أمراء الحرب يقتاتون الآن على آلام وأوجاع الشعب وعلى مشاهد القتل و الدماء, ويروّجون الوطنية بضاعة بائرة في المزاد التآمري , ويحصدون الإجرام أرصدة من الجماجم و الضحايا, ويتنفسون على حمم براكين الفساد أعمدة دخان تآمرية متصاعدة لا تفرق بين لون الجنة ومنظر الدماء, مزهوّون بانتصاراتهم على شعب أعزل, فبعد أن تجرع من ويلات أعمالهم الفقر والجهل والمرض والتخلف لعقود طويلة, يسومونه الآن سوء العذاب و ويلات الحرب والدمار. لم يتركوا لهذا الشعب المغلوب متنفساً للحرية والحياة الكريمة, ولم يتركونه يعيش بهدوء و وئام وسلام, تقاسموا رزقه وقوته حتى الهواء تسابقوا لحرمانه منه, شعب مخنوق في أسرة مقهور في حاله مغلوب على أمره, وحينما انتفض ثائراً مطالباً بحياة كريمة فحسب تكالبوا عليه وتجمهروا على مطالبه المشروعة, فكيف للعبيد أن تثور على الملوك منطق (الإقطاعية والدكتاتورية في أبشع صورها المنحلة والوضيعة) وباسم الجمهورية المتدثرة رداء الملكية الفاضحة تناوبوا على قمعه وتشريده وتهجير أبناءه واستغلال مقدراته ومدخراته وخيراته, العزلة الخانقة والبرجوزاية الماحقة والطبقية السخيفة التي يعيشها أمراء الحرب لا يدركون معها أن هناك شعباً محتاجاً يأنٌ تحت مطرقة الأوضاع البائسة ومقصلة الفساد الجاثم على الصدور. وخلف أسوار القصور العالية والتباب المرتفعة تراكمت أكواخ وعشش الفقراء, وأنّ هناك الملايين يكابدون الفقر والحرمان والحياه الصعبة و يحيون المعاناة, وأن هناك جموع تفترش العراء ومنها تبحث عن أعمال في ظل بطالة مستفحلة, بسبب سياساتهم الرعناء ومنهجيتهم الحمقاء, تركوا من الوطن شركة استثمارية كبيرة لمشاريعهم الجهنمية تاجروا بكل شيء بالمال والسياسة والنفوذ وجعلوا من السلطة مُطية لأحلامهم وأمانيهم الاستعلائية وغرائزهم الإستهوائية الوضيعة, واشتروا كل شيء المبادئ والقيم والصحف والأقلام المأجورة وتاجروا بالأفكار والثقافة, بل وتاجروا بالوطن برمته وتلاعبوا به إشباعاً لرغبة الأنا ولأنانيتهم وفجاجة السياسة البراغماتية, وحينما تنتفض إصراراً وعناداً وتمرداً لاستعادة الوطن المسلوب والمال المنهوب والحلم الضائع, وحينما تثور بكل جموح لتستعيد روح الجمهورية الضائعة والعدالة المنقوصة وطلباً للمساواة تنهش فيك أياديهم وتخرس صوتك بلا رحمة. أمراء الحرب في اليمن هم تلكم الطغمة والشرذمة المتوارية خلف ستار الحكم والسلطة والنفوذ, ويديرون اللعبة في الخفاء عبر أذرع مأجورة وأياد طويلة متشعبة في كل مرافق المؤسسة الحاكمة بطريقة متسلسلة ومتناسقة ومنظمة ومتكاملة (منظومة فساد متكاملة) ويمكن تلخيص تصنيفهم كالآتي. -(أمراء الحرب العسكرية) ومن تدعي أنها من الجيش ولكنها غلّبت الولاءات الحزبية واستنفرت جموعها ضد الشعب , وبذا أصبحت أقرب ماتكون إلى ميليشيات متحركة تتبع قائد الفرقة وتحركها جماعة الإخوان المسلمين وتجعل منها أداة قمعية لضرب معارضي الحزب وتوجهات مافيا الإجرام فيه, حيث وان الحزب خرج عن معادلة التشكيلة السياسية وتجرد من مفهومه الحزبي السياسي الى اقرب ما يكون الى مليشيات متطرفة وجماعات إرهابية ذات صلة وثيقة بالقاعدة وتنظيم داعش بغطاء سياسي , تغذي العنف وتبث الكراهية والأحقاد الطائفية في عموم أرجاء اليمن, وتستمد شرعيتها من الغطاء الحاكم وتحت راية الجيش ولواءه . ومع تصدر الحزب الى قائمة النظام -عبر انقلاب على الثورة- توّجت أنشطته الكثيفة والمشبوهة بإدخال جماعاته الى تلك الألوية والوحدات بعملية (تجنيد ممنهج) وأغلبها ذات سوابق ومشبوهة بعلاقتها المؤكدة بتنظيم القاعدة, وتم تجنيد عشرات الآلاف وبدأت تتغلغل في الجيش مما سبب في ترهله وإضعافه وكسر شوكته بسبب تناقض الولاءات ومع العمليات الإرهابية التي كانت تستهدفه توضح مدى علاقة وتواطؤ الوحدات المستحدثة مع كل عملية إرهابية غادرة , يمثل هذا الجناح المتشدد قائد الفرقة الأولى مدرع المنحلة الجنرال العجوز على محسن الجناح العسكري الميليشاوي لجماعة الإخوان المسلمين, أمير الحرب المفتون بنيران الحرب, تاريخه الدموي الأسود شاهداً عليه من حروب صعده الست إلى الجنوب واستباحة الدماء والممتلكات الى ثورة 2011 حينما تكلّلت جهوده الحربية باستهداف وحدت الجيش والحرس الجمهوري والقوات الخاصة بل وتورط قواته المباشر في قتل المتظاهرين العزل لشد أنظار الرأي العالمي ضد شرعية النظام وكسب مزيداً من التعاطف والتناصف في الحكومة, بل وعلاقته المباشرة مع أحداث جمعة الكرامة واختفاء منفذي العملية الذين كانوا بحوزته . هناك ما يثبت أن أرضية الفرقة مستودع خصب تحوي أسراراً غزيرة عن خفايا الحكم لعقود طويلة و عن المخفيين قسرياً و المنفيين وتعتبر الصندوق الأسود لتأريخ اليمن الأسود والأشد حلكة في هذه المرحلة الظلامية القاتمة, الرجل بغريزته الدموية والإجرامية وبفطرته الملوثة برائحة الدماء يستمر على ذات المنوال في التصدي للثورة السلمية ويسعى جاهداً مع عصبته المتمترسة خلف الإيديولوجيات الدينية المتطرفة لجرّ الوطن الى حرب مستعرة شاملة. (أمراء الحرب القبلية) ويمثلها ( آل الأحمر) وفي الواجهة حميد الأحمر الشيخ الشاب الذي تصاعدت ثروته بشكل لافت للنظر بعد ثورة 2011 من خلال الكسب غير المشروع والتهرب الضريبي والاستحواذ على عقود النفط و الكهرباء وشركات الاتصالات والتواطؤ مع وزراء حكومة الوفاق المحسوبين على التجمع اليمني للإصلاح حيث يعتبر أحد قادته وركائزه و إن كان غير ظاهراً في الشاشة السياسية بشكل واضح إلا أن تحكمه في القرارات السياسية بل والسيادية عبر أيادي الخفية منها والمعلنة بشكل يوضح مدى تشعب إمبراطورتيه التي تزاوج فيها المال والسياسة والفساد بشكل متواتر معاً, لدرجة تحكّمه في رئيس الوزراء عبر سكرتيره المباشر سالم بن طالب اليد التي لا يمر توقيع او قرار من الغرفة السياسة الا بعلمه ومعرفته وموافقته واقراره والتوقيع عليها, المطبخ السياسي اليمني يديرونه طباخون سياسيون محسوبون على ديوان الشيخ وتحت عباءته, يقدمون له وجبات جاهزة مطبوخة بعرق الغلابى وكدح الكادحين بنكهة الفساد الطاغي التي ازكمت الانوف من شدة انتشارها في الآفاق -عن حكومة الوفاق أتحدث- صور الفساد عديدة وكان من ضمنها التوجيه صراحة بتوظيف الآلاف من المحسوبين على حزب الاصلاح و صرف المال من الخزينة العامة دون حساب ودون أدنى دراسة اقتصادية جادة للتقشف في حالة العجز القائم. العبث الذي طال فساد وزارة المالية حين استلام الوزير السابق لحقيبة الوزارة صخر الوجيه يضيف وجها آخراً من وجوه الفساد المالي وأمراء الحرب, حميد الأحمر أمير حرب من الدرجة الأولى ( بارون حرب) وما شهد له من إثارة اكثر الأحداث ضراوة في اليمن وتقلبها بدعمه المباشر, لدرجة أن باسندوه رئيس الوزراء -حسب تعليمات الشيخ الشاب- يرفض الاستقالة من منصبه بل ويطالب بتنحي الرئيس عبدربه منصور هادي بحكم المبادرة الخليجية التي أتت بهما سوياً, ويرفض حميد الأحمر جملة وتفصيلاً أي توافق مع جماعة أنصار الله لا من قريب أو بعيد أو تشكيل حكومة كفاءات وطنية ويهدد بالمبادرة الخليجية وشرعية النظام كمرجعية قائمة, ومن أمراء الحرب القبلية ولتعدد الأسماء البارزة يمكن اصافة قائمة من إخوانه التسعة ومشائخ القبائل الموالية لهم وان انهارت مملكتهم في حاشد بأيدي القبائل وتلاشى نفوذهم نهائياً , إلا ان سحر المال مازال يسيل له لعاب كثير من السياسيين والكتّاب للإسهام في قلب الحقائق واثارة النعرات الطائفية والحزبية وحماية عرش الشيخ و مملكته. -(أمراء الحرب السياسية) ,, ويمثلها بدرجة أساسية قيادات حزب الإصلاح بلا استثناء التي تتناغم في الولاءات والتحالفات مع أمراء الحرب القبلية و العسكرية وتشكل بتحالفها شبكة ومنظومة متكاملة من أدارة الأزمات وافتعال الحروب خاصة حينما تكتسب الدعم الخارجي على مرأى ومسمع عبر اللجان الخاصة سابقاً ومن السعودية و قطر , في إطار السياسة الخليجية لدعم اخوان اليمن للتخلص من الثورة الشعبية ووأدها, أكثر ما يميز هذا الفصيل من الوجوه هم محمد اليدومي وعبد الوهاب الآنسي ومحمد قحطان أضف الى ذلك القيادات الشابة والوجوه الجديدة التي أخرجتها المدرسة الإخوانية على مدى أعوام من التربية الإخوانية التي تضع في أولوياتها ومن أهم أدبياتها وعقائدها الولاء للجماعة أولاً. -(أمراء الحرب الدينية) .. ويمكن تصنيف هذا الجناح الحربي الى صنف مشائخ وعلماء الدين في حزب الاصلاح وتضيف الغطاء الديني للتحركات القبلية والميليشاوية و السياسة جميعاً, عبر إصدار الفتاوى كما حدث في حرب صيف 94 وما بعدها من حروب صعده الست وشرعنة القتل واستباحة الدماء والتحريض على الفتن بين أبناء الوطن الواحد, واستخدام المنابر والمساجد كفوهات مدافع تقذف حمم الفتن وبراكين الغضب تجاه الشعب وخياراته المشروعة, وتستخدم مدارسها ومقارها ومرافقها كثكنات عسكرية مترسنة بالأسلحة ومؤدلجة بنكهة الحرب و التطرف والإلغاء , وتسعى جاهدة لتأجيج نار الحرب بين أبناء الوطن الواحد, أبرز من يمثل هذا الجناح المتشدد الشيخ عبدالمجيد الزنداني ومحمد الحزمي وعبدالله صعتر و عبدالوهاب الديلمي الشهير ب (فتوى الجنوب) و ما تلاها من حروب واستباحة لدماء الأخوة في الجنوب. ربما هذه الفئة من أمراء الحرب هم الأشد ضراوة و قسوة عن بقية مقومات العمل الإجرامي والحربي ومكوناته, كونها توفر الغطاء الديني بل وتساهم في إرباك الرأي العام و العمل الشعبي وتشتت الوحدة الوطنية حينما تستنفر الجموع باسم الخطاب الديني المتعصب و التحريض على إثارة الطائفية و المذهبية و المناطقية, بل وقلب الحقائق واستنفار الأخوة لحمل السلاح والدفاع عن مقدسات الجمهورية والدين وحماية مكتسبات الوطن, المزايدة واستخدام الشعارات كسلاح ناجع أستفاد منه أمراء الحرب في كسب مزيداً من المغرر بهم مما ساهم في شق الصف والالتفاف على مطالب العامة, بل يعتبر أمراء هذا الجناح في ذات الوقت أمراء حرب لتنظيم القاعدة والارهاب ومن جامعة الإيمان ومدارسها تخرج الإرهابيون القاعديون الدواعش وتم تفريخ وتدجين الأصوليين من مدرجاتها وساحاتها وتحولت الى ثكنات عسكرية مترسنة بمختف الاسلحة والمتفجرات, ودور التحفيظ وما ثبت عن احتواءها الكثير من الألغام المتفجرة والأسلحة وصواريخ اللو والعبوات الناسفة وغيرها مما يستخدم في العمليات الإرهابية يثبت تورط الحزب وجماعته في كل مصائب واغتيالات الوطن . وهذا ما نراه واضحا في التعامل مع الأحداث ورفض مشائخ هذا التيار الإعلان صراحة عن موقف واضح من الإرهاب وذبح الجنود في الحوطة وتفجير السبعين والعرضي وكلية الشرطة وقتل الشباب العزل أمام مجلس الوزراء عبر جنود ملثمين مجهولي الهوية والانتماء وما نتج عن مواجهات شملان في إقحام أياديهم بلباس عسكري في مواجهات قبلية مع ميليشيات الإصلاح ومحاولة إثارة الفتنة في معسكر السواد بافتعال مواجهات و ضرب مبنى الإذاعة والتلفزيون والأحياء المجاورة واستهداف المدنيين وقبله ما انتهجه الحزب من القتال وراء واجهات و جبهات عديدة في عمران والجوف ومأرب, ومنه توسع التنظيم واشتداد بأسه في رداع بزعامة قياداته ومنظّريه و داعميه , وماشابهها من أعمال إجرامية إرهابية, بل وتصدرت اسماؤهم قوائم الإرهاب الدولية وأثبتت مشاركتهم الفاعلة في تجنيد الإرهابيين وإرسالهم للقتال في سوريا عبر تركياوقطر. إذن ومما سبق يوضح ان منظومة الحرب متكاملة الأركان والأعمدة مستوفاة الشروط لشن أي حرب بركائزها الثلاثة ( السياسية -المالية-العسكرية) بدعم المال والسلاح والفتوى الدينية الجاهزة والغطاء الديني والتوجه السياسي يجعل من اللوحة كاملة المعالم و دون رتوش تقذف بالوطن الى هاوية الحروب والانفلات الأمني, اذا لم يتم التصدي لها بحزم وقطع دابرها فسيستمر مسلسل الفساد الذي تشعبت جذوره بفعل هذه العصبة وزادت ضراوته بفعل العوامل مجتمعة أدت الى استفحال الورم السرطاني و توسعه في كافة مرافق الدولة وجعلت من اليمن أشبه ماتكون بساحة حرب مفتوحه و مملكة تدير لعبتها رموز الفساد و توجه مسيرتها أياد أقليمية عبر نسيج متكامل من التآمر والإرهاب لخنق المسيرة الشعبية ليمن تواق للحرية والانعتاق من الأوضاع المتردية والإنصياع للخارج عبر الوصاية الدولية, أمراء الحرب يعدون العدة في آخر رمق لإنقاذ إمبراطورية الشر التي بدأت تتهاوى صخرتها وينهار بنيانها مع الهبّة الشعبية وبذا سيحاولون مجدداً جرّ الوطن الى أُتون حرب خاسرة هم وحدهم من سيدفع ثمن إشعالها وبذا تكتب نهايتهم الحتمية وتسطر تأريخهم الأسود بأحرفٍ من نار.