استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    جريمة مروعة تهز شبام: مسلحون قبليون يردون بائع قات قتيلاً!    لماذا رفض محافظ حضرموت تزويد عدن بالنفط الخام وماذا اشترط على رئيس الوزراء؟!    "جروح اليمن لا تُداوى إلا بالقوة"...سياسي يمني يدعو لاستخدام القوة لتحقيق السلام المنشود    " تصريحات الزبيدي خاطئة ومضرة وتخدم الحوثي!"..صحفي يحذر من تمسك الزبيدي بفك الارتباط    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    ليفربول يعود إلى سكة الانتصارات ويهزم توتنهام    رصاصاتٌ تُهدد حياة ضابط شرطة في تعز.. نداءٌ لإنقاذ المدينة من براثن الفوضى    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ورشة في عدن بعنوان "مكافحة غسل الأموال واجب قانوني ومسئولية وطنية"    أين تذهب أموال إيجارات جامعة عدن التي تدفعها إلى الحزب الاشتراكي اليمني    السلطة المحلية بمارب توجه بتحسين الأوضاع العامة بالمحافظة    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل محسن أبوبكر بن فريد    صحيفة بريطانية تفجر مفاجأة.. الحوثيون دعموا تنظيم القاعدة بطائرات مسيرة    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    الوكيل الحسني يطلع على سير اعمال مشروع إعادة تاهيل الشارع العام مدخل مدينة الضالع    لماذا اختفت مأرب تحت سحابة غبار؟ حكاية موجة غبارية قاسية تُهدد حياة السكان    خصوم المشروع الجنوبي !!!    الحبيب الجفري ناعيا الشيخ بن فريد.. أكثر شيوخ القبائل والساسة نزاهة في بلادنا    افتتاح دورة مدربي الجودو بعدن تحت إشراف الخبير الدولي ياسين الايوبي    مجلس القضاء الأعلى يقر إنشاء نيابتين نوعيتين في محافظتي تعز وحضرموت مميز    قيادي حوثي يعاود السطو على أراضي مواطنين بالقوة في محافظة إب    بعد رحلة شاقة امتدت لأكثر من 11 ساعة..مركز الملك سلمان للإغاثة يتمكن من توزيع مساعدات إيوائية طارئة للمتضررين من السيول في مديرية المسيلة بمحافظة المهرة    الإصلاح بحضرموت يستقبل العزاء في وفاة أمين مكتبه بوادي حضرموت    تنفيذي الإصلاح بالمهرة يعقد اجتماعه الدوري ويطالب مؤسسات الدولة للقيام بدورها    الاحتلال يرتكب مجازر جديدة بغزة وارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و683    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    ماذا يحدث داخل حرم جامعة صنعاء .. قرار صادم لرئيس الجامعة يثير سخط واسع !    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    عندما يبكي الكبير!    صحيفة بريطانية: نقاط الحوثي والقاعدة العسكرية تتقابل على طريق شبوة البيضاء    غدُ العرب في موتِ أمسهم: الاحتفاء بميلاد العواصم (أربيل/ عدن/ رام الله)    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    حادث تصادم بين سيارة ودراجة نارية على متنها 4 أشخاص والكشف عن مصيرهم    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«القاعدة».. خطر داهم على اليمن وتهديد لمستقبله
نشر في عدن الغد يوم 18 - 10 - 2015

لا يعتبر ظهور تنظيم «القاعدة» في اليمن أمراً طارئاً، فظهوره يمتد إلى سنوات طوال، ربما قبل إعلان تبنيه بعض العمليات الإرهابية في مناطق مختلفة من البلاد في تسعينات القرن الماضي، وحتى قبل أن يكون للتنظيم هذا الحضور الكثيف في مناطق مختلفة من العالم.
يعد تنظيم «القاعدة» امتداداً للحركات الجهادية التي شهدها اليمن خلال الثمانينات من القرن الماضي، عندما كانت هذه التنظيمات تحظى برعاية كاملة من الدولة في شمالي البلاد، وتنشط بشكل عملي بفعل السياسة التي اتبعتها الحكومة اليمنية في تلك الفترة بإرسال المئات من المقاتلين إلى أفغانستان تحت يافطة محاربة الاتحاد السوفييتي.
كانت المعاهد العلمية التي تمت إدارتها بشكل كامل من قبل جماعة الإخوان المسلمين، الرابط الكبير بين الجانبين، والذي وصل إلى ما يشبه «الزواج الكاثوليكي» بين جماعة الإخوان والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، فقد كان القاسم المشترك للجانبين هو العداء للنظام اليساري في جنوبي البلاد الذي كانت قوته حينها قد وصلت إلى أطراف مدينة يريم، جنوبي العاصمة صنعاء.
أطلق صالح أيدي الإخوان المسلمين للتعاطي مع أتباعه بالطريقة التي يراها، فيما ذهب هو لتعزيز قدرات نظامه العسكري، فقد كان صالح يدرك أن الإخوان هم الوسيلة الوحيدة لتثبيت نظام حكمه، فيما كان الإخوان يرون في صالح رئيساً ضعيفاً، وأنه بالسيطرة على المعاهد العلمية والمدارس وهم قاعدة التفريخ الرئيسية للتنظيم، سيبقى صالح تحت أيديهم لفترة أطول.
ظلت العلاقة مستمرة بين صالح والإخوان لفترة تصل إلى نحو 15 عاماً، والممتدة بين 1978، عام تولي صالح السلطة والانتخابات النيابية الأولى في إطار الجمهورية اليمنية بعد وحدة شطري اليمن عام 1993، وخلال هذه الفترة جرت مياه كثيرة بين الجانبين انتفع كل طرف بما لدى الطرف الآخر من إمكانات لخدمة مشاريعه.
مصالح متبادلة
سهل نظام المخلوع صالح نشاط جماعة الإخوان المسلمين في اليمن بفتح الأبواب أمامهم لخوض الحرب ضد عدوهما المشترك في الجنوب، وعبر ممثل هذا النظام المعروف ب«الجبهة الوطنية»، فصالح اعتبر الجبهة واجهة سياسية وعسكرية للنظام في الجنوب، وتريد الانقضاض على حكمه، فيما اعتبرها الإخوان تنظيماً مرتداً عن الإسلام، وأشاع الطرفان معلومات عن كفر وإلحاد أعضاء الجبهة وتمت محاربتهم تحت هذا الغطاء.
وقدم صالح للإخوان التسهيلات الأكبر بإطلاق أيديهم لتجنيد المئات بل الآلاف للذهاب إلى أفغانستان، وكان من أبرز من ذهب إلى هناك الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي كان أحد أهم حلفاء صالح في تسعينات القرن الماضي، وحتى انفراط العقد السياسي بينهما في 2011.
في أفغانستان بدأت تتبلور خارطة هيمنة الإخوان على مقاليد السلطة في اليمن، لكن ذلك كان يسير بالتوازي مع جهود صالح الحثيثة في إنشاء قوة عسكرية تستطيع مواجهة خطر الإخوان، وهكذا بدأ الصراع بين المخلوع والإخوان يسير في خطين متوازيين، فالإخوان كانوا يرون صالح بعيون 1978، أي الرئيس الضعيف الذي يمكن التهامه في أي وقت، فيما كان صالح يرى في الإخوان الخطر الأكبر عليه وعلى نظامه بعد انتهاء مرحلة أفغانستان فعمل على تقليص نفوذهم.
كان الطرفان، رغم الاتفاق العلني والظاهر بينهما يقفان على طرفي نقيض، فقد نمت قوة صالح العسكرية بفعل علاقات قام بنسجها مع دول الجوار، بخاصة المملكة العربية السعودية التي عملت على تقوية مؤسسته العسكرية ليتمكن من الصمود أمام معارضيه، في الوقت الذي كان يتضخم فيه دور جماعة الإخوان في الحياة السياسية بشكل أكبر من خلال تغلغل قادتها في مؤسسات الدولة بشكل كبير، ساعدها في ذلك وجود الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر على رأس هرم السلطة حينها، جنباً إلى جنب مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، إضافة إلى القائد الإخواني الكبير في الجيش، المتمثل في قائد الفرقة الأولى مدرع علي محسن الأحمر.
خلال وجود قادة الإخوان في أفغانستان حدثت تحولات فكرية كبيرة، كان من شأنها أن تعيد رسم خارطة التحالفات بينهم والمخلوع صالح، وفي حين عاد الشيخ الزنداني، وهو الأب الروحي للجماعة، من أفغانستان، إلى السعودية والبقاء فيها، طرأ تطور جديد في اليمن متمثلاً بالتحرك السياسي لإعلان دولة الوحدة عام 1990، فانبرى الزنداني لمهاجمة من يتبنى مشروع الوحدة، قائلاً إنه ليس من الممكن التوحد مع نظام ملحد وكافر، في إشارة إلى النظام في الجنوب حينها، بحكم ارتباطه بالمعسكر الاشتراكي.
شن الزنداني حينها هجوماً شديداً على فكرة التوحد مع النظام الجنوبي، وخرجت مسيرات في الشمال تعارض ذلك في وقت كانت مدن الجنوب تمتلئ بالمتظاهرين المؤيدين للوحدة، وربما هذا ما شجع الرئيس المخلوع لإكمال مغامرته في إتمام الوحدة، وكان ينطلق في ذلك من عاملين، الأول استثمار قوة دولة الجنوب في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، أي بما تملكه دولة الجنوب من سلاح وقوة عسكرية فتية، فيما كان الثاني تحقيق حلمه بتسجيل انتصار على نظام الجنوب الذي أذاق نظام الشمال الويل خلال الصراع بينهما في سبعينات القرن الماضي، بوصوله إلى حدود النظام في الشمال، وكان قريباً من إسقاطه في أكثر من مناسبة لولا تدخل الجامعة العربية لمنع سقوطه.
التنظيمات المتطرفة
بعد تحقيق دولة الوحدة عام 1990 كانت العلاقة بين صالح والإخوان تشهد بعض الفتور، فقد كان الإخوان يخشون من تحالف صالح مع القادمين من الجنوب، فيما كان صالح يخطط للقضاء على رفاقه القادمين من الجنوب بقفاز الإخوان أنفسهم، ولهذا رفض الدخول في مواجهة مفتوحة معهم، بما فيها تحركات الإخوان في معارضة الاستفتاء على دستور الجمهورية اليمنية عام 1991، والذي كان الإخوان يعتبرونه دستوراً علمانياً وهيجوا الشارع ضده من خلال خروج مسيرات مليونية في مختلف مناطق نفوذهم، وهي المناطق الشمالية من البلاد، بما فيها العاصمة صنعاء.
أدرك صالح أن مقاومة المد المعارض للإخوان ستكون خاسرة في ظل التعبئة الكبيرة للإخوان للسير في الصراع مع النظام الجنوبي السابق ورموزه، فاستغل حماسة الإخوان في التخلص من شركاء الوحدة القادمين من الجنوب وسار معهم في الحماس للتخلص هو الآخر منهم من مرتكز سياسي، يضاف إلى المرتكز العقيدي والديني لدى الإخوان.
التقت أهداف الإخوان وصالح في التخلص من «شركاء الوحدة» بغلافيه الديني والسياسي، وعندما بدأت الخلافات تطفو على سطح العلاقة بين الرئيس المخلوع علي صالح ونائبه علي سالم البيض حيال قضايا كثيرة، أهمها المتصلة بطبيعة بناء الدولة، استدعى صالح حلفاءه السابقين من جماعة الإخوان لتنفيذ خططه.
كان الأبرز في خطط صالح هو استدعاء التنظيمات الجهادية التي تم تدريبها في أفغانستان والذين صاروا يعرفون ب«أفغان اليمن» بعدما عاد أفرادها إلى اليمن، لتنفيذ عمليات اغتيالات تطال قيادات الحزب الاشتراكي اليمني ورموز الدولة السابقة في الجنوب، وبدأ هذا المخطط من عام 1992 عندما تم الشروع في تنفيذ مخطط اغتيالات لعدد من قادة الحزب، كانت أبرزها محاولة اغتيال رئيس مجلس النواب لدولة الوحدة الدكتور ياسين سعيد نعمان، ورئيس الوزراء حيدر أبوبكر العطاس، والأمين العام السابق للحزب علي صالح عباد (مقبل) وعضو المكتب السياسي للحزب أنيس حسن يحيى، ووزير العدل عبد الواسع سلام، فيما نجح الإخوان بالتعاون مع الجناح العسكري لصالح باغتيال العديد من القيادات السياسية والعسكرية في صنعاء ومناطق الجنوب على السواء، كان من أبرزهم القائد العسكري الكبير ماجد مرشد، الذي قتل في أحد شوارع صنعاء، وهو أحد مستشاري وزير الدفاع، وبعد سنوات تم اغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي جارالله عمر، والذي جاء في إطار نفس المسلسل الذي بدأه صالح والإخوان بعد الوحدة.

دفع الإخوان بعناصرهم الأفغانية إلى الجنوب انطلاقاً من صنعاء، وكان من أبرز هذه العناصر الشيخ طارق الفضلي الذي كان يعد من أكبر خصوم الحزب الاشتراكي اليمني، والذي يعتبره أحد أسباب خروجه من اليمن وسلبه مشيخة سلطنة الفضلي في أبين، إضافة إلى زين العابدين أبو الحسن المحضار.
كان الفضلي يقود ما يعرف ب«تنظيم الجهاد»، وجرى احتضانه في صنعاء وتوفير منزل له تحت إشراف رئيس البرلمان السابق الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر والشيخ عبد المجيد الزنداني، وأوكل إلى التنظيم مهمة تنفيذ عمليات اغتيالات واسعة لقادة الحزب في صنعاء وعدن وأبين وشبوة وغيرها من المناطق.

في 27 يوليو/‏‏ تموز من عام 1999 اعترف زعيم تنظيم جيش عدن أبين الإسلامي زين العابدين أبو الحسن المحضار أمام محكمة الاستئناف في أبين بمسؤوليته عن حوادث الاغتيالات التي طالت قيادات الحزب الاشتراكي اليمني في الفترة الممتدة من 91 1993. وقال المحضار الذي حوكم مع 13 شخصاً من رفاقه بتهمة خطف 16 سائحاً غربياً وقتل أربعة منهم في نهاية ديسمبر/‏‏‏كانون الأول من عام 1999، قبل أن يعدم لاحقاً، إنه نفذ الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي استهدفت قيادات بارزة في الحزب الاشتراكي الذي كان آنذاك شريكاً في الائتلاف الحاكم، واعتبر أن الضربات التي وجهها إلى الحزب في الفترة 1991 1993 أسهمت في إضعافه إلى أن أطلق الرئيس صالح رصاصة الرحمة عليه في نهاية حرب 1994 على حد تعبيره.
تزامنت هذه الاغتيالات مع ارتفاع إيقاع الصراع السياسي بين صالح والبيض، ولم تأت حرب عام 1994 إلا وكانت التنظيمات الجهادية قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من مراحل تصفية حساباتها مع النظام الجنوبي ومع الحزب الاشتراكي اليمني. ومع اندلاع أولى شرارات الحرب كان أعضاء هذا التنظيم في مقدمة الصفوف التي اتجهت إلى الجنوب لمساعدة صالح وجماعة الإخوان على التخلص من أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني وتجربة الجنوب ككل.
مرحلة ما بعد الحرب
بعد أن وضعت الحرب أوزارها وانتصر تحالف صالح والإخوان والتنظيمات المتطرفة، بدأ صراع يطفو على السطح بين الأطراف الثلاثة، في إطار استلام كل طرف مقابل ما قام به، فالإخوان كانوا يريدون شراكة كاملة في السلطة مع صالح، تصل إلى درجة المناصفة، بخاصة بعد أن خرج الحزب الاشتراكي، وهو الرأس الثاني في دولة الوحدة من المعادلة السياسية، فيما كانت التنظيمات الجهادية ترغب في أن يكون لها تمثيل في مختلف مؤسسات الدولة، وأن تفي الدولة بما تعهدت لهم به.
وفي الحقيقة لم يكن صالح مستعداً لتقديم تنازلات لأي من الطرفين، فقد سارع بعد انتهاء الحرب إلى مراضاة الإخوان بعدد محدود من المقاعد في الحكومة، ولم تكن في الحقيقة مؤثرة، بل إنها أضرت بسمعتهم في أوساط الشارع خاصة أنه سلم وزراء الإخوان وزارات مرتبطة بخدمة المجتمع: مثل الكهرباء والتجارة والتموين وغيرها، ولم يمر أكثر من عام إلا وكان الإخوان قد خرجوا من الحكومة وتركوها لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي صار يحكم منفرداً.
أما المتطرفون فقد أدار صالح لهم ظهره، ولم يعطهم ما كانوا يريدون الحصول عليه، وإن كان أبقى خيوطاً مع كبار قادة هذه التنظيمات ومنهم زعيم تنظيم «الجهاد» طارق الفضلي، الذي تم تعيينه عضواً في اللجنة العامة لحزب المؤتمر، وهي بمثابة عضوية في المكتب السياسي في الأحزاب السياسية.
وفي حين قبل البعض هدايا صالح، الذي اشترط عليهم عدم التطلع إلى ما هو أكثر من ذلك، فإن عدداً من قادة التنظيمات المتطرفة تمرد على صالح، ومن بينهم زين العابدين أبو علي الحسن المحضار الذي قام في عام 1998 بتنفيذ عملية خطف 16 من الرعايا الأجانب، وقتل عدداً منهم بينهم بريطانيون، رفض السير في طابور المؤيدين لصالح.
وقد اعترف المحضار بأنه كان يعتزم قبل إلقاء القبض عليه توجيه ضربات للمصالح الأمريكية في عدن، مبرراً ذلك بانتشار «مظاهر الفسق في عدن»، ما دفعه إلى القيام بعدد من عمليات وحوادث التفجير في المدينة.
وقال إنه دخل بعد ذلك في حوار مع السلطة استمر عاماً ونصف العام طالب خلالها بإقالة عدد من الوزراء، لكن المفاوضات لم تسفر عن شيء، وذلك دفعه إلى إعادة تنظيم قواته ونقل معسكره من منطقة حطاط إلى منطقة مودية بمحافظة أبين.
وأوضح أبو الحسن المحضار حينها أنه أصدر أوامره بالفعل إلى أنصاره لتنفيذ ضربات ضد المصالح الأمريكية في عدن ومنها التخطيط لتفجير باخرة أمريكية كانت ترسو قبالة ساحل رأس عمران بعدن، وذلك في وقت متزامن مع الاحتفالات بأعياد رأس السنة الميلادية عام 1998.
وقد مثلت الضربات التي وجهت إلى المصالح الأمريكية في اليمن ضرراً كبيراً للبلد، حيث دخلت دائرة الاتهامات بإيواء الجماعات الإرهابية وغض الطرف عنها، بخاصة أن هذه الجماعات تمكنت من إيجاد موطئ قدم لها في المناطق الجنوبية، بحكم التسهيلات التي تحصلت عليها من قبل النظام السابق، إضافة إلى الأرضية الفكرية التي كانت تنهل منها هذه الجماعات.
وربما كانت هذه النقطة واحدة من النقاط السوداء في تاريخ علاقة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً بالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، إذ إنها كانت تدرك طبيعة العلاقة بين صالح وهذه التنظيمات وتوظيفها لصالح إبقاء التوازن قائماً في البلد، بخاصة مع خصومه، حيث كان يستعين بهذه التنظيمات لتصفية حساباته معها.
كان صالح يبحث عن المزيد من الدعم لمواجهة هذه التنظيمات في وقت كانت تربطه بأعضائها علاقات كبيرة، ويروي أحد أعضاء تنظيم القاعدة، قتل مؤخراً في المواجهات الأخيرة في مدينة عدن، أن صالح كان يستدعيه وبعض من زملائه إلى مبنى دار الرئاسة في صنعاء إذا ما أراد تحريك بعض الملفات ضد خصومه، كما حدث في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلد عام 2006، عندما زرع أحد أعضاء التنظيم مرافقاً لمنافسه في الانتخابات حينها المهندس فيصل بن شملان، ثم نشر صورته في وسائل الإعلام أن بن شملان يستعين بالإرهابيين، قبل أن يختفي الرجل بشكل نهائي من المشهد. وهذه القضية ظل نائب الرئيس السابق علي سالم البيض يرددها باستمرار عندما كان يؤكد أن مقر تنظيم «القاعدة» في دار الرئاسة، في إشارة إلى احتضان صالح للجماعات المتطرفة في البلاد.
المدمرة «كول» الأمريكية
اعتقد صالح أنه بإعدام أبي الحسن المحضار واستمالة طارق الفضلي إلى عضوية اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، استطاع أن يأمن خطر التنظيمات المتطرفة، لكن هذه التنظيمات بدأت بالتمرد عليه بعد الدعوات التي أطلقها أسامة بن لادن لتوحيد صفوفها، وكان ذلك إيذاناً بإنشاء تنظيم «»القاعدة«في جزيرة العرب» (اليمن والسعودية)، حيث تمكن عدد من عناصر التنظيم في السعودية من التسلل إلى اليمن عبر طرق ووسائل مختلفة لتنفيذ عمليات ضخمة، سواء ضد المصالح الأمريكية والغربية في اليمن أو في المملكة العربية السعودية.
وضع تنظيم «القاعدة» رؤية لأهمية وجود قوي ومكثف للتنظيم في اليمن، لا سيما بعد الضربات التي وجهتها السلطات الأمنية في السعودية، والتي دفعت أعضاء «القاعدة» في المملكة للتحرك نحو اليمن، كما يرى التنظيم الاندماج بين فرعي التنظيم في كل من السعودية، واليمن هو طريق نحو القضاء على الفرقة، وتحقيق الوحدة بين أقطار البلاد الإسلامي، بحسب أدبيات التنظيم.
ظهر تنظيم «القاعدة» في اليمن بشكل بارز عند مهاجمة المدمرة الأمريكية «يو إس إس كول» في مدينة عدن، كبرى مدن جنوب اليمن، وهي العملية التي ذهب ضحيتها 17 بحاراً أمريكياً، ووضعت اليمن في خارطة الدول التي يهيمن عليها التطرف والإرهاب.
يعترف أحد منفذي الهجوم على المدمرة ويدعى عبد الرحيم الناشري أن عملية «كول» من بدايتها وحتى نهايتها كانت من تخطيط أسامة بن لادن، فهو اختار الهدف (كان الناشري يفكر في تفجير ناقلة نفط)، وهو الذي اختار المنفذين الانتحاريين، وهو الذي أمن الأموال لشراء المتفجرات والأجهزة، وكان الناشري «القائد الميداني» للعملية ومن أشرف عليها من اليمن، أما مهمة التنسيق داخل اليمن فأشرف عليها جمال البدوي وفضل القصع.
كان أسامة بن لادن شخصياً هو الذي جند عبد الرحيم الناشري، «مهندس» تفجير المدمرة «كول». فبعد مشاركته في أفغانستان، التحق مع مجموعة من 30 متشدداً ل«الجهاد في طاجيكستان» عام 1996، لكن أي «معارك جدية» لم تحصل مع القوات الحكومية، فعاد مع مجموعته إلى أفغانستان، والتقوا في جلال آباد بن لادن الذي كان عائداً للتو من السودان. خطب زعيم «القاعدة» فيهم مطولاً عن ضرورة «الجهاد ضد الأمريكيين»، وحضهم على الالتحاق بتنظيمه ومبايعته، لكن الناشري وغيره من مجموعته رفضوا ذلك.
عاد الناشري إلى السعودية ومنها إلى اليمن (إذ إن أصوله يمنية). وهناك، كما يقول في اعترافاته، تبلورت لديه فكرة شن هجمات ضد الأمريكيين بعدما شاهد العديد من السفن الأمريكية والأجنبية الأخرى تجوب سواحل جنوب شرقي اليمن. في 1997 عاد الناشري إلى أفغانستان للاطمئنان على أقارب له كانوا يقاتلون هناك، وأيضاً للإطلاع على تقدم «طالبان» في المعارك، وهناك التقى مجدداً بن لادن الذي كان ما زال يجند مقاتلين للمعركة المقبلة ضد الأمريكيين».
التحق الناشري نفسه بالمعارك وقاتل إلى جانب «طالبان» ضد أحمد شاه مسعود، وكان يتنقل بين جبهات القتال وقندهار، حيث يقع مقر بن لادن، وفي تلك 1998 التحق الناشري ب«القاعدة» وجند ابن عمه جهاد محمد علي المكي (المعروف ب«عزام») ليكون أحد الانتحاريين في تفجير السفارة الأمريكية في نيروبي.
في أواخر 1998 اقترح الناشري على بن لادن فكرة شن هجوم على سفينة أمريكية قبالة اليمن، فوافق الأخير على الفكرة وطلب منه تجنيد أشخاص للعملية وقدم أموالاً لتمويلها، وكان الناشري يقدم التقارير لبن لادن نفسه كونه الشخص الوحيد الذي يعرف بالخطة، لكن عندما عجز الناشري عن رصد سفن أمريكية في غرب اليمن، طلب منه زعيم «القاعدة» أن يذهب إلى مرفأ عدن بدل ذلك، وهناك جرت المحاولة الأولى لتفجير المدمرة «سوليفان» في يناير/‏‏‏كانون الثاني 2000، لكنها فشلت، أما الثانية فنجحت وكانت ضد المدمرة «كول» في أكتوبر/‏‏‏تشرين الأول من العام نفسه.
رداع والمكلا في قبضة التطرف
في ظل تقدم ميليشيات الحوثي نحو صنعاء في شهر أكتوبر عام 2014، سارع الإرهابيون للسيطرة على مركز مديرية العددين جنوب غرب اليمن، وعندما سيطرت ميليشيات الحوثي على العاصمة صنعاء، مقوضة السلطة الشرعية في البلاد، استغل «أنصار الشريعة» الفرصة، وقاموا بإعادة تسويق أنفسهم للمجتمع المحلي في محافظات الجنوب، بأنهم صاروا ممثل السنة في مقابل الحوثيين، وهو ما جعلهم يتقدمون للسيطرة على «رادع» في محافظة البيضاء ومهاجمة مقار الجيش في شبوة إلى أن وصل بهم الحال للسيطرة على المكلا التي يتواجدون فيها إلى الآن.
ورقة أخيرة بيد المخلوع
بعد أن نجحت قوات الشرعية والتحالف العربي باستعادة عدن، وتقدمها الباهر وتضييقها الخناق على صنعاء، بدا واضحاً أن المخلوع صالح اتجه لفك الحصار الذي يحيط به بالإيعاز لحلفائه في تنظيم القاعدة بمهاجمة أبين، ومهاجمة مقرات السلطة الشرعية في عدن، لشغل جيش الشرعية وقوات التحالف، وتشتيت جهودها، ولكن وعي قبائل الجنوب بمخططات المخلوع، سيبددها في مقبل الأيام، بعد أن تم اكتشاف الخلايا النائمة للمخلوع في أبين، وما يجب أن تضعه الشرعية والتحالف في الاعتبار، هو أن ما يقوم به المخلوع هو فرفرة مذبوح وقنابل دخانية لصرف الأنظار عن معركة صنعاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.