حدثان شغلا الإعلام في المنطقة والعالم هذا الأسبوع، إضافة إلى استمرار الانشغال بالتطرف والإرهاب؛ الحدث الأول الإغارة الإسرائيلية على الجولان استهدافا لموقع للحرس الثوري الإيراني وحزب الله. والحدث الثاني ازدياد التردي في الأوضاع اليمنية على وقع طلب إيران من الحوثيين تصعيد الضغوط على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. لقد كان الوضع في المنطقة بين إيران والعرب والولاياتالمتحدة منذ عام 2009 – 2010، أن إيران تتشارك مع أميركا في مناطق النفوذ والاحتلال ما بين أفغانستانوالعراق، أو تحل محلها إذا آثرت أميركا الانسحاب أو الانكفاء. وهكذا بدت إيران كأنما تحقق مكاسب استراتيجية، سوف يجري تتويجها باتفاق مزدوج مع الولاياتالمتحدة في عهد أوباما يشمل تسوية حول النووي، وتوافقا بشأن مناطق النفوذ في المشرق العربي، وأفغانستان. وقد بدأ «التطبيع» بالسيطرة على قسم من الموارد في العراقولبنان، واستقرار الغلبة على بعض المناطق والبلدان، بحيث ينتفي كل تفكير أميركي أو تردد في إجراء الصفقة المزدوجة والمتوقعة. على أنه ما كاد يمضي عامان على الاطمئنان الإيراني حتى اندلعت حركات التغيير العربية، التي بدأت تغير الرؤساء والأنظمة خلال عام 2011. وقد بدت إيران مقسمة الرأي والعقل تجاه التغيير العربي بجوارها. أما الحرس الثوري فكان ضد حركات التغيير بالمطلق، وقد اعتبرها مؤامرة أميركية على «حلفاء» الولاياتالمتحدة لإنتاج أنظمة أكثر تبعية! في حين ترددت القيادة السياسية والدينية إلى أن أعلن خامنئي أن الثورات إسلامية، وتشبه الثورة الإيرانية وعلى مثالها! وبعد تكأكؤ استمر شهورا وفي وجه حركات التغيير، وبخاصة في سورياواليمنوالعراق، دفعت إيران ميليشياتها والمالكي في تلك البلدان للتصدي للشبان التغييريين. وفي أواخر عام 2012 كانت إيران تتدخل أو تحاول ذلك لمواجهة التغيير العربي في غزةوسورياواليمن والبحرين والعراق. وما اكتفت بالميليشيات (العربية) التابعة لها، بل دفعت بمئات من ضباط الحرس الثوري وخبرائه لقيادة الميليشيات ثم دفعت بأرتال من الحرس صار عددهم يقدر ب15 ألفا في منتصف عام 2014، إضافة بالطبع إلى حشود الميليشيات الشيعية المحلية بلبنانوسورياوالعراقواليمن، وصولا إلى أفغانستان التي استقدمت منها مقاتلين إلى سوريا! وإذا كان التصدي لحركات التغيير ما كان في الحسبان عام 2010، فإن ما لم يكن بالحسبان أيضا لدى إيران: عدم التوفق في إنجاز اتفاق حول النووي بعد قرابة العامين من التفاوض رغم رغبة أوباما المعلنة في ذلك! وهكذا ازدادت على إيران الخطط الاستثنائية، وازداد الإنفاق، وفقد صناع السجاد المضروب المثل بصبرهم القدرة على إظهار النجاحات والانتصارات. فقد أضيف إلى هموم مواجهة التغيير العربي والصمود الغربي بشأن النووي، وبالتالي استمرار الحصار، أمران خطيران: «داعش» والإرهاب (العربي والسني)، والانخفاض المريع في أسعار النفط! لقد جاء خريف عام 2014 وإيران منهمكة عسكريا وأمنيا وماديا على جبهات متعددة: في العراق عليها تدريب وقيادة مائتي ألف من الميليشيات العراقية حتى لا يصل المتطرفون إلى حدود إيران. وفي العراقوسوريا صار هناك أكثر من 15 ألفا من مقاتلي الحرس الثوري - وميليشيا حزب الله تقاتل في سوريا، إلى جانب ميليشيات عراقية وأفغانية، وشبيحة الأسد - وفي اليمن طلبت إيران من الحوثيين القيام باندفاعة أخرى للضغط على دول الخليج، وإظهار حاجة الولاياتالمتحدة والغربيين إليها في مكافحة الإرهاب في كل مكان! لقد كانت إيران تتحدث طوال عامين عن استقرار انتصارها في لبنان، وتقدم أنصارها في اليمن، وصمود بشار الأسد في سوريا، والمالكي في العراق. وما عاد شيء من ذلك قائما الآن. إن المشكلة أيضا أنه وبعد هذه الاندفاعات المحسوبة وغير المحسوبة؛ ما عادت إيران تستطيع التراجع في أي مكان في هذه الظروف بالذات. فالولاياتالمتحدة ما أدخلتها حتى الآن في جبهة مكافحة الإرهاب بالطيران. والحصار مستمر، وأسعار النفط تتهاوى. ولديها قتال على 4 جبهات هي مسؤولة عنها عسكرا وإنفاقا. وهذه جميعا معارك انجرّت إليها ولم تخترها. وحتى عندما طلبت إلى الحوثيين الاندفاع، كان من ضمن الأهداف إظهار القدرة، والتعويض عن خسارتها بالعراق. فإيران مضطرة للبقاء في المواقع كلها، بل وإظهار التقدم فيها، إلى أن تنتهي المرحلة الثالثة من مراحل التفاوض على النووي في يونيو (حزيران) 2015، حتى لا يؤدي فشل ظاهر ما أو انكفاء إلى فقد الهيبة وتوالي الانهيارات. بدأت إيران اختراقها للعالم العربي في الثمانينات (وعلى وقع اختراق العراق لها عسكريا) من طريق التركيز على مقاتلة إسرائيل من لبنان، ثم من الداخل الفلسطيني، وأخيرا من غزة. وفي التسعينات من القرن الماضي كما نعلم صارت المقاومة الإيرانية لإسرائيل أسطورة. وقد انضمت إليها من الجانب العربي الحركات الأصولية السنية مثل الجهاد الإسلامي فحركة حماس. ومنذ عام 2000 (حيث انسحبت إسرائيل من قسم من الأراضي اللبنانيةالمحتلة) صارت إيران تعتبر نفسها وحركاتها الشيعية أول من انتصر على اليهود والغربيين منذ الحروب الصليبية! وصار وقفا عليها إثارة الحروب أو إخمادها في تنافس ودود ثم متجهّم مع قاعدة أسامة بن لادن لحين فظائع الزرقاوي ضد شيعة العراق (2005 - 2006). وفي عام 2006 ازدادت أُسطورية الانتصارات بعد أن تردد الأميركيون في تسليم العراق المحتل لإيران، إذ شنّ حزب الله هجوما على إسرائيل من لبنان. وبعد قتال استمر ثلاثة أسابيع اعتبر نصر الله أنه انتصر انتصارا ماحقا وليس على إسرائيل فقط؛ بل وعلى كل العرب والمسلمين الذين كانوا في نظره يعملون جميعا عند اليهود والأميركان! واستسلم الأميركيون والعرب، ونسي نصر الله إسرائيل، وانصرف للتخريب في الدول العربية والاستيلاء عليها. قبل أسبوعين إذن، وبعد تناسٍ للجبهة مع إسرائيل لعدة سنوات، عاد نصر الله لتهديد الدولة العبرية، والإشادة بقوة صواريخه ومدافعه، والطلب إلى المستوطنين أن ينزلوا إلى الملاجئ بالجليل وفيما وراء الجليل (حرصا على سلامتهم بالطبع!). وبالتوازي ازداد نشاط الإيرانيين وحلفائهم بالجولان (وليس بجنوب لبنان) لإظهار تجديد الملف القديم ضغطا على الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وتذكيرا للولايات المتحدة وللعرب أنهم قادرون على القتال على عدة جبهات دونما ترددٍ أو كلل! وإذا كان ذلك جزءا من الصمود والتحدي؛ فإنه من جهة ثانية ظهورٌ للتخبط والاضطراب بالمضي بالقدرات المحدودة للقتال على عدة جبهات آخرها إسرائيل! ولستُ أدري إن كان الإيرانيون يريدون مقاتلة إسرائيل حقا الآن. لكنّ الذي أدريه أنّ نتنياهو بالذات يريد حربا تعينه على النجاح في الانتخابات القريبة المقبلة، وتجمع الرأي العام العالمي من جديد من حول إسرائيل. فلتحيا شراكة الاضطراب والتخريب!