تسارعت الأحداث في صنعاء أمس على نحو دراماتيكي على خلفية تصعيد جماعة الحوثيين للانقلاب على الرئاسة اليمنية، وشهد محيط القصر الرئاسي اشتباكات عنيفة بين قوات الحماية الرئاسية ومسلحي الجماعة وسط أنباء عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، فيما نجا رئيس الوزراء خالد بحاح من محاولة اغتيال وأفشلت الجماعة اتفاقاً مع الرئيس عبدربه منصور هادي لوقف إطلاق النار قبل أن تؤكد وزارة الداخلية بدء سريانه. ويتوقع مراقبون أن تشهد الساعات المقبلة مزيداً من التطورات الدراماتيكية، في ظل تسريبات عن مساع حوثية لإطاحة هادي وفرض مجلس عسكري خاضع للجماعة يتولى إدارة شؤون البلاد بالتنسيق مع حزب الرئيس السابق علي صالح. واستقدم الحوثيون تعزيزات مسلحة وآليات قتالية ومدرعة من معقلهم في صعدة وعمران (شمال) ونشروا عناصرهم بكثافة في شوارع العاصمة، قبل أن يتمكنوا من السيطرة على معسكر «اللواء الثالث حماية الرئاسية» المطل على القصر الرئاسي. وبدأ السكان النزوح من المناطق والأحياء القريبة من المواجهات في ظل وجود أزمة مشتقات نفطية وانعدام للغاز المنزلي فاقم منها إجبار القبائل الجنوبية في شبوة وحضرموت شركات النفط على وقف الإنتاج احتجاجاً على خطف الحوثيين مدير مكتب الرئيس هادي. وكان مسلحون حوثيون خطفوا السبت مدير مكتب رئيس الجمهورية أحمد عوض بن مبارك الأمين العام لمؤتمر الحوار الوطني واقتادوه إلى مكان مجهول بعدما اتهموه بمحاولة الانقلاب على اتفاق «السلم والشراكة الوطنية» ومحاولة تمرير مسودة الدستور الجديد التي نصت على تقسيم البلاد ستة أقاليم فيديرالية بخلاف إرادة الجماعة الرافضة لصيغة التقسيم. ومنذ الصباح الباكر احتدمت الاشتباكات في محيط القصر الرئاسي باستخدام مختلف الأسلحة وامتدت إلى مبنى الجهاز المركزي للأمن السياسي (الاستخبارات) وشارع الستين قرب منزل الرئيس هادي، وسقطت قذائف على مسجد ومستشفى قريبين من القصر الرئاسي، ووصلت قذيفة إلى حرم جامعة صنعاء التي أمرت إدارتها بوقف الدراسة وتأجيل الامتحانات. وقالت مصادر عسكرية ل «الحياة»، «أن المسلحين الحوثيين طوقوا معسكر اللواء الثالث حماية رئاسية الذي يتولى حماية القصر الرئاسي بعد اشتباكات عنيفة قبل أن يسيطروا عليه عصراً ويسمحوا للجنود بالمغادرة مع أسلحتهم الشخصية». ولم تتوافر معلومات دقيقة عن حجم الخسائر في الأرواح، إلا أن مصادر أمنية وطبية أكدت ل «الحياة»» سقوط العشرات بين قتيل وجريح بينهم مدنيون سقطوا جراء إصابة قذائف مسجداً ومستشفى ومنازل في محيط القصر الرئاسي. وكشفت وزيرة الإعلام نادية السقاف في تصريحات رسمية، عن اجتماع في الصباح ضم الرئيس هادي ومستشاريه ورئيس الوزراء خالد بحاح إلى جانب قياديين حوثيين هما مستشار هادي صالح الصماد ومهدي المشاط، تم خلاله الاتفاق على وقف فوري لإطلاق النار وتشكيل لجنة برئاسة الصماد وعضوية وزيري الدفاع والداخلية محمود الصبيحي وجلال الرويشان لتنفيذ الاتفاق ميدانياً. وأضافت السقاف أنه تعذر تنفيذ الاتفاق بسبب تعرض رئيس الوزراء بحاح والقادة الحوثيين إلى إطلاق نار استهدفهم بعد خروجهم من منزل هادي، مؤكدةً أن بحاح لم يتمكن من الوصول إلى منزله وأنه في مكان آمن نافية تعرضه لأي أذى. كما أكدت خروج وسائل الإعلام الرسمية عن سلطتها بما فيها التلفزيون الرسمي ووكالة الأنباء (سبأ) وصحيفة «الثورة» الرسمية، بسبب سيطرة الحوثيين على هذه الوسائل وتوجيهها لخدمة أجندة الجماعة. وتوقفت المصالح الحكومية في صنعاء عن العمل، بالتزامن مع إجبار قبائل شبوة وحضرموت شركات النفط على وقف الإنتاج احتجاجاً على خطف بن مبارك. واتهم مراقبون نظام علي صالح بتأجيج الأوضاع بين هادي والحوثيين، وهو ما سارع صالح إلى نفيه في تصريح صادر عن مكتبه داعياً «كل الأطراف إلى تغليب صوت العقل والحكمة اليمانية على صوت الرصاص والبندقية». وكان مستشار الرئيس هادي عن جماعة الحوثيين صالح الصماد قدم مبادرة لإنهاء التصعيد بين الرئاسة وجماعته قبل ساعات من تدهور الأوضاع اقترح فيها تصحيح وضع هيئة الرقابة على كتابة الدستور، وحذف المواد المتعلقة بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم في مسودته الأولية، والموافقة على منح الحوثيين وحلفائهم نصف المناصب الحكومية في الهيئات والمؤسسات والأجهزة الأمنية والعسكرية، وإزالة معسكرات مسلحي القبائل المرابطين على حدود محافظة مأرب النفطية وتغيير مسؤولي المحافظة الأمنيين والعسكريين والمدنيين.