عزيزي الثائر: انت من حزت ذلك الكائن الجميل الزاهي بداخلك، وأظهرته بتلك الصورة الانسانية والاخلاقية الجميلة، وبترجمة سلوكية غاية في الجمال والابداع..لذلك سأوجه اليك رسائلي...فأنت فقط من سيفهمها ويعيها, ودعني ابدأ بقول الأديب الإنكليزي صامويل جونسون إن «الوطنية هي الملاذ الأخير للسفلة والأنذال». ايها الثائر -ليسن تو مي-لا توجد هناك وطنية، قطع رحم امها بعملية هيستريكتومي، لم يعد لها أمل بمولود جديد، سوى ذلك الذي يأتي من رحم أم زانية، لا تلبث كثيرا لترميه في صندوق قمامة في لحظة سبات عميق، داخل مدينة وضع التراب على عينيها الكليلة.
في مدينتي الجنوبية-ايها الثائر- توجد ثلة حقيرة من اللصوص والاوغاد، مقطوعي النسل والنسب المتصل بالأخلاق، تسطو بدم بارد على اراضي وأملاك الغير، لا تجد من يردعها، هناك فقط من يساندها، ويمارس معها المثلية الجنسية....في مدينتي الجنوبية-أيضا -يتم التصرف في مساحاتها الخضراء بطريقة تشبه كثيرا تلك التي يتم بها إنشاء المستوطنات الصهيونية في فلسطين(......). .. وصف أحدهم ما يجري في ادارات وهيئات السلطة المعنية بكلمات بسيطة ومعبرة بقوله ( إذا أردنا ان نحترم أنفسنا ونطهر أنفسنا فليس لدينا ما نتطهر به سوى مياه المجاري)...وأكمل قائلا بغيظ:( المؤسسات الحيوية كالمستشفى والثانوية والحديقة العامة ووو ..لم تسلم من بطش السلطة وجبروتها، وأضحت تلك المؤسسات في المزاد العلني.....)وهناك من استطاع توصيف المشهد بكلمات سوقية اكثر احترافا ونذلا.
ولا يجدر بي -عزيزي الثائر- الحديث بهذه الطريقة الميكيافيلية البشعة....لكنه جانبي السيء بزغ للتو، لم استطع كبح جماحه، ينطلق ويعلو كردة فعل يائسة ومحطمة......وسوف ألجم فيه حالما أفرغ نزعاتي المكبوتة كبركان. فالحد الذي يمكن ان تصله قبح ونتانة المشكلة التي أتحدث عنها لن تصفه كومة محدودة من الحروف والكلمات البائسة. صديقي الثائر....هؤلاء ليسوا المشكلة وإنما نموذج لرؤية المشكلة بعدسة رقمية دقيقة الوضوح.
ملهمي الثائر.. للمستشفى-في مدينتي- ايضا صورة جدارية متموجة ومخيفة، رسمت بألوان داكنة سوداوية، ذات قبح وعفانة، يتغشاك شعور مخيف عند رؤيتها، أو إطالة النظر فيها. حسنا...سأصورها لك: مبنى أثري عتيق نالت منه عوامل التعرية، لم يعد صالحا سوى لوحدة صحية، يقع في مساحة لا تتجاوز مساحة ملعب كرة قدم، مع غياب شبه كامل في البنية التحتية، ونقصان حاد في الموارد العينية والبشرية، كما لو أنها (اي المستشفى) في منطقة صراع وحروب مستمرة..حسنا - صديقي- ..
مدينتي الجنوبية تغرق في مخلفات الصرف الصحي.. يستغيث الاهالي.. تبوح حناجرهم بأقذع العبارات.. لا أحد يأبه لهم.. أو يصغي اليهم.. تضيع صيحاتهم في فضاء العهر المؤسسي للسلطة...وفي المقابل يستمر توسع بحيرة الصرف الصحي.. لتحاصر أحياء تلو الأخرى في المدينة.. لسنوات متتالية...وتتعالى باستمرار حالة الشذوذ المؤسسي والاداري.
عزيزي الثائر.. مدينتي الحضرمية المكلومة تزخر بسلاسل جبلية شامخة من القصور الأثرية والتراثية، وجدت لتحميها من زلازل الطمس والنسيان......يجري الان وفي العلن –يا صديقي- الإطاحة بأول حلقة من تلك السلسلة...لا أدري ربما تعقبها خطوة شيطانية أخرى...لست متأكدا.. عزيزي.
عند مرورك على بقع السواد في مدينتي الجنوبية ستتوقف امام مركز الامن ..لا تلتفت اليه.. يمكنك فقط ان تسأل أقرب انسان على طريقك وسوف يخبرك قصص مرعبة ليس لها نهاية عن شراء الذمم والرشوات والمحسوبية ...لا تتفاجأ عزيزي الذائر..عليك ان تتحلى برباطة جأشك وثبات عزيمتك, وان تجعل من الاخلاق ازارا ومن الشجاعة دثارا...
دولة البروليتاريا..عزيزي الثائر- ومفاهيم ونظريات الثورة الاجتماعية...تحمل العديد من النماذج الملهمة والجيدة يمكنك أخذها والاستفادة منها....وفي وجهها القبيح نماذج سيئة لا تتردد بدفنها، وإهالة التراب عليها. أيها الثائر الجنوبي....(بداية فساد السمكة...رأسها) ....المشكلة- يا عزيزي-تكمن في الرأس، في الاحتلال، التهميش، الافساد... ودورك –يا صديقي- يتعاظم ويتضخم بقدر المسئولية الأخلاقية والانسانية.