تتناول وسائل الإعلام خبر هروب هادي من صنعاء تحت لفظ"مغادرة".هادي لم يغادر صنعاء،لقد هرب منها بعد أن رزح تحت الإقامة الجبرية ما يقرب من شهر،لقد هرب هادي من صنعاء في نفس اليوم الذي انتخب فيه رئيساً لليمن،ومن دون أدنى شك فهنالك رسالة أراد أن يقدمها هادي ذاته أو أطراف أخرى كانت دولية أو محلية أو إقليمية،.هذا لا يهم بقدر ما يهمنا اليوم إلى أين ستؤول البلاد في خضم هذه المشاهد السياسية المتلاحقة بسرعة ودون توقف.نعلم جيداً أن عضد الحوثي لم يكن بهذه القوة على فطرته،لقد كان الرئيس السابق لاعبا رئيسياً في التغيرات الأخيرة في البلاد،ولربما أنه لم يظهر كثيراً في المشهد إلا أنه في كل الأحوال كان يمارس دوره غالباً من خلف الكواليس،ولعل التسريبات الصوتية التي كُشفت مسبقا بينه وبين قيادات تابعة للحوثيين دليلاً قاطعا،خاصة وأنه كان يحثهم الانقضاض والسيطرة على المنافذ البحرية والبرية،وإحكام السيطرة الجوية للتمكن من الإمساك بأزمة الأمور على نحو يمكنهم من التحكم على الأرض بشكل أكثر سلاسة. لقد أخفق صالح يوم مكن الحوثيين من دخول صنعاء،بنيات مبيتة للانتقام من أعداءه الذين خرجوا عليه في ثورة الشباب،وظن أنه أفلح في أن يشفي غليله منهم،لكنه لم يحسب حساباته الأخرى وهي أن الحوثيين يعتبرونه عدوهم الأول والأخير،ففي عهده شنت ست حروب عليهم وقتل في خضمها قائدهم الروحي حسين بدر الدين الحوثي.لقد غير ت حادثة هروب هادي من صنعاء كل التوقعات وغيرت الواقع برمته،حليف الأمس علي صالح أصبح عدو اليوم في نظر الحوثيين،ولا شك أن البلاد داخلة في متاهة أخرى مع هذا الضجيج الصارخ.صالح سيبقى وحيداً في الساحة ولن يجد أي دعم في مواجهة المد الحوثي الذي أصبح اليوم على وشك اجتياحه يطمح للانتقام منه في الوقت الذي فقد صالح مكانته الراسخة في البلاد،ولن يجد السبيل إلى الخارج بعد أن أدرجه مجلس الأمن ضمن قائمة المعرقلين والمعاقبين تحت الفصل السابع وشدد على هذا الإجراء في جلسته الأخير بشان اليمن.
إذن...هادي في عدن،ودول مجلس التعاون الخليجي،وكذا المجتمع الدولي مع شريحة كبيرة من الشعب اليمني والمكونات السياسية في البلاد ما زالوا يعتبرون هادي رئيساً شرعياً للبلاد،بينما الحوثيين يعتبرونه فاقد للشرعية ومطلوب للعدالة"عدالة الحوثي"،ويحذرون مسئولي الدولة وموظفيها من التعامل معه،ما لم فإن كل مخالف سيقدم للعدالة التي يدعونها،في الوقت الذي يحاصرون فيه وزراء الحكومة ورئيسها ويطلبون منهم العودة لمهامهم كحكومة تصريف أعمال تحت ضغوطات قسرية،وعقوبات يهدد بها الحوثيون كل من لا يأتمر لهم بالمحاكمة بذمة الخيانة الوطنية،تلك الحكومة التي كانت بالأمس فاقدة للشرعية في نظر"أنصار الرب"،ظهرت الحاجة لها اليوم وبشدة.
إن المعركة الحقيقية اليوم تدور رحاها بين صالح والحوثي،فالتوترات ومحاولات الاقتحام لمعسكرات تابعة للحرس الجمهوري الموالي لصالح ونجله والانقضاض على بعضها ليلاً أكثر الخطوات التي تستخدمها الجماعة اليوم،والقلق يزداد من دخول البلاد في مرحلة قد تكون أكثر دموية من ذي قبل.
في الجانب الآخر لن يسكت الحوثيين على التصرفات التي سيقدم عليها الرئيس هادي،فقد كانت غلطتهم العظيمة هروبه من تحت قبضتهم،ومع هذه التطورات لا نستبعد مطلقاً أن تنقل المعارك للجنوب،وأن تبدأ مرحلة واسعة النطاق من الصراع في شمال اليمن وجنوبه،ومع الأخطاء المتكررة والحماقات المستمرة التي ترتكبها جماعة الحوثي سواء بقصد أو بدون قصد،تزداد عليها الضغوطات في أكثر من ناحية،فالحرب مع صالح لن تكون بسيطة كما كانت السيطرة على صنعاء،فالكل يعلم أن صالح كان السبب الأول في سقوط صنعاء بتلك السهولة،ولم يكن فرَج إلهي ل"أنصار الإله".
سيحاول الحوثيين أن يتمكنوا من صالح بأي طريقة وقد ينجحوا أو يفشلوا فالاحتمالات كلها واردة،ولو تمكنوا منه سيتجهون جنوباً لبدأ معركة يتوقع الكثير أنها ستكون أكثر دموية في حال أنها وقعت فعلاً،ومع كل هذا فإن البلاد تمضي قدماً في مراحل حساسة تأتي كل مرحلة وهي تحمل على كاهلها أوزار أكثر قرفاً من التي كانت قبلها.أكثر من ناحيناحية،فالحرب مع صالح