السياسة فن ومكر وخداع ومراوغة ووعود زائفة وفي نفس الوقت هي مبادئ وقيم والتزام واحترام التعهدات لمن يدرك خفاياها عمو السياسة تناقضات وتقلبات تتغير فيها المصالح والتحالفات وبعض الأحيان مليئة بالمفاجآت وخاصة عند صعود الأحزاب الصغيرة والتي تشكل صداع للأحزاب الكبيرة والمسيطرة على الساحة لسنوات طويلة . الأزمة الاقتصادية التي واجهتها إسبانيا في الفترة 2008-2014 نتجت عنها اتخاذ إجراءات تقشفية صعبة وقاسية شملت كافة قطاعات المجتمع وتسببت في غضب عارم وخاصة وان المواطن البسيط هو الضحية دوما لاخطاءات الساسة وإدارتهم السلبية للحكم ،تم إنقاذ البنوك الخاصة من الانهيار من أموال الخزينة العامة ومن ضرائب الشعب ووصلت نسبة البطالة الى 26٪ وهي الأعلى في دول الاتحاد الاوروبي وفي ظل هذه المتغيرات تولى الشباب الإسباني المتعلم والمحبط تجاه هذا الوضع المعقد زمام المبادرة وخرجوا الى الشوارع والساحات في مايو عام 2011 في مسيرات سلمية ضخمة مطالبة بوقف سياسات التقشف ضد الضعفاء ومطالبين بفرص العمل وسميت بحركة M15( 15مايو 2011) وبعدها تحولت الى حزب يحمل تسمية بوديموس معناه نستطيع(Podemos) أسسه الشباب في 17 يناير 2014 وخاضوا اول تجربة سياسية في انتخابات البرلمان الاوروبي في 25 مايو 2014 وحصدوا على خمسة مقاعد واحتلوا المرتبة الرابعة بين الأحزاب بعد أربعة أشهر من التأسيس وهي فترة قياسية ،هذة الأصوات وثقة الناخب التي تحصلوا عليها كانت بمثابة أول عقاب للأحزاب التقليدية الرئيسية وخاصة الحزب الشعبي الحاكم(يمين الوسط) والحزب الاشتراكي (يسار الوسط) وهي البداية الاولى نحو تغيير موازين القوى في الخارطة السياسية في إسبانيا (سبعة وأربعون مليون نسمة تقريبا حسب احصائية 2013) وفي الثاني والعشرون من مارس 2015 سوف يخوض حزب بوديموس أول تجربة في انتخابات أقليم اندالوسيا التي تم تقديمها نتيجة عدم قدرة الحزب الاشتراكي على الحكم لوحدة وحسب التوقعات سوف يحتل حزب بوديموس المركز الثالث مع احتمال مشاركته في الحكم في حال وصوله الى اتفاق مع الحزب الاشتراكي والذي يتوقع ان يفوز بها في هذة المقاطعة والتي تتكون من ثمانية محافظات والتي يبلغ عدد سكانه اكثر من ثمانية مليون نسمة وتحتل المركز الثاني من حيث المساحه والسكان؟ والتغيير يبدأ منها. من سمات الربيع الإسباني بان الشباب منذ اللحظات الأولى ادركوا بأنهم قادرون على مواجهة العراقيل من أجل التغيير الى الأفضل في بنية المجتمع واستثمروا حالة الغضب العارم لأغلبية الشعب تجاه حالات الفساد المنتشرة بين الساسة من أغلبية الاحزاب والاتجاهات الفكرية والصحافة الاسبانية أسهمت في تعريتها وعرضها على الرأي العام وتم تقديم المذنبون الى القضاء والبعض منهم تم إصدار الأحكام بحقهم والبعض الأخر ينتظر دوره والقضاء الإسباني يؤدي مهامة بدون كلل بالرغم من شكاوي الكثيرون بانه قضاء بطيء . ليس من المستغرب الحملة الشرسة التي تشنها الأحزاب التقليدية ضد حزب الشباب بوديموس لانها مرتبكة من صعودهم و يطمحون في احداث تغيير جذري وخاصة بعد عجز الأحزاب التقليدية الكبيرة في ان تحتويهم وهذا هو سر نجاح مشروع الشباب والذين سيحققون المفاجآت وإذا صدقت كل التوقعات سوف يحتل حزب بوديموس مكانة متقدمة في الخارطة السياسية لإسبانيا في انتخابات الأقاليم والبلديات والتي ستقام في 24مايو 2015 وتعتبر مهمة ومصيرية وسوف تبرز قوة كل حزب ومكانته ولكن سيظل السؤال قائما كيف سيتمكن حزب بوديموس من رسم وتنفيذ سياسات جذرية مدونة في برنامجه الانتخابي وحسب المفهوم السياسي من السهل ان تعارض وتطالب بإصلاحات عندما تكون خارج السلطة ولكن من الصعب تنفيذ الوعود عندما تكون في سدة الحكم. اسبانيا على موعد مع انتخابات البلديات والأقاليم وكذلك الانتخابات العامة في هذا العام وهي حاسمة تحدد ملامح هذا البلد خلال السنوات الأربع القادمة والتغيير هو مطلب عام تستلزمه ضروريات الحياة والواقع المعاش وبالرغم من التعافي البطيء للاقتصاد الإسباني وخروج هذا البلد من نفق أزمته ولكن مازال الطريق طويل وشاق لمعالجة العديد من الاستحقاقات واستعادة الثقة المفقودة بين الحاكم والمحكوم وهذه الانتخابات ستكون بمثابة مقياس حقيقي لقدرة الاحزاب التقليدية في نيل ثقة الناخب في ظل بروز احزاب صغيرة قد تقلب موازين القوى عليها. الديمقراطية هي نسبية ولاتوجد ديمقراطية حقيقية في عالمنا اليوم ولكن الانتخابات الحرة والنزيهة تساعدعلى إعطاء الفرصة للمواطن في التعبير عن آراءه وهمومه وتطلعاته عبر صناديق الاقتراع بكل حرية من خلال منحه لصوته لمن يراه مناسبا حريص على تلبية تطلعاته في غد أفضل .