هناك حديث للرسول الكريم محمد بن عبد اللاه صلّى الله عليه وسلم، وأحاديثه عليه أفضل الصلوات والتسليم أصبحت قانوناً ودستوراً وتشريعات تسير على خطاه وتتعظ الأمم المسلمة الواعية والمتمدّنة بل وغير المسلمة والتي اتبعت خطى الحضارة والمدنية والسلام، يقول معنى ذلك الحديث (الَمُؤُمِنُ لايُلّدَغُ من جُحّرِ مرتين)، ومعنى الحديث هنا العظة والعبرة والدرس والنتيجة. فينبغي للمؤمن أن يكون كيِّساً فطناً متيقظاً، إذا أخطأ في المرة الأولى أن يستفيد من خطئه الأول ، بأن لا يقع فيه ثانية، أي أن أي حدث سلبي ومعاناة مررت بها وحصلت لك يُفترض ألا تتكرّر إذا أنت مؤمناً وواعياً وعاقلاً، وينطبق الحال على الأمم بأفرادها وقياداتها وسياسييها وهنا بيت القصيد.
نحن اليمنيون يبدو أن بعضنا وأخصّ هنا بعض من كان بيده قيادة البلد في شطرية سابقاً سنوات وسنوات ماضية، وكذلك اليوم لايتعظ ولا يأخذ العبرة والعظة والدرس، وكأننا نُلدغ مرات ومرات ومرات دون أن نتذكّر مآسي وآلام الأيام والسنوات السابقة، أو نستفيد ونتعظ من أحداثها.
والمصيبة الكبرى هي أن كل من يأتي ليحكم اليمن منتصراً على سابقه يُسَمِّىِ فعله وسيطرته على البلاد والعباد بثورة (وتعددت الثورات والهدفُ واحد ) السيطرة الواحدية على البلد، وأقصاء السابقين بل واعتبارهم أعداء، بل والتسويق للشعب على أنهم أعداء للوطن وكأنه الوحيد المُؤُتَمَنَ على الوطن وبقية معارضيه جميعهم خونه وأعداء للوطن.
ويبدأ في مسلسل الاعتماد على الخارج ليس في المساهمة في حكم اليمن وتنميته، بل السيطرة عليه من خلال آخر المنتصرين والمسيطرين على الأرض ، ويصبح الأجنبي هنا هو الحاكم شئنا أم أبينا، فيتم الاعتماد على القوة والحرب وتجييش الأتباع من منطقته، أو من مذهبه أو من طائفته وقبيلته كلٌّ حسب اتجاهه ومصالحه، والوطن والمواطنون من كل ذلك العبث براء والله المستعان.
وهكذا دواليك استمرت عجلة الأحداث والتغييرات وأعني هنا بمصطلح تغيير في بنية الحكم والتصحيحات ومانسمعه وسمعناه عدة مرات بثورة تصحيحيه، وهكذا من مصطلحات السياسة، وفي الأخير ما زعم البعض بالثورات ، وفي الأخير ليقتنع الشعب غصباً عنه وفي ظل القوه والسلاح والشعور بنشوة الحدث وانتصار المتصارعين، حينها تُغلق ملفات الضحايا من الجرحى والقتلى كسابقيهم في كل أحداث اليمن وفي كل أجزائه وأشطره دون أن ينالوا حتى مسمى ومصطلح شهيد.
تلك سياسة الإقصاء لكل من يعارض لن تفيد اليمن البتة، وإن تعددت الأوصاف والمسميات وها نحن نكرّر حدثاً بعد حدث ومأساة بعد مأساة وضحايا بعد ضحايا، ولن ينتهي هذا المسلسل ما دام الجميع أو البعض لازال منتشياً بالانتصار والاعتماد على الخارج، وأعداد القتلى يتزايدون وسيتزايدون ما دمنا نسعى بأرجلنا وأيدينا على أن نُلدَغَ ثانية وثالثة دون أن نتعظ ونعتبر وكأننا لسنا مؤمنين.
وطالما من يصل إلى الحكم أو السيطرة على البلد بالقوه وبالسلاح وبالقبيلة والطائفة والدين ويرفض الحوار وشراكة الجميع في مسؤولية كل ذلك العبث في الوطن أو يخادع فيه، ثقوا تماماً لن تأمن اليمن بكاملها بسلام، وستظل ملعباً واسعاً للاعبين كُثُرْ تُهمهم مصالحهم قبل مصالحنا، وتلك من مسلمات السياسة في هذا العصر الذي نعيش، وقد أشرت إلى ذلك في مقال لي سابق قبل حوالي سنة ماضية وفي صحيفة أخرى ما يمكن أن يحصل في بلادي ما دمنا نرفض الحوار ونعتمد على القوة والسلاح والانتصار ونستعين بالخارج معاداة للداخل.
الصورة تتكرّر في أكثر من مشهد ونحن معاندون نركب حصان الحماقة راكضين بسرعة لأشعال حرب لن يسلم منها أحد ليس في اليمن فقط بل المنطقه بكاملها، فالمتربّصون باليمن والمنطقة كثير جداً ومصالحهم متعددة، ونحن ما دمنا بعيدين عن الحوار والاعتراف بمكانة الآخر ووزنه وتاريخه ومصلحة الوطن وكلٌّ يعتمد على الخارج متكئين على القوة والسلاح والحرب، فمن المؤكد أن الطرف الثاني أيضاً لديه القوه والسلاح، وهنا ستستمر الحرب لأن مغذيها وداعميها يتربّصون بالمنطقة بكاملها، وفي النهايه لن تسفر تلك الحرب عن منتصر أبداً حتى لو استمرت مائة عام.
أوَليس توفيراً لألوف الضحايا والتدمير ومستقبل الأجيال والأموال أن يتحاور الجميع ويتفقوا وينبذوا العنف ووسائله بدلاً أن نستمر في الغباء ونلدغ مرات ومرات دون أن نتعظ ونعتبر. ألا يستحق اليمن التضحية للوصول إلى سلام واستقرار بعيداً عن استقطاب الخارج ومصالحه فالحرب في النهاية لن تخلّف إلا دماراً وقتلى وجرحى، ولن يكون فيها منتصراً أبداً مهما كنت تملك وتخزن من سلاح، والعبر في التاريخ كثيرة فهل نعي ذلك؟.