بدا واضحاً وجلياً أن الزيارة الأخيرة لقادة ووفود إخوان اليمن إلى صعده '' قبلة اليمن '' السياسية والثورية تأخذ منحىً آخر لما رسم له , وتداعيات مختلفة لما تم الدعوة إليه من التسامح والتصالح والشراكة الوطنية, ولم تكن جادة وخالصة لوجه الله بالتزامن والدعوة إليها في ظروف تمس الجماعة وتهدد وجودها وتقوض بنيانها أكثر مما تمس الوطن, وتدق مفاصل و عظام الإخوان أكثر من كونها مصالح يمنية صادقة. اعترافات سام الأحمر الأخيرة عن تورطه المباشرة في حوادث اغتيال الدكتور أحمد شرف الدين والدكتور عبدالكريم جدبان و الدكتور محمد المتوكل يضع العديد من التساؤلات عن سر الزيارة المستعجلة و الطارئة في وقت بدا إعلام الإخوان اكثر حذراً و تودداً و ترقباً لطرح المصالحة الوطنية بعد البيان العاصفة الكارثة الذي أخذ على عاتقة نسف العملية السياسية برمتها و بما كانت الضربة- لتسليم الجناة- موجعة و مؤلمة لحد الصراخ و البكاء, خرجت رحيمة بدموع ثكلى بشكل بيان أشبه ما يكون إلى '' بكائية إخوانية '' أكثر من كونه بيان سياسي يتمتع بالحكمة و اللباقة و المرونة, مع التزامن مع أحداث الحصبة الأخيرة المثيرة من استفزاز اللجان الشعبية و مطاردة الجناة و تسليمهم مؤخراً من قبل الشيخ صادق ( سام الاحمر و حاتم الوادعي ) و وعوداً بتسليم المشتبه الثالث عادل الأحمر. طواعية التسليم و على مضض للجناة المشتبهين مباشرة في الاغتيالات السياسية للشخصيات القيادية العملاقة مما سبب شرخ و نزيف وطني دامٍ لا ينتهي , يضع هو الآخر سؤال عن سرعة التجاوب وبت الأمر وسرعة تسليم الجناة استباقا لعاصفة الاتهامات والفضائح والأسرار والقذف بمتهمين جدد في قفص الاتهام, كما جرت عليه العادة من تعامل عتاولة الإجرام في تقديم الكباش الصغيرة لحفظ الرؤوس الكبيرة في أمان, اعترافات سام وزمرته الإرهابية المنتمية إلى الجناح القبلي- العسكري للإخوان يضع الحزب برمته في مواجهة الشعب و في موقف لا يحسد عليه و محرج للغاية, ويضع حد للتكهنات و التساؤلات عن علاقته المشبوهة بسلسلة الاغتيالات السياسية على المحك, و يحسم الجدل القائم عن تورطه المباشر في الإجرام السياسي و الجريمة المنظمة, مع توافر الأدلة القطعية عن تعامل قياداته بالجماعات الإرهابية الخارجة من عباءة الحزب و توفير الغطاء السياسي للإرهاب, و مع اكتشاف المنظومة الإرهابية و المصانع و غرف العمليات المليئة بالمتفجرات والألغام و العبوات و الأحزمة الناسفة في مقرات جامعة الإيمان و الفرقة و دور تحفيظ القران التابعة للحزب ومقاره في شتى ربوع الوطن. وبهذا تكتمل أركان الجريمة السياسية .. الأداة و المسبب و الدافع و المحرض و الممول و المخطط و المنفذ و تصبح قضية جنائية '' سياسية '' وطنية بامتياز, بل وتكشف عن العلاقة المتماهية للإرهاب بالجماعة ككل و التورط في حادثة النهدين و النفق و كما دفعها للالتجاء والاحتماء بالسيد عبدالملك الحوثي في صعدة ما صرح به مباشرة الرئيس السابق في مقابلته الساخنة مع قناة السي بي سي المصرية وعن وعود بتسليم المتهمين للعدالة , وعلى نفس الوتر تلجأ الجماعة إلى صعدة قبل أن يسبق السيف العذل و تتوسع دائرة الاتهام و تجر معها قيادات إخوانية أخرى تشمل الصف الأول أمثال اليدومي والآنسي وغيرهم وهذا ما يفسره الوفد رفيع المستوى بقيادة عبدالوهاب الآنسي نفسه لصعده. كانت عجلة الأحداث تدور بسرعة كبيرة و في سباق مع الزمن لإقرار قانون التصالح و التسامح في مجلس النواب بالتزامن مع التحركات عبر مؤتمرات لوضع رؤية جديدة مكملة للقرار, كما حصل عن مؤتمر بروكسل للعدالة التصالحية و دأبت قيادات الحزب لاستجداء العطف و تخفيف اللغة التحريضية و الهجومية على أنصار الله لكسب ودهم للتكتم على فضائح الحزب المدوية, و هذا ما بدا واضحاً في مواقف توكل كرمان الأخيرة من إغتيال الأمين العام المساعد للحزب في تعز صادق الحيدري و دعوتها لجماعة أنصار الله للصبر والتأني وعدم الانجرار الى ردود أفعال متبادلة, كما رحبت مؤخرا بالزيارة الأخيرة لصعدة و تتمنى لهم النجاح في الاتفاق لنزع التوتر القائم. يأتي أيضاً بالتزامن مع الجهود الحثيثة لمنح حكومة بحاح الثقة و تمريرها تحت قبة البرلمان ذو الاغلبية المؤتمرية المنسحبة من الحكومة, تحالفات من نوع ما يشهدها العراك السياسي اليمني تحركها مصلحة كل طرف وتخوفه من الطرف الأقوى, الاصلاح و بخوفهم من الرئيس السابق يخطبون ود أنصار الله لمعرفتهم الشديدة بالحلم و السماحة التي يتمتع بها السيد عبدالملك الحوثي و إيقانهم الشديد بصدق مواقفة ودعواته للمصالحة, المؤتمر بدوره يلجئ الى أنصار الله لتخليصه من بطش الاخوان بدوافع انتقامية سابقة, والحراك الجنوبي بدوره الآخر - ومع تبدد الثقة - فتح باباً واسعاً للتواصل مع الحركة, ويبقى أنصار الله هم الرقم الأصعب والرئيس في اللعبة السياسية. وليس ببعيد عن تحركات الإخوان الأخيرة ما يجري في الساحة الدولية من تفكك الجماعة و تغير التحالفات و مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية , حيث وجد نفسه وحيدا بعد كسر شوكته و موت الحاضنة الأم في مصر, ومع تحذيرات الحراك السياسي و الشعبي في الجنوب بالانفصال, تأتي هذه المتغيرات لتجعل الإخوان يهرولون الى المنقذ المخلص من شر وتآمر ونتائج سياساتهم الرعناء , والبحث عن ضمانات ضمن صفقات متبادلة تجعل لهم موضع قدم في أي تغيرات مرتقبة. ويبق السؤال الأهم عن سير مجرى العدالة و الخطوات التي سيتخذها أنصار الله في التعاطي مع الوضع القائم والاقتصاص لدماء الشهداء مع البقاء على مستقبل الوطن نصب أعينهم هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.