رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    الوجع كبير.. وزير يمني يكشف سبب تجاهل مليشيا الحوثي وفاة الشيخ الزنداني رغم تعزيتها في رحيل شخصيات أخرى    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    حقائق سياسية إستراتيجية على الجنوبيين أن يدركوها    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    تطورات خطيرة للغاية.. صحيفة إماراتية تكشف عن عروض أمريكية مغرية وحوافز كبيرة للحوثيين مقابل وقف الهجمات بالبحر الأحمر!!    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    وزارة الداخلية تعلن الإطاحة بعشرات المتهمين بقضايا جنائية خلال يوم واحد    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فهم الأزمة الإيرانية
شهادة ألقيت أمام لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي 31يناير الماضي

من انتشار أسلحة الدمار الشامل إلى الإرهاب،ومن حقوق الإنسان إلى نشر الديمقراطية ،تقطع الجمهورية الإسلامية الإيرانية السبل عبر عدد كبير من الهموم الأمريكية.. ويصف القادة الأمريكيون بصفة متكررة تدخل إيران في العراق وطموحاتها النووية بأنهما خطر جسيم،بينما هم يتحدثون غالباً عن استخدام للقوة ضروري في النهاية ضد حكم رجال الدين العنيدين.ولكي أتأمل على نحو سليم هذا التحدي الإيراني ،سأركز على جانبين من النزاع:سياسة إيران تجاه العراق وبرنامجها النووي الطموح؛وعن طريق فهم أفضل لدوافع إيران يستطيع المرء أن يقدر على أحسن مايكون كيف يتناول أهدافها وأغراضها الأساسية في هاتين المسألتين الدقيقتين.
ثورة مقابل استقرار إيران في العراق
في يوم7تموز/يوليو2005م وقع في طهران حدث بالغ الخطورة،إذ وصل سعدون الدليمي وزير الدفاع العراقي آنذاك إلى إيران وأعلن رسمياً «جئت إلى إيران لأطلب الصفح عما ارتكب صدام حسين» ،عكست الأجواء التي أحاطت بهذه الرحلة تغير العلاقة،حيث التقى مسؤولون إيرانيون وعراقيون في يسر،وأخذوا يوقعون اتفاقات متنوعة للتعاون والتجارة،وتعهدوا بفجر جديد في علاقاتهم.وفي مفارقة أخرى في الشرق الأوسط ذهبت حكومة امريكية متشددة بخصومتها الواضحة تجاه الجمهورية الإسلامية إلى أن تزيل نهائياً أحد مآزق إيران الاستراتيجية الأكثر إلحاحاً.
منذ بداية عملية الحرية العراقية
((Iraqi Freedom Operation
في عام 2003،وإدارة بوش تشكو بصفة دورية من سوء تصرف إيران وتدخلها في شؤون العراق السياسية ،لهذا يصبح السؤال ماهي أولويات إيران وأهدافها في العراق؟هل تسعى إيران إلى تصدير ثورتها إلى جارتها وخلق جمهورية اسلامية أخرى؟هل من مصلحة إيران أن تزيد من حدة التمرد السائد وأن تزيد من وقوع امريكا في ورطتها الدامية؟ هل لإيران والولايات المتحدة مصالح مشتركة في حالة الاضطراب السائدة في العراق؟
في ما يستمر العراق في النمط السائد فيه من العنف والاضطراب ،نجد أن لإيران أهدافاً متباينة ومتصارعة أحياناً في البلد المجاور ،إن الأولوية التي تتجاوز كل الأولويات الأخرى بالنسبة إلى طهران،هي منع العراق من أن يبزغ مرة أخرى كخطر عسكري وايديولوجي ،فمنذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية قام نوع قلق من الإجماع في الرأي بين المسئولين الإيرانيين،على أن سبب سلوك العراق العدواني هو الهيمنة السنية على سياساته.ومن ثم فإن التمكين لنظام شيعي يدين بقدر أكبر من الصداقة تجاه إيران،هو هدف جوهري للاستراتيجية الإيرانية.مع ذلك ،ونظراً إلى المخاوف من رذاذ يأتي من حرب أهلية محتملة ومن تجزيء البلد،فإن قادة إيران يسعون أيضاً إلى الحفاظ على وحدة أراضي العراق،وأخيراً هناك الوجود العسكري الأمريكي في العراق بما ينطوي عليه من خطر.
وعلى النقيض من الفكرة القائلة إن إيران تسعى إلى تأجيج نيران التمرد كوسيلة لردع الولايات المتحدة عن مهاجمة منشآتها النووية المشتبه فيها، تقدر إيران أن عراقاً مستقراً هو الوسيلة الأفضل لإنهاء الاحتلال الأمريكي، وقد أفسحت هذه الأهداف الملحة السبيل لحيل «تكتيات» بديلة،حيث نشطت إيران في دعم حلفائها الشيعة وشحن أسلحة إلى الميليشيات الصديقة والتحريض ضد الوجود الأمريكي.
وعلى الرغم من أن مجتمع الشيعة السياسي في العراق أبعد ما يكون عن التجانس،فإن الحزبين اللذين ظهرا باعتبارهما الأفضل تنظيماً والأقدر على المنافسة في العملية الانتخابية هما:«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» و ،«حزب الدعوة» وكلا هذين الحزبين يرتبطان بعلاقات حميمة مع طهران وقد تحالفا مع الجمهورية الإسلامية أثناء الحرب العراقية الإيرانية.وكانت إيران هي التي فعلياً أسست المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ،كما إن مليشياته المسماة لواء بدر دُرّبا وزوّدا بالعتاد على يد الحرس الثوري.
أما حزب الدعوة من جانبه فهو الحزب السياسي الشيعي الأطول عمراً في العراق،وله سجل من الشجاعة في مقاومة قمع صدام،وقد اتخذ حزب الدعوة له ملجأ في العراق عندما تعرض لضغط هائل،ولكنه أقام لنفسه أيضاً وجوداً في سوريا ولبنان،وأخيراً في بريطانيا.
مع ذلك وعلى الرغم من الروابط القديمة مع الجمهورية الإسلامية يقدر هذان الحزبان أنه من أجل أن يبقيا كلاعبين نافذين في عراق مابعد صدام،يتعين عليهما أن يضعا بينهما وبين طهران مسافة ما.ويصر أعضاء المجلس وحزب الدعوة على أنه لامصلحة لهم في تقليد النموذج الثيوقراطي«حكم رجال الدين» المنتهج في إيران ،وأن تقسيمات العراق وتجزيئاته تفرض بنية مختلفة للحكم،وتعكس انتصاراتهما المتكررة في الانتخابات ليس فقط مجرد تنظيم متفوق إنما تأكيداً ناجحاً لهويتيهما . مع ذلك فإن الدعوة والمجلس الأعلى يحتفظان بالفعل بروابط وثيقة مع إيران،وقد دافعا عن الثورة الإسلامية ضد الاتهامات الأمريكية لها بالتدخل والتسلل في العراق،وفي النهاية ،وعلى الرغم من أن كلا الحزبين لا يحدوهما ميل للتصرف كوكيلين لإيران، فإن الأرجح أن يوفرا لطهران جمهوراً متعاطفاً،وحتي حلفاً لا يخلو شأن كل ماهو مثيل لهذه الترتيبات من توترات وصعوبات.
ويبدو وإن تكن طهران لاتعلن هذا أن إيران قد أقامت روابط ضمنية مع مقتدى الصدر،بل وإنها زودت جيش المهدي بإمدادات.وبمعنى ما،وخلافاً لعلاقات إيران مع المجلس الأعلى والدعوة،فإن روابطها مع الصدر أكثر انتهازية ،حيث تجد خطابياته القومية العربية المتفوقة وتصرفاته الشاذة مصدراً للمشاكل ،مع ذلك،وبالنظر إلى قاعدة قوته الصاعدة ومعارضته الحادة للاحتلال الأمريكي وجماعة الميليشيا الخاصة به ذات التنظيم الجيد،وجدت طهران أن من المفيد أن تبقى على الأقل على بعض الروابط مع الصدر.إن من بين الخصائص المميزة للسياسة الخارجية لإيران أنها تترك أكثر ما يمكن من الخيارات مفتوحة لها.وفي أحد الأوقات حينما كان الصدر يمنح فرصة استماع من جانب القادة العرب وكبار الشخصيات في المنطقة،كان سيصبح من المثير للدهشة لو أن إيران لم تسع لنوع من العلاقة تقيمه مع هذا الشيعي المثير للهياج.
أخيراً،هناك علاقة إيران مع المرجع الديني الشيعي الأكثر تبجيلاً والأكثر نفوذاً في العراق،آية الله العظمى علي السيستاني ،ويقف آيةالله العظمى إلى جانب الموالي التقليديين الشيعة في رفضهم فكرة الخميني القائلة إن الحكم الإسلامي السليم يقضي بالولاياة المباشرة للفقيه.وكما لاحظنا فإن هذا التجديد الخميني تعارض مع التقاليد السياسية الشيعية المعيارية،ماجعل تصديرها مثيراً للمشاكل،إن لم نقل مستحيلاً،وإلى هذا الوقت فإن كلا الحزبين يحتفظان بمودة وامتناع عن التدخل كل منهما تجاه الآخر،فيما يرفض السيستاني أن ينتقد إيران،بينما أظهرت طهران كرماً إذ نسبت إليه الفضل في ازدياد سلطة السكان الشيعة،وقد سجل رافسنجاني نقطة مهمة عندما أكد دور السيستاني بعد انتخابات الحكومة الانتقالية ،إذ قال «إن حقيقة كون شعب العراق قد ذهب إلى صناديق الاقتراع ليقرر مصيره،هي نتيجة للجهود التي قام بها رجال الدين العراقيون ومصادر الفتوى بزعامة آية الله علي السيستاني.
ويحتفظ السيستاني من جانبه بروابط وثيقة مع جماعة رجال الدين الإيرانيين ويجتمع بصورة متكررة مع المسئولين الإيرانيين الذين يزورون العراق،وهي ميزة لم يمنحها بعد لممثلي الولايات المتحدة.وعلاوة على هذا فإنه على الرغم من أن السيستاني لم يمارس ضغطاً من أجل إقامة حكم رجال الدين،إلا أنه لايزال يصر على وجوب أن يوجه الدين الترتيبات السياسية والاجتماعية.
بغض النظر عن قناعات النخبة السنية في المنطقة،لايبدو نظام حكم رجال الدين«الإيراني» في تخطيطه لاستراتيجيته تجاه العراق معنياً بطريقة جامحة بتصوير نموذجه الفاشل في الحكم إلى شعب شيعي غير راغب،وكما لاحظ سياسي ايراني ذو نفوذ هو محمد جواد لاريجاني بكل وضوح «أن تجربة إيران يستحيل نقلها في العراق كنسخة طبق الأصل».لهذا فإن دعم طهران لحلفائها الشيعة هو طريقة لتأمين أن تضم حكومة العراق في المستقبل أصواتاً مستعدة للارتباط مع إيران.ليس لدى الحكام من رجال الدين أوهام بشأن إخضاع الطائفة الشيعية العراقية مصالحها الطائفية لامتيازات إيران الخاصة،إنما هم يأملون فحسب أن يؤدي دعم الأحزاب الشيعية إلى أن يمدهم بمحاور مناسب.ومن المهم أن نلاحظ أن سياسة إيران تجاه العراق كما تجاه غيره في الخليج مبنية على حسابات مدققة بعناية للمصلحة القومية،على النقيض من رسالة ذات طابع ديني لتقدم الثورة.
واليوم ،فإن نفور الشيعة العراقيين الأساسي من العالم العربي الكبير وكذلك قلق الأسر الحاكمة السنية من تمكنهم من السلطة،يجعل الطائفة أكثر جاذبية لإيران. وصعود الشيعة قد يكون مقبولاً لإدارة بوش بأوامرها الديمقراطية،ولكن مملكتي السعودية والأردن السنيتين وحكومتي مصر وسوريا الرئاسيتين،يساورهم جميعاً قلق في حده الأقصى بشأن ظهور «قوس شيعي» جديد،ففي وقت من الأوقات حينما كانت الصحف الكبرى المؤيدة لموقف عربي موحّد تندد بأعلى صوتها بصورة متكررة بالغزو الأمريكي في العراق باعتباره مواجهة أمريكية إيرانية لتقويض تماسك الكتلة السنية،كان الترحيب بحرارة باحتمالات قيام حكومة شيعية منتخبة في العراق من جانب العالم العربي يبدو أمراً بعيد الاحتمال ،إن أحزاب العراق الشيعية الجديدة،محافظة كانت أو معتدلة،تنجذب نحو إيران وهي تنظر إلى حلفاء طبيعيين، وليس من المرجح أن يتغير هذا الوضع،فيما التحالفات السياسية في الشرق الأوسط تحددها بصورة متزايدة هويات طائفية.
وعلى الرغم من أنه من المعتاد الحديث عن روابط إيران مع الشيعة .ينبغي أن يلاحظ أن الجمهورية الإسلامية كانت قد سعت أيضاً إلى إقامة علاقات مع الأحزاب الكردية،وبخاصة مع الاتحاد الوطني لكردستان الذي يتزعمه «الرئيس العراقي» جلال طالباني .إن تاريخ إيران الخاص مع الشعب الكردي تاريخ نزاعات،إذ كان الشاه يستغل الأكراد بلارحمة ،ثم نحاهم جانباً حينما ثبت له أنهم لايناسبونه.وسريعاً بعد تولي الثورة الإسلامية السلطة،واجهت نزعة انفصالية كردية حازمة،وكان من أوائل تحدياتها قمع تمرد كردي يتسم بالحزم. مع ذلك،وأثناء سنوات صراعهما المشترك الطويل ضد صدام، غالباً ما تعاون الطرفان مع بعضهما البعض، وتوصلا في النهاية إلى إقامة علاقات معقولة نسبياً.
وخلال العقدين الأخيرين،فإن إيران لم تكتف بدعم تلك الروابط ،بل إنها غالباً ماآوت أعداداً كبيرة من النازحين الأكراد كلما اضطروا إلى الفرار أمام آلة صدام الحربية،واليوم فإن علاقات إيران مع طالباني ودية وصحيحة،حيث تأمل طهران أن تؤدي درجة من الحكم الذاتي الكردي إلى إقناعهم بالبقاء داخل حدود دولة العراق.
على النقيض من افتراضات واشنطن المسبقة،ليس تحقيق أهداف إيران متوقفاً على العنف والتمرد،إنما على بسط العملية الديمقراطية:في مفارقة غريبة،فإن رجال الدين الإيرانيين المتشددين الذين يتخذون مواقف شديدة التصلب بشأن قمع الحركة الإصلاحية ظهروا كمدافعين أشداء عن التعددية الديمقراطية في العراق، والحقيقة أن عراقاً ديمقراطياً يتيح امتيازات سياسية واستراتيجية لإيران، بعد كثير من المداولات توصل رجال الدين الحاكمون في إيران إلى استنتاج بأن أفضل السبل لدفع مصالحهم هو دعم العملية الانتخابية التي تبني بصورة متزايدة دولة ذات محافظات قوية وبنية اتحادية «فدرالية» ضعيفة، فمن شأن ترتيب كهذا أن يمكن السكان الشيعة الأكثر مواءمة، وأن يحتوي الطموحات الجامحة للأكراد، ويهمش خصوم إيران السنة.
علاوة على هذا فإن الخداع الذي تلجأ إليه إيران لايخلو من اعتبارات من قبيل السياسة الواقعية، إن عراقاً تعددياً يتجه لأن يكون دولة تنزع للانقسام منقسمة ومشغولة بنزاعاتها الداخلية إلى حد مفرط يحول بينها وبين منازعة طموحات إيران في الخليج، وفي الوقت الذي تكون فيه ترتيبات العراق الدستورية مفضية إلى تسليم المحافظات سلطات جوهرية، ومنح امتيازات للميليشيات المحلية على القوات المسلحة، لايكون من المرجح أن يبرز العراق مجدداً كدولة مركزية قوية تسعى إلى الهيمنة على منطقة الخليج، إن لم يكن على الشرق الأوسط بأسره، إنما سيكون أيسر على إيران أن تمد نفوذها على دولة لامركزية فيها لاعبون متنافسون كثيرون، ثم على حكم قوي متماسك.
وإذا أخذنا في الحسبان مصلحة إيران في استقرار ونجاح عراق يسيطر عليه الشيعة، كيف يمكن للمرء أن يحسب حساب التقارير ذات الصدقية التي تشير إلى أن طهران تسرب رجالاً وإمدادات إلى داخل العراق؟ الأمر المؤكد أنه منذ الإطاحة بالنظام العراقي، والجمهورية الإسلامية مشغولة بإقامة بنية تحتية من النفوذ داخل جارتها المباشرة، بنية تشمل تمويل أحزاب سياسية وإرسال أسلحة إلى الميليشيات الشيعية.
إن النموذج الذي تمثله إيران في تأمين نفوذها في العراق مستمد أيضاً من تجاربها في لبنان، وهو مجتمع آخر متعدد الطوائف، حيث السكان الشيعة كانوا قد تركوا تقليدياً خارج نيل غنائم السلطة؛ فاستراتيجية إيران في لبنان كانت إرسال مساعدات اقتصادية ومالية لكسب أفئدة الشيعة وأذهانهم، بينما تتيقن من أن حلفاءها الشيعة يملكون مايكفي من العتاد العسكري لاشتباك محتمل مع منافسيهم، وبهذا المعنى فإن وجود إيران كان أكثر خفية وكان غير مباشر، وسعى إلى تجنب مواجهة مع الولايات المتحدة، ولايختلف عن مقاربتها للبنان سعي إيران اليوم إلى تعبئة وتنظيم القوى الشيعية المتنوعة في العراق، بينما لاتقع بالضرورة في حبائل مشاحنة مع الولايات المتحدة التي تفوقها قوة.
اللغز النووي
الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي نظام حكم ينقسم على نفسه باستمرار حتى في حقبة الهيمنة السياسية المحافظة هناك انقسامات، على مسائل الإصلاحات الاقتصادية والأولويات الإقليمية وحتى على العلاقات مع أمريكا، وكثيراً مايجد المحافظون الإيرانيون أنفسهم على خلاف مع بعضهم بعضاً، مع ذلك فإن اتفاقاً فريداً من نوعه في الرأي قد قام داخل الحكم بشأن المسألة النووية، إذ يبدو أن المحافظين الإيرانيين المشاكسين متحدون على فكرة أن الجمهورية الإسلامية ينبغي أن تمتلك بنية تحتية نووية متقدمة تعطيها فرصة عند نقطة ما لعبور العتبة النووية، أما إذا كانت إيران ستتخذ هذه الخطة أو ستبقى قانعة بقدرة مفترضة تقصر فحسب عن اختراق فعلي على نحو مافعلت الهند قبل عام 1997، فهذا أمر سيتوقف على عدد كبير من التطورات المحلية والدولية.
وينبغي التأكيد من البداية أنه على الرغم من كل الانقسامات التي تنطوي عليها هذه المناقشة، فإن المسألة المحورية هي كيف تصان مصالح إيران القومية، ليست الجمهورية الإسلامية دولة مارقة غير عقلانية تسعى إلى امتلاك مثل هذا السلاح كأداة لسياسة خارجية عدوانية، نووية، وهذه ليست «قنبلة إسلامية» تسلم إلى منظمات إرهابية، أو تفجر في شوارع نيويورك أو واشنطن، الحقيقة هي أن إيران امتلكت منذ وقت طويل أسلحة كيماوية، لكنها لم تسلم بعد شيئاً منها إلى حلفائها الإرهابيين، إن قادة إيران الحذرين معنيون أكثر مماهم عليه بالبقاء في السلطة، وهم يقدرون تقديراً تاماً أن نقل أسلحة نووية إلى إرهابيين يمكن أن يفضي إلى نوع من الانتقام من الولايات المتحدة أو إسرائيل، من شأنه أن يطيح بحكمهم برمته.
بالنسبة إلى إيران هذا سلاح ردع وإظهار للقوة.
إن المؤيدين الأساسيين للبرنامج النووي هم الآن مسؤولون في قيادة مؤسسات رئيسة مثل الحرس الثوري ومجلس الوصاية، وإحدى العقائد الأساسية في أيديولوجية المتشددين هي الفكرة القائلة إن الجمهورية الإسلامية في خطر دائم من قوى خارجية ضارية، الأمر الذي يتطلب بالضرورة اعتماداً عسكرياً على الذات، وكان هذا الإدراك قد تبلور مبدئياً بواسطة ثورة لاتسعى إلى تحدي أعراف دولية فحسب، إنما أيضاً إلى إعادة صياغتها، إن مرور الزمن وإخفاق تلك المهمة لم يزل بالضرورة شكوك المتشددين في النظام الدولي وحارسته الأولى، الولايات المتحدة، وقد عبرت صحيفة جمهوري إسلامي وهي الصحيفة المحافظة والناطقة بلسان القائد الأعلى آية الله خامنئي عن هذا المعنى إذ أكدت:
«إن المشكلة المحورية هي حقيقة أن النظرة العامة لمسئولينا إلى الملف النووي لإيران نظرة خاطئة، وهم على المسار الخطأ، ويبدو أنهم قد أخفقوا في تقدير أن أمريكا تسعى إلى تدميرنا والمسألة النووية ليست سوى ذريعة لها».
وفي منحى مماثل عبرت صحيفة رسالات وهي صحيفة محافظة أخرى ذات نفوذ عن مسائل الردع والمصلحة القومية بالزعم بأنه «في الوضع الحاضر للنظام الدولي الذي يتميز بخصائص أساسية هي الظلم وإضعاف حقوق الآخرين، لابديل للجمهورية الإسلامية عن مقاومة ذكية مع دفع التكلفة الأقل: وإذا أخذنا في حسابنا هذيان الاضطهاد والشكوك، فإن اليمين الإيراني لايعترض بالضرورة على العزلة الأصولية والمواجهة الدوليتين مع الغرب؛ فالحقيقة أنه، بالنسبة إلى كثيرين داخل هذا المعسكر، سيكون صراع كهذا وسيلة فعالة لإطلاق شرارة تأييد شعبي لحماس الثورة الآخذ في الفتور.
ولقد زادت حسابات إيران النووية تشدداً بفعل صعود محاربين قدماء، مثل الرئيس محمود أحمدي نجاد، إلى مراكز السلطة؛ فعلى الرغم من أن الحرب العراقية الإيرانية انتهت منذ مايقرب عن عشرين عاماً، فإنها كانت بالنسبة إلى كثيرين داخل الجمهورية الإسلامية تجربة فارقة غيرت فرضياتهم الاستراتيجية، وحتى إجراء فحص دقيق لخطب أحمدي نجاد، يكشف أن الحرب هي بالنسبة إليه أبعد ماتكون عن ذكرى آفلة، وعلى سبيل المثال فإنه في خطابه المتحدي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2005، لام كبار الشخصيات المؤتمرين بصورة محددة على إخفاقاتهم.
«طوال ثماني سنوات فرض نظام حكم صدام حرباً عدوانية واسعة النطاق ضد شعبي، استخدم فيها أبشع أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة الكيماوية ضد الإيرانيين والعراقيين على السواء من في الحقيقة زود صدام بتلك الأسلحة؟ ماذا كان رد فعل أولئك الذين زعموا أنهم يكافحون ضد أسلحة الدمار الشامل إزاء استخدام الأسلحة الكيماوية في ذلك الوقت؟».
إن اللامبالاة الدولية إزاء جرائم صدام وافتقار طهران إلى رد فعال، قد أفضيا برئيس الجمهورية الإيراني المحارب القديم لأن يدرك أن أمن بلاده لايمكن أن يعلق بالرأي العالمي وبالمعاهدات العالمية.
لايمكن التقليل من شأن تأثير الحرب العراقية الإيرانية على حسابات طهران النووية، لقد أصاب استخدام العراق أسلحة كيماوية ضد المدنيين والمحاربين الإيرانيين بجروح مستديمة تركت آثارها على نفسية إيران القومية، كانت الأسلحة الكيماوية في أيدي صدام أياً كانت فائدتها العسكرية التكتيكية أدوات إرهاب، فما كان يأمله من خلال استخدامها بلا تمييز أن يتمكن من تخويف الشعب الإيراني وتحطيم روحه المعنوية، وقد نجحت هذه الاستراتيجية إلى حد كبير، حيث فعلت الهجمات العراقية الكثير لتقويض الدعم القومي لاستمرار الحرب.
وفي مايتجاوز الخسائر البشرية، فإن الحرب غيرت أيضاً عقيدة إيران الاستراتيجية، أثناء الحرب أصرت إيران على التمسك بفكرة أن التفوق التقاني «التكنولوجي» لايستطيع أن يتغلب على حماس ثوري وعلى استعداد لتقديم شهداء، وللتعويض عن نقص الأسلحة لديها شنت إيران هجمات بواسطة موجات بشرية واستخدمت سكانها من الشبان أداة لاستراتيجية عسكرية هجومية، وقد نفى التدمير الواسع الذي أحدثته الحرب، وفقدان شهية «الاستشهاد» بين شباب إيران، شرعية تلك النظرية.
وكما أقر رفسنجاني «في مايتعلق بالأسلحة الكيماوية والبكتيرية البيولوجية والإشعاعية، اتضح بجلاء أثناء الحرب أن تلك الأسلحة حاسمة جداً، ويتعين علينا أن نجهز أنفسنا في مجالي الاستخدام الهجومي والدفاعي لهذه الأسلحة»، علاوة على هذا فإن لامبالاة المجتمع الدولي إزاء جرائم صدام تركت هي الأخرى بصمتها، ماأدى بإيران لأن ترفض الفكرة القائلة إن الاتفاقات الدولية يمكن أن تضمن أمنها، وكما قال محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري، في عام 2004، «ليس باستطاعتنا إذا تحدثنا بصورة عامة أن نذهب إلى أن بلدنا سيخرج بأية فائدة من قبول المعاهدات الدولية»، لم يعد بالإمكان تعليق الردع بالتزام فوري ورأي دولي، حيث كانت إيران تتطلب رداً عسكرياً أكثر صدقية.
يعزز ميراث الحرب قولاً ذا نزعة قومية، يرى مطالب أمريكا بأن تستغني إيران عن حقوقها في دائرة الوقود، بمقتضى معاهدة حظر الانتشار النووي مطالب غير عادلة في جوهرها، إن إيران كبلد أخضع تاريخياً لتدخل أجنبي وفرضت عليه معاهدات امتيازات عديدة حساسة بصورة جامحة في مايتعلق بحتمياتها القومية وحقوق سيادتها، ويدرك حكام إيران أنهم يواجهون التحدي لابسبب استفزازاتهم وانتهاكاتهم الماضية لمعاهدات، إنما بسبب بلطجة الدولة الأعظم، إن برنامج إيران النووي وهويتها القومية قد أصبحا بطريقة خاصة مثبتتين في خيال المتشددين، والوقوف ضد أمريكا في هذه المسألة من شأنه أن يضفي شرعية على حماستها الثورية وشعورها بقوميتها أكد هذه النقطة علي حسيني تاش نائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في قوله «إن أمة لاتخوض في مخاطر وفي تحديات صعبة، أو أمة لاتقف مدافعة عن نفسها، لايمكنها أبداً أن تكون أمة فخورة» وهكذا فإن فكرة الحلول الوسط والرضوخ، هي فكرة ذات فائدة محدودة بالنسبة إلى القوميين الإيرانيين المحزونين.
وعلى الرغم من شعور الحكام.. رجال الدين المتشددين بالمرارة ونزعة السخرية لديهم، فإنهم متفائلون أبديون حين يتعلق الأمر بتقديرهم للكيفية التي سيستجيب بها المجتمع الدولي لانطلاقة إيران النووية، ويصر كثير من الأصوات المحافظة ذات النفوذ على أن إيران ستتبع نموذج الهند وباكستان، حيث الصرخة الدولية الأولية سيتبعها عاجلاً قبول لمكانة إيران الجديدة، وهكذا ستستعيد إيران صلاتها التجارية وتحتفظ بأسلحتها النووية.
وقد لاحظ وزير خارجية إيران السابق أكبر ولايتي هذه النقطة، حينما أكد أنه «حيثما نقف بحزم وندافع عن مواقفنا المحقة بتصميم، سيجبرون على التراجع ولايملكون بديلاً».
هكذا يرفض اليمين الفكرة القائلة إن سلوك إيران السيئ في الماضي، وعلاقاتها المتوترة مع الولايات المتحدة، من شأنها أن تقوي الموقف ضد قبول المجتمع الدولي لوضع إيران النووي.
مع ذلك فإنه إذا ماثبت أن توقعات هؤلاء خاطئة، وإذا أصبحت إيران خاضعة لعقوبات، فإن هذا ثمن لدى المتشددين استعداد لدفعه مقابل حقوق قومية مهمة، وقد لاحظ أحمدي نجاد على وجه التحديد، أنه حتى إذا فرضت عقوبات «فإن الأمة الإيرانية ستنال حقوقها مع ذلك»، وفي المعنى نفسه لاحظ آية الله جناتي «إننا لانرحب بالعقوبات، ولكننا إذا هددنا بالعقوبات لن نستسلم» وفكرة الحاجة إلى التضحية والنضال من أجل الثورة ومقاومة المطالب الدولية المتعجرفة، هي عقيدة جوهرية في المنظور الأيديولوجي للمتشددين.
بالنسبة إلى المستقبل القريب، تواجه الولايات المتحدة دولة إيرانية، أوجه الضعف في استراتيجيتها وطموحاتها الإقليمية وتحالفاتها السياسية الداخلية، تضغط عليها باتجاه القدرة النووية، وإضافة إلى هذا، يأتي تمكين إيران نووياً في وقت تتجه فيه لأن تكون الدولة القائدة في منطقة الخليج ذات الأهمية الاستراتيجية الدقيقة، ولايمكن لهذه التيارات أن تعكس بسهولة عن طريق سياسة قسر أو ضغط، حيث إن في النهاية يمكن أن يكون اشتباكاً دبلوماسياً بين الولايات المتحدة وإيران هو الوسيلة الوحيدة للتخفيف من حدة خطط الحكام رجال الدين الأكثر إثارة للاضطراب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.