كثُر الحديث هذه الأيام عن إعدادات لفك ارتباط الجنوب عن الشمال والإعلان عن دولة جنوبية مستقلة. صح هذا الحديث أم لم يصح.. نحن أمام واقع لا يقبل الشك والتشكيك أن الوحدة اليمنية انتهت من على الأرض وفي السماء وكذلك في نفوس ومشاعر وعقول وسلوك شعب الجنوب.. ومن هنا فإن احداث متسارعة تفرض على الجنوبيين الاستعداد لاستقبال القادم من المتغيرات والمفاجآت ومن هذه المفاجآت تسليم الجنوب إلى أهله أكان ضمن دولة اتحادية أم كان مستقلاً . ولكن تسليم الجنوب لأهله اليوم ليس كمثله بالأمس عند الاستقلال الأول في عام 1967 عندما سلمت بريطانيا دولة حقيقية مكتملة الأركان (لقيادة سياسية واحدة) بغض النظر عن كيف جاءت تلك القيادة وكفاءتها وأهليتها الثقافية والسياسية .. تسليم الجنوب لأهله اليوم يضعنا أمام عقبات جسام: أُولى العقبات أن الجنوب اليوم ليس دولة كما كان بالأمس.. الجنوب اليوم صار حُطام دولة ، خسر كل مقومات الدولة أرضاً وإنساناً ، لا نجد في الجنوب اليوم غير جيش من المتسولين وفنادق ومولات ومرافق استهلاكية جميعها تستنزف أهل الجنوب لصالح الشمال.. غير ذلك خسر الجنوب بنيته التحتية الصناعية والزراعية والسمكية والخدمية والمؤسساتية وخسر كوادره الإدارية والفنية وخسر مجتمعه الواعي للنظام والقانون.. ومن أراد أن يستلم دولة بمثل هذا الحُطام دون إعداد فقد وقع في الهلاك ولا مبالغة. بمثل تلك الكارثة كم من الوقت والجُهد والمال يتطلب لبناء دولة جنوبية من جديد ناهيك عن التعويضات المقررة لضحايا الوحدة من الكوادر المدنية والعسكرية والأراضي المسلوبة والثروات المنهوبة.. مليارات هائلة وكوادر إدارية وفنية كبيرة نفتقدها وتشريعات جديدة واستقرار سياسي .. ولا شيء من ذلك بأيدينا ولا شيء من ذلك نقدر عليه.. فلا شطحات ولا مزايدة. وأما ثانية العقبات وأتعبهم على شعب الجنوب العظيم أن الجنوب اليوم زاخر بمكونات الحراك السلمي وفصائله ونشطائه ولكنهم جميعاً مختلفون ممزقون لا تجد لهم موقف موحد ولا صوت موحد وهم أعجز حتى الآن في تكوين قيادة جنوبية موحدة ومؤقتة لها برنامج عمل واحد ورؤية واحدة مهيأة لاستلام حُطام الجنوب وبناءه من جديد. تسليم وطن مدمر وممزق لمكونات سياسية هي الأُخرى مختلفة وممزقة نتيجته الحتمية أن الجنوب سيغرق في الفوضى والصراعات وربما الاقتتال مجدداً وبالتالي الضياع الأبدي.. ولا اعتقد أن أحداً يقول بغير ذلك. إذاً ما هو الحل ؟ في اعتقادي أن هناك أربعة خيارات للحل لا خامس لهما.. وعلى شعب الجنوب العظيم أن يختار : الخيار الأول والأمثل هو لقاء جنوبي جامع وعاجل يخرج لنا بقيادة جنوبية موحدة و (مؤقتة) تتبنى برنامج عمل سياسي وميداني موحد ولو بحده الأدنى وبرؤية موحدة ولو بحدها الأدنى تقود شعب الجنوب ودولته سلمياً إلى فك الارتباط مع الشمال والتحرير والاستقلال. المؤسف أن أهم أوجه الخلاف بين قيادات الجنوب كما أُشيع يتحدد في: أيُ دولة نريد لها فك الارتباط من الشمال ؟ هل هي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بهويتها وعلمها) أم هي (دولة اتحاد الجنوب العربي بهويتها وعلمها) ؟ ولمعرفة الحقيقة سألنا أهل الرأي والمعرفة فافتوا لنا بالتالي: الحقيقة الأُولى: جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بهويتها وعلمها هي الدولة التي كانت قائمة ومعترف بها دولياً ثم دلقناها في وحدة مع الشمال عام 1990م، فأي خطوة لفك الارتباط مع الشمال من الأولى أن تكون تحت هذا المسمى. الحقيقة الثانية: أن الأصل في مسمى الجنوب أنه (دولة اتحاد الجنوب العربي بهويتها وعلمها) وذلك عند الاستقلال الأول من بريطانيا.. وما جاءت التسمية الأُخرى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بهويتها وعلمها إلاَ نتاج المراهقة السياسية والفشل السياسي الذي عانينا منه منذ العام 1967م. ومعروف أن دولة اتحاد الجنوب العربي كانت تضم عدن ومحمياتها ولم تكم تسمية (اليمن) مقترنة بهم.. علماً أن ما يُعرف باليمن اليوم كانت عبارة عن دويلات تحت ما كان يُعرف (بالدولة القاسمية) ثم (الدولة المتوكلية الهاشمية) ثم في عام 1918م فقط ظهرت تسمية (المملكة المتوكلية اليمنية). ومع علمنا بأهمية الاسم والهوية والعلم إلاَ أن الأهم اليوم هو (الاتفاق على قيادة سياسية جنوبية موحدة) تعمل على فك الارتباط واستعادة الدولة فهل عجزنا عن أن نتجاوز هذا الخلاف بأن نستعيد أولاً دولتنا الجنوبية تحت أي مسمى حتى يُستفتي شعب الجنوب في دستوره الدائم. الخيار الثاني أن نجازف مندفعين إلى ما نراه أهون الخيارات وهو تسليم وطن الجنوب المدمر والممزق تتلقفه مكونات سياسية جنوبية هي الأُخرى مختلفة وممزقة فتكون النتيجة الحتمية أن الجنوب سيغرق في الفوضى والصراعات وربما الاقتتال والعودة مجدداً إلى عام 1986 وما قبله وبالتالي الضياع الأبدي والسقوط النهائي والفشل المحتوم.. والمجتمع الدولي لا يقبل أن يكون في الجنوب دولة فاشلة لا تستطيع أن تحمي مصالحه ولعل ذلك هو السبب الأهم الذي يجعل المجتمع الدولي لا يلتفت إلينا. الخيار الثالث أن نريح أنفسنا من كثرة الخلافات ونترك وطننا الجنوبي كما هو عليه تحت الهيمنة والتسلط الشمالي وهذا هو الخيار الأسوأ .. فهنيئاً لهم ما تبقى من حُطام دولة. الخيار الرابع مثله مثل آخر العلاج الكي.. وهو أن يتقدم عُقلاء الجنوب بطلب كتابي نعترف فيه بفشلنا في إدارة بلدنا على مدى 50 عاماً كلها خلافات وصراعات ودماء حتى ضعنا وضاع كل شيء ، وننفتح في هذا الخطاب على المجتمع الدولي وبخاصة (بريطانيا) لنطلب منهم المساعدة في بناء دولتنا الجنوبية وإدارتها من جديد لفترة زمنية محددة حتى نستطيع أن نتأهل ذهنياً ونفسياً وثقافيا وسياسياً لنحكم أنفسنا حُكم آدمي رشيد بعيداً عما تعودنا عليها من خلافات وصراعات ودماء وقتال وضياع ، ولا ننسى ما كان لبريطانيا في عدن من ماضي لازلنا ناسف عليه حتى اليوم. الأحداث تتسارع والوقت يجري وعلى شعب الجنوب العظيم أن يختار.. فإذا لم يكن الحل في احدى تلك الخيارات ، فما هو الحل بربكم ؟