل دراسته العليا في الكلية البحرية في الامارات.
مهما تكن الكلمات في وداع الكابتن شابص، ومهما تكن الدموع، الا أن هناك صنف من البشر يختارهم الله، سبحانه وتعالى لكي يكونوا الى جواره كمصابيح مضيئة، وبالتالي تصبح ذكراهم رصيد لأجيال قادمة، تتعلم منها معنى الرجولة والتضحية والفداء، خصوصاً أن بعض الرجال يتناثرون كالنجوم في سماء أيامنا هذه، وهبوا حياتهم لكي يعيش الآخرين، لكي ندرك عن يقين أن هذا الوطن يفقد يوما بعد يوم من رجاله أمثال الكابتن شابص.
هناك أناس يموتون كل يوم من مختلف الأعمار، ولكن هناك أناس يختارهم الله سبحانه وتعالى ليكونوا المثل المشع في تاريخ شعوبهم، فقد غادر الكابتن الدنيا الفانية وهو واقف شامخ الرأس لا يملك إلا عمله عند ربه، وسجل تاريخه الناصع في شموخ وكبرياء.. لذلك لم تودعه قرية مكيمة في محافظة أبين وأهلها الطيبين، وفي مقدمتهم: أسرة الشيخ المرحوم أحمد حسن وأولاده، والأخ عبدربه أحمد، وصالح أحمد الشيبة، وعلي أحمد وأولادهم، وأولاد وبنات الفقيد وربة الصون والعفاف، بل ودعته مدينة لودر الباسلة، وشيوخها وشباب اللجان الشعبية الأبطال، ورجال كور العواذل الأوفياء، كما ودعته قبيلة ال كويع النسيين الذين وصلوا من مرخة (العوجأ) قرية هزولة في محافظة شبوة وعلى رأسهم: الشيخ محمد أحمد محسن الكويعي، والشيخ ناصر علي شيخ الكويعي، والشيخ ناصر عبدالله لجدع، والشيخ علي ناصر فرج.
في الختام: لا أجد كلمات للتعازي ولا أجد حروف للمواساة، ولكن أعظم مافي هذه الرحلة القصيرة رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه، رحم الله صالح أحمد شابص وأسكنه فسيح جناته والهم اهله وذوية الصبر والسلوان وإنا لله وإنا اليه راجعون.