قال الماريشال مانيكشو في 1971 [ من اشتراطات الحرب الحديثة وفي ظروف الموازين القائمة فإن من أهم العناصر التي تخدم أي طرف في وضع خطته موضع التنفيذ "أن يترك خصمه يرتكب أول خطأ فاضح أمام العالم" . . . دعه يتورط . . . دعه يتهور . . . دعه يقع في الحماقة كلها ؛ وهذا سيعطيك العذر لأن تضرب بقسوة ، حماقاته سوف تبرر قسوتك وربما تغفرها أيضاً ] هكذا تحدث قائد الجيش الهندي ، أحد أعظم ماريشالات الجيوش في العالم . القائد العسكري الوحيد في العالم النامي حتى اليوم الذي تم تقليده رتبة "الفيلد الماريشال" وهو في ساحة القتال بعد أن حقق نصراً أسطورياً على باكستان في حرب 1971 .
والسؤال ؛ هل الرئيس هادي هو الذي أوصل الحوثي لارتكاب الخطأ الفاضح -الانقلاب- أمام العالم...؟ .. في رأيي المتواضع "نعم" هو الذي أوصله إلى ذلك ؛ ويؤكد رأيي اندفاع الحوثي إلى مزيد من الحماقات ، أوصلته إلى مواجهة مباشرة مع الشعب اليمني ؛ وظهور مواقف واضحة لمحافظات تعز ومأرب والحديدة "لن تقبل سيطرة الحوثي على السلطة مهما كان الثمن" ولن تتعامل مع المركز .
و غرَّ السيد استسلام الرئيس والمواقف الدولية الباهتة ، فتهوَّر واندفع إلى الأمام ليمنع مجلس النواب من الانعقاد لرفض استقالة الرئيس ، وهنا وقع في صراع الشركاء -الرئيس صالح- على الغنيمة . . . ولم يجد من طريق للخروج من مأزق الشراكة المشينة مع صالح غير الاندفاع إلى الأمام ، ليرتكب مزيد من الحماقات توَّجها بما أسماه "الإعلان الدستوري" .
وبحماقة الإعلان الدستوري اسقط الدولة الاتحادية التي وقَّع على إعلانها كل الأحزاب والقوى التقليدية والقبائل والشخصيات الاعتبارية اليمنية بديلاً عن مشروع الدولة اليمنية الاندماجية التي تمت في 22 مايو 1990 . . . وصادق على التبديل وباركه المجتمع الدولي عبر الدول العشر ومجلس الأمن .
كان الحوثي يهدف من اسقاط الدولة الاتحادية استعادة الدولة الاندماجية ، لكنَّه لم يوفق ، فلم يوقّع على دولته الجديدة من وقَّع على إعلان الدولة الاتحادية . . . كما أنَّ الموقف الدولي الرافض لهذا الفعل ظهر بجلاء بعد الإعلان الدستوري مباشرةً.
وهنا يصبح الحوثي في مأزق كبير ؛ فإذا عجز عن السيطرة والتحكم بالدولة كاملةً ، ولم يتراجع ويعيد السلطة إلى الرئيس هادي فهذا يعني أنَّه يعلن دولة جديدة خاصة به ، تقع في حدود المحافظات التي يسيطر عليها .
وفي رأيي هذا هو الخطأ الثاني الفاضح أمام العالم الذي أوقعه به الماريشال هادي "هو كذلك تخرَّج من المدرسة العسكرية الإنجليزية التي تخرَّج منها الماريشال ماكينشو" .
والسؤال الذي يجب على الشعب الجنوبي الإجابة عليه ؛ هل استفاد خيار تحرير واستقلال الجنوب من إداء الرئيس هادي أم لا...؟
في رأيي نعم ؛ يكفي أن نذكر أنَّه استطاع صراع الخصم في عقر داره وتفكيك منظومته الاستعمارية ، وكشفه على حقيقته السيئة سياسياً وأخلاقياً أمام العالم أجمع . . . وهو الذي دفعه لاسقاط دولة الوحدة ، ثم دفعه إلى الجنون والانقلاب على الدولة الاتحادية الوليدة ، وبذلك وصلت دولة الاحتلال إلى دولة غير معترف بها دولياً .
قد يقول البعض "لم يكن هدفه خدمة الجنوب ، بل خدمة اليمن الموحد جنوبه وشماله" . . . الهدف المعلن ليس مهماً ؛ المهم هي النتائج ، والنتائج كانت مفيدة للجنوب إلى أقصى مدى . . . كما أنَّ الرئيس هادي حرَّر يمن منزل ، ولم تعد ليمن مطلع تلك السطوة الاستبدادية العنصرية الاستعمارية عليهم . . . وفي هذا مصلحة للجنوب تقضي بتفكيك ذلك الاصطفاف الشمالي ضد الجنوب .
المعركة مازالت في أولها ، وسلطة الاحتلال المتمثلة اليوم بالسيد الحوثي وجيوشه مازالت تندفع من ورطة إلى أخرى ؛ وهي عاجزة عن الخروج من طريق الحماقات المتسلسلة . . . والسيد لايستطيع التوقف عن السير في نفس المسار ؛ قالتوقف يعني انفصال أقليم سبأ وإقليم الجند . . . وهو يعلم هذه الحقيقة . . . فهل ينجح في بلوغ مرحلة السيطرة التامة على الشمال كاملاً....؟
قطعاً لن يستطيع إلَّا في حالة واحدة ؛ أنَّ تعود النخبة السياسية الجنوبية إلى دائرة الغباء الاستراتيجي ، فتساعد الحوثي في معركته لكسر تعز ومأرب . . . وهذه الإعانة بدأت ملامحها بالظهور عبر حملة الاستعداء القائمة في الجنوب ضد هؤلاء القوم .
ينما الواجب والمفروض واللازم التعاون معهم في وجه العدو المشترك . والنخبة السياسية القائدة في الجنوب ملزمة اليوم -بتمكين العقل- ، وصناعة التحالف الاستراتيجي بين دولة الجنوب وأقاليم يمن منزل . إذا تم ذلك فلا استبعد أن تكون نتيجة حروب الحوثي في مسار الحماقات المتسلسلة مفاجأة للجميع . . . وقد يجد الجنوبيون دولتهم "حرَّة مستقلَّة" بين ليلة وضحاها ، حينها سيبدأ القتال من أجلها . فلماذا لايستعدون...؟
هل كلامي هذا ناتج عن آمال وأحلام مصدرها العاطفة ، أم عن رصد وتفكير وتدبُّر أحكمه العقل....؟ .. أنا أقول هو نتاج العقل . . . لكنَّ العقل أيضاً معرَّض للخطأ ، وكذلك الشعور الوجداني قد يصيب .
لكنَّ الشيء الذي لاخطأ فيه هو وجوب الاستعداد ؛ فاستعدوا .